Tuesday 10th September,200210939العددالثلاثاء 3 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

إلى أين نحن ذاهبون؟ إلى أين نحن ذاهبون؟
عبدالمحسن هلال

توالت الأحداث في المنطقة العربية، خلال الأشهر القليلة الفارطة، إلى درجة بات معها المواطن العربي، مفجوعا من حجم ونوعية التنازلات والتراجعات العربية المذهلة. يفجع بهشاشة النظام العربي، ذلك الثوب الكثير الرقع الذي كانت، وما زالت، بعض الأنظمة العربية تتسربله على مر عصورها التنويرية والنضالية في سبيل التقدم والتحرر والتنمية. ثم جاءت مرحلة (التضامن العربي) كرقعة جديدة لذات الثوب المهترىء، استمرأ فيها النظام العربي تسمية الأشياء بغير مسمياتها، فسمعنا عن الدولة القطرية مقابل الدولة الأمة، والمصلحة الوطنية بديلا للمصلحة القومية، والواقعية السياسية أو العقلانية التي تبرر وتنظر تلك التراجعات، فكان أن تبدلت الأولويات وتغيرت الاتجاهات، ثم لما اتسعت الرقعة على الراقع والمرقوع، جاء يسعى على استحياء مسمى «الحد الأدنى من التضامن العربي» انه طوق النجاة الممكن في مواجهة العواصف التي تكاد تزلزل أركان المنطقة. أخشى ما أخشاه أن يكون السؤال الحقيقي هل جرفت العواصف العاتية كل آمال التجمع العربي وان في أدنى أدنى درجاته؟
الآن هل مازال فينا من يسأل عن كيف تم اختراق النظام العربي، هل هناك من مازال مشغولا بنظرية المؤامرة، وربطها إما بالحرب العالمية الثانية أو بحرب الخليج الثانية، أو بالثالثة المحتملة مع نهاية حرب الأمريكان الحالية؟ تلك لعمري أسئلة ترفيه لا تليق بمن وضعوا رأسه تحت السكين، أو من أوردوه النزع الأخير. كل هذا، في ظني المتواضع، بذخ فكري لا تتحمله ظروف منطقتنا العربية، نحن أحوج ما نكون إلى تفهم ما يجري حولنا، علنا، ما دمنا لا نملك السيطرة على مجرياته وقد نزعت من أيدينا معطياته، نفلح في التعامل مع مخرجاته، لا يجب أن نتوقف طويلا أمام العناوين، أو نلهث تحت وطأة التفاصيل، ونغفل عن ربط المقدمات بالنتائج، حتى إذا ما دهمنا المفروض علينا قلنا بالواقعية والظروف الدولية، وتحججنا بالمؤامرات الدولية.
ماذا يفيدنا الآن القول بتغير المزاج السياسي الأمريكي؟ ماذا يفيدنا توضيح ثم إعادة توضيح انحياز الموقف الأمريكي ضدنا؟ ماذا يفيدنا كل هذا الهجوم الصحفي ضد أمريكا؟ مازلنا نناقش أمور السياسة بميزان الأخلاق والفضائل، ونتعاطاها بمعايير القيم وأنابيب المبادىء الإنسانية، ما زلنا نعتقد بدوام المصالح أمريكا توزع خرائط سياسية وجغرافية جديدة للمنطقة، وما زلنا نحن نقول بإمكان تعديل الموقف الامريكي، وتحييد الدور الأمريكي، أمريكا التي لم تبال بإعلان خلافها مع أوربا حليفها الاستراتيجي، وخصامها مع روسيا وعدائها للصين، مازلنا نحن العرب نظن ونجتهد في كسب ودهاء، حتى وصلنا إلى مرحلة ينصحنا فيها وزير خارجية دولة عربية عظمى بالتوسل إلى أمريكا.
يخطىء، في ظني المتواضع، من يعتقد أن احداث الحادي عشر من سبتمبر، هي المحرك الرئيس، أو حتى المحفز لسياسات أمريكا الجديدة. لم تكن تلك الأحداث إلا الإبرة التي فقأت الدمل، فإذا به يتكشف عن ورم خبيث استشرى في الجسد السياسي الأمريكي، بل الجسد الإعلامي، حتى لا أقول الفكري، ولأن ذاكرة بعض الكتاب العرب مثقوبة فقد نسوا ما كان يعلنه الحزب الجمهوري الحاكم أثناء حملة الانتخابات الامريكية، عن أمريكا جديدة وقرن أمريكي قادم، واستثمار أفضل لانتصارها في الحرب الباردة، كثير من كتابنا العرب ما زال يتحدث ويُنظِّر عن الهيمنة الامريكية والاستحواذ الأمريكي، وأمريكا ذاتها تجاوزت هذه الفكرة وبدأت منتدياتها السياسية والفكرية في مناقشة فكرة الإمبراطورية وما تتطلبه من تطوير، بمعنى امركة للأنظمة العالمية، ومنها النظام العربي المعاق، تطورها بمسميات مختلفة هدفها واحد، فمرة باسم الديمقراطية، وأخرى باسم حقوق الإنسان، وثالثة باسم التحرر والليبرالية، وأخيرا باسم العولمة، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية، تكاد أمريكا أن تطبق على رؤوس العالم، وما زلنا نحن نفكر هل يمكن مقاطعتها اقتصاديا؟
والنظام العربي ليس إلا واحدا من ضحايا الهجمة الأمريكية، ولا علاقة لذلك بأحداث سبتمبر، فمهاجمة أمريكا للأماني العربية والحقوق العربية قديم بدأ منذ ظهرت إسرائيل إلى الوجود، ومنذ بدأ تدفق البترول العربي، ومنذ بزغ فجر جديد للعرب وأرادت أمريكا إطفاءه. ولم يعد سرا تبني الإدارة الحالية ما كان هنري كيسنجر يحاول إنفاذه بالرهان على غير العرب في المنطقة العربية، سقوط شاه إيران وتمرد صدام العراق، وكلاهما من صنيعة أمريكا، لم يبق غير إسرائيل لقيادة المنطقة تحت المظلة الأمريكية. ولتحقيق ذلك كانت أمريكا تارة تؤلب الشعوب العربية ضد حكامها، بالحديث عن الديمقراطية الغائبة وعن حقوق الإنسان الضائعة وعن الحريات المهدرة، وهي بضاعة قديمة تخرجها أمريكا من مخازنها كلما دعت الحاجة. وتارة أخرى تؤلب الحكام العرب ضد شعوبهم بفرض الأحكام العرفية وتكميم الأفواه وتضييق هامش الحريات، وأخيرا اهتدت أمريكا إلى ما تظنه الأفضل في التعامل مع شعوب الوطن العربي وحكامه بإطلاق برنامج قالت إنه سيحقق الإصلاحات الديمقراطية ويدفع عجلة التنمية والأمن السياسي، رصدت له أمريكا بكرم حاتمي، مبلغا وقدره 25 مليون دولار لإعادة تأهيل ناشطين سياسيين، بشراء ذممهم، واستقطاب صحفيين تكتب هي باسمهم، ومسؤولين نقابيين لاختراق نقاباتهم، ولن يهدأ لأمريكا بال إلا اذا فرضت القاراضاتية منهجا وسياسة مفروضة علينا.
هل هذه دعوة لمحاربة أمريكا؟ هل هي دعوة لمناصبتها العداء؟ إطلاقا، فما يهمنا في هذه المرحلة العصيبة، هو وضعنا ومستقبلنا، بكلمة أخرى جد مختصرة، ما يجب أن يهمنا الآن هو جبهتنا الداخلية وعمقنا الإستراتيجي. هل يعني هذا خلع الثوب العربي الكثير الرقع، أو استبداله بتحالفات بعيدة أو نائية أو غريبة؟ إطلاقا مرة أخرى، هي تعني، ضمن أشياء اخرى عدة، تمتين خيوط ذلك الثوب وإتقان تضفير قماشته. هي تعني، ضمن بدائل أخرى كثيرة، محاولة التماسك مجددا أمام هذا الإعصار، وإعادة بناء جذور الثقة، ففي عالم التكتلات الجديدة سيغرق حتما كل من سبح وحيدا. أما أمريكا التي لا يمكن مواجهتها، كما يزعم بعض العرب، فهناك ألف طريق وطريق للتأثير في قراراتها والتخاطب معها، ليس أولها مؤسسات مجتمعها المدني، ولا آخرها الحضور في منتدياتها الفكرية. أمريكا ليست البيت الأبيض فقط، ولا حتى الكونجرس وحسب، لأمريكا أكثر من باب فلماذا نصر على طرق الأبواب الخطأ، وأمريكا اولا واخيرا، ليست هي كل العالم. وأكذوبة القطب الواحد بدأت تتآكل خيوطها. يمكننا التعامل مع أقطاب أخرى عدة، إذا نحن أحسنا التصرف وأعددناه على نار هادئة. إصرارنا على امريكا وحدها، وإصرارنا على طرق بوابتيها الخطأ، سيحول السؤال من: إلى أين نحن ذاهبون؟، إلى: أين يراد لنا أن نذهب؟

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved