Wednesday 11th September,200210940العددالاربعاء 4 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (/10 48) خالد الفيصل: كيف؟ (/10 48)
مقدمة للبحث في الصِّبغيات الفكرية «خالد الشخص / النص»
عبدالله نور

ليست لقاءات «منتدى خالد الأدبي» هي أجمل شيء عندي، فجميع أنماطها والنسق الخاص بها غير ثرية بالمعارف وألوان النشاط النفسي والروحي والعقلي مثل اللقاءات العامة حيث يتوقف النشاط الأدبي والأنشطة الثقافية الأخرى وأكون محظوظاً وسعيداً باللقاءات العادية الأخرى مع سائر الناس، إذ ليس هناك ما هو أجمل من مجلس الأمير في حضرة أناس مختلفين في مشاربهم ومواردهم وبيئاتهم وثقافاتهم وفي تحضرهم أو تبدّيهم أو في العمل الذي يزاوله كل واحد منهم، فهذا صاحب صقور يروم عرض ما لديه، والآخر لا غاية عنده إلا في بيع المشالح أو البخور، وذاك قد جاء ليحكي قصة بئر مدفونة كانت عامرة يوم ان قام بأمر حفرها الملك فيصل رحمه الله وهذا من الاحساء له دالة ومعرفة قديمة وجوار للأمير في قصر السَّراج بالاحساء، وآخرون غيرهم ولكل واحد شأن من شؤون الحياة وعنده كلام، وآخرون من ذوي الحاجات المخبوءة في الأوراق التي يرومون تقديمها أو لهم حاجات يرومون الكلام عنها، هؤلاء وغيرهم عندي أكثر إثارة وأكثر إثراء لثقافتي ومعارفي ولشخصي كذلك، وغالبا ما يكون لقاء الأمير بعد المغرب عند الساعة السابعة أو بعدها بقليل.
يدخل علينا وكل محياه طافح بالوقار، ثم إذا سلمنا عليه وجلس لا نبدأه بشيء من الكلام حتى يطمئن في جلوسه، وحتى تطمئن جميع العناصر الظاهرة من تعابير وجهه، وتعابير بصره ويختار بنفسه البداية التي يريدها للحديث، وقد يكون البدء بإظهار الحفاوة بأكبر الجالسين القادمين مقاماً وقد تكون بغيره، ولكن الغالب في بداية الكلام هو الحديث عن أحسن شيء محبوب لدى معظم الحاضرين، فإن كانت الأجواء مناسبة للكلام عن الأمطار والسيول ونحوها فإن هذا مناسب للكلام، وفي أغلب الأحوال ترى الأمير يرغب في طرح الأسئلة ليستدرج الحاضرين واحداً تلو الآخر، وإذا هو قد لاحظ الغريب من ذوي الهيئات الفقيرة حباه بعطف زائد وأعطاه أكبر مساحة من الحرية المطلوبة بل يزيد فوق العطف بإعطائه من الأهمية ما يجعله يشعر بنفسه وقيمتها على خير ما يريد؟؟
لم أسمعه في كل أحواله حين يتحدث إلا وهو في حالة توازن وانسجام كامل، لا يتملق الكبار، ويبتعد عن الاسفاف في اطراء الناس، ويسمو على التُّرّهات، ولا ينصاع إلى الآراء التي تقال دون تمحيص، وإذا أخطأ اعتذر في الحال، وإذا هو في معرض للرسم ويريد ان يفتتحه ترك بعض اللوحات بدون اسم ليدع للآخرين فرصة المشاركة معه في اقتراح ووضع ما يرونه من الأسماء، وحتى بعض قصائده يدعها بدون عنوان ليسعد مثله أصدقاءه بالتلذذ في المشاركة الوجدانية في هذه الأعمال الإنسانية ذات العواطف الملتهبة.
وكثير من الناس لا يعرف كيف يتكلم في موضوعه الذي يريد وغير واضح وغير دقيق وقد يخطئ المرة تلو المرة وبعضهم ثقيل، وفدْم، وبعضهم لجوج وصاخب، ولكن الأمير في حال من الهدوء الناعم، وفي نشاط نفسي يفيض بالحرارة الروحية وسحر الشخصية وقوة الارادة.
إن الهدوء الحاصل من التدريب اليومي المتواصل هو بلا شك من نتائج التفكير الدقيق، والتركيز الدائم على الواجبات والمسؤوليات ومعرفة الذات معرفة حقيقية لكل نشاط روحي أو عقلي أو عاطفي، وليس بخاف على معظم جلسائه انه منذ ان كان في الرابعة من عمره كان محظوظاً برعاية خاله المرحوم الأمير سعود بن جلوي، إذ المعلوم انه يحضر في مجلس الإمارة بجانب خاله في الاحساء ليتعلم ويسمع ويرى ويستوعب ثم ليتمرن ويمارس حياته على ضوء ما تشعه هذه المسؤوليات والواجبات في جوانب حياته وشخصيته، ومن الأدب الرفيع في شمائله هو ما أراه في ضبط توازنه بين الراحة والتعب بين الصمت والكلام، بين التفكير للمراجعة، والتفكير للاستمرار، فهو في حالة انتباه للطاقة كي لا تبدد او تتسرب او تصبح في حالة غياب لا يطيقه، والذي يكون على رغبة في ملاحظة الأقوال التي ترد كثيراً في أحاديثه سيلحظ انها وردت في أشعاره وصارت في أفواه الناس وفي أمثالهم وفي تعابيرهم وفي الشوارد التي تتردد على الألسنة في المعاني الشاردة أيضاً، ومن ذلك قوله «لك حق تزعل ثم لك حق نرضيك» وقوله «عطيته مهجتي والمعطي الله» وقوله «يا ولد لا تسافر عن حبيبك بعيد» وقوله «يا غالي الأثمان غلوك بالحيل» وقوله «الناس واجد لكن الحب غلاب» وقوله «القُوِيْ الله ولكن ما قويت» وغيرها.
هذه ليست مجرد أقوال، انها في كل سلوكياته، وفي كل أنشطته العاطفية والعقلية، انها ناتج لخالد الشخص/النص، مطابقة بين المادة والروح، مثابرة على الاستقلال النفسي الصحيح وجذب لعناصر القوة من التفكير اليومي المتواصل، ثم لا شيء اضيفه إلى معرفة الناس الآخرين إلا ويكون عند غيري ما هو أزيد وأهم ولم أبسط جميع ما علمت ولكن تخيرت العناصر الجوهرية في أسلوب الأمير حين يتحدث مع الناس في سائر أحوالهم، وأزعم أن من الضروري ان يكتب المرء ما يظنه من المزايا صالحاً للتأمل والتساؤل والبحث الرصين لأن نتيجة الجمع في النهاية موضوع فكري وفلسفي مادام هناك على وجه الدنيا مخلوق له عقل متميز لا يستطيع ان يضم اذنيه عن نداء الوجود، ونداء الحياة، ونداء البشر.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved