Tuesday 10th September,200210939العددالثلاثاء 3 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (/9 48) خالد الفيصل: كيف؟ (/9 48)
مقدمة للبحث في الصبغيات الفكرية «خالد الشخص / النص»
عبدالله نور

لم يكن خالد الفيصل طوال بقائه في الرياض، وطول ملازمتي إياه بشكل يومي وفي أوقات متطاولة، لم يكن ليرغب الحديث عن حياته في أمريكا أو بريطانيا إبان دراسته هناك. ربما لأنني، أو لأن الذين كنت أراهم من جلسائه لم نملك من المعلومات ما يدفعنا الى قول شيء يثيره الى الكلام، أو لأنه لا يرغب في إظهار مالديه كي لا يظهر كلامه في شكل المماراة وإبراز التفوق المشهود له من بين الذين عاصروه أو زاملوه هناك، على أن من الجلي الواضح في سيرته العملية والادارية أنه قد تعلَّم من دراسته في الخارج مناهج التخطيط وفنون الادارة وأساليب التخاطب المدروس في علم الاتصال وبناء العلاقات بشتى أنواعها.
كانت بيئته العملية نظيفة دائماً وليس على مكتبه الا معاملة واحدة بين يديه يحشد لها كل طاقته وأحاسيسه، فإذا فرغ من معاملة جيء إليها بمعاملة أخرى، وأدراجه دائماً نظيفة ليس فيها إلا ما يخص كل معاملة على حدة، وإذا اقتحمت عليه أوراق أخرى عرف كيف يقبلها فوراً، أو يرجئها، أو يدعها تنصرف الى إجراء آخر ولا يدعها تدخل في سباقات معاملات أخرى أبداً مهما كانت الظروف والأحوال. ولا أكون مبالغاً إذا قلت بأنه هو أول مسؤول رأيته على هذه الحال، وحين بدأ في تنظيم أعمال الرعاية لم يزعج زملاءه من الموظفين العاديين أو من هيئة الاداريين بالتنقلات أو التنحيات أو أنه أقحم عليهم من غيرهم من الادارات الأخرى بل صادقهم وأضفى عليهم روحاً من الطمأنينة والثقة الكاملة وأعطاهم كل ما عنده من المعارف الادارية الممزوجة بالتواضع والصبر والهدوء والتشجيع والتدرج اليسير بلا تهاون وبلا محاباة أو مجاملة، إنه حريص دائماً بأن يكون محاطاً بالمشاعر الطيبة، وحريص دائماً على ان يكون سعيداً أو يكون الذين هم من حوله كلهم سعداء، وأن يكون مضيئاً ويضيء الذين هم من حوله، وإذا هو أدرك في بعض زملائه بعض أنواع الفشل حاول أن يعزو ذلك الى قلة التدريب أو عدم القدرة على إيجاد الهدف المنشود أو الحافز المرغوب، ودائماً ما كان يمد العون لبعض من يتعثر من موظفين محاولاً تبصيره في الاسلوب الأمثل في قيادة الذات وإدارتها مع إدارة الوقت اللازم لكل حالة سلبية ينبغي تجاوزها.
أما إذا جاء الكلام عن التأريخ السعودي ولا سيما إذا كان عن الملك عبدالعزيز فإنه ينطلق ويروي في كل مرة قصة جديدة لم نسمعها من قبل، أو يأتي بغيرها ولكن في أفضل سياق وفي أصدق ما قد روي وبشهود أناس يذكرهم بأسمائهم ويذكر الأحياء منهم والأموات، ولديه من الأشعار المنسوبة الى أصحابها في سيرة الملك عبدالعزيز ما ليس في الكتب وغير متداول عندنا نحن أبناء الرياض. وأكثر الأشياء الواردة في مقالاتي عن الملك عبدالعزيز في عامه المئوي من الروايات التي سمعتها من الأمير في (المنتدى الأدبي) وربما في مثل هذه المواقف يتجلى الأمير خالد في صورته الحقيقية كرجل عظيم يشعر بهذه العظمة ولديه مثل سائر الموهوبين إحساسه العميق بالتفرد والتفوق، بل إن مشاعر الاغتراب الروحي الذي يعيشه المبدعون المتميزون تظهر في كلامه مثل ظهورها واضحة في معظم أشعاره ومن منا من لم يتوقف عند قوله:
(قامت تعاظم غربة الروح يا سعود)
ومن منا لم يتوقف عند هذه الاغترابات المتعددة والمتنوعة في (غربة دار) وفي (على حد الزمن واقف) وفي (ركب الأغراب) وفي (غربة الروح) تبدو غربته مجالا واسعاً للبحث في جينات هذا الفكر المغترب، وصبغيات مثل هذا الفكر تستلزم الحفر في أعماق البنية الذاتية، بنية (الشخص/ النص) وليس العثور عليها من شروط القول اثبات القول بوجود هذا الإحساس العميق بتفوق كانسان متفرد ومتميز فهذا من تحصيل الحاصل، وإلا لكان الأمير في قلم الأشخاص العاديين غير الموهوبين، على أن البحث في هذه الاغترابات مطلوب ومهم لمعرفة الجانب الإيجابي فيها ومعرفة ما قدمه الأمير وما بذله من جهد رفيع لتماسك روحه وتصاعد فكره وقوة طاقته العملية في الارتفاع والتسامي وسط هذا البحر الهائل المتلاطم من طوفان الحياة.
وخالد، لم يكن معروفاً لدينا قبل أن يصبح مسؤولا في رعاية الشباب، لم يكن معروفاً لدينا كشاعر معدود مثل الشعراء المعدودين، وكانت هناك أغنية للمطرب المعروف سعد ابراهيم، وهي معروفة باسم (أجل لولاك) وفيها هذا البيت الذي يقول فيه للحبيب..


(ولكني أخاف من الليالي
تزل بنا وحنا ما درينا

وقد افتتن الناس بهذه الأغنية لأن في حركة الزمان هذا الشيء الذي نخافه جميعاً، فيه هذه الحركة التي لا ندري كيف نقع في الهوة السحيقة من حيث ننزلق حين تزل بنا الليالي دون أن ندري؟!
ولم يكتب الأمير طيلة بقائه في الرياض شعراً يناقش فيه مسألة الموت إلا بعد رحيله الى (عسير) أميراً عليها، ولما انتقل الفيصل الى رحاب الخلود تقدم الأمير بأروع مناقشة في أيام رحيله وأروع مناقشة بعد خروج (مؤسسة الملك فيصل) الى الوجود، ثم بتقدم العمر صار أكثر إدراكاً للزمن في حركته المتأرجحة بين الموت والولادة، وصارت جميع قصائده معادلا موضوعياً يحارب فيها الموت في كل أشكاله المتنوعة والمتعددة، وأكثر هذه القصائد سخونة هي (على حد الزمن واقف) و(رأس السنة) و(خمسين عاماً) و(يوم ميلادي) و(شمس العصر) و(ركب الأغراب) ويستطيع الباحث في شعر الأمير أن يستظهر من هذه القصائد بحثاً مستقلا في (فلسفة الشاعر في الحياة والموت) وحتى في قصائد أخرى مثل (الظنون الثائرة) ترى صورة الصراع بين الحياة والموت في شكل (الغزالة في فلاها ذايره) وفي (يموت الشجر) إن نضاله ضد الموت هو في الحبيب الذي يستحضره في ليالي السمر وحيداً أمام النجوم العاتية اللامعة والشعر عنده هو سمر وغناء للسمر، وهذا الموقف الذي يراه ولا يتعداه ما جعله يختار بقصد قصائده موزونة ومقفاة صالحة للغناء بصحبة السُّمار، وقادرة بأوزانها على استحضار الحبيب على نفس الايقاعات التي كان يشاركه في الغناء والتغني بها في الأسمار القديمة والليالي الجميلة.
ان الشعر والسمر والغناء والايقاع الممزوج فيهم ذائب في روح الشاعر مثل ذوبانه في الليالي بنجومها ووميض كواكبها، إنه لبحر هائل يمسك بتلابيب الشهوة ويخرج لون السماء بلون الصقور، بلون الخيول بلون كل وجه من وجوه أهل هذه الصحراء المحروقة بالحب وبالدهشة حتى آخرها.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved