Saturday 14th September,200210943العددالسبت 7 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (12/48) خالد الفيصل: كيف؟ (12/48)
مقدمة للبحث في الصبغيات الفكرية
«خالد الشخص / النص»
عبدالله نور

و(منطقة رجال ألمع) التابعة لعسير، تعد في حد ذاتها متحفاً طبيعيا وشعبيا مفتوحاً للطبيعة والناس على حد سواء.
زرتها قبل عشرين عاماً لأرى الخط البري المعبد الذي أنشأه الأهالي في البلدية ثم اندفعت الحكومة لإنجازه اعجاباً بنشاط الأهالي، وهذا تصرف حسن وبديع وقدوة لأهالي كل منطقة من المناطق، ثم زرتها ثانية ولكن هذه المرة كانت زيارتي فوق (بساط الريح) ومن منّا يصدق هذا الكلام؟!.
زرتها بالفعل فوق العربة المعلقة (التلفريك) يصحبني السائق السيد أحمد مترك القحطاني، وأظن الناس معظمهم الرجال الكبار والأطفال الصغار يجدون في ركوب العربات المعلقة متعة مدهشة مثل متعة الطيران الشراعي، أو غيره تقريباً، وقد مارست متعة الطيران هذه فانطلقت من أعلى قمة جبل السودة على ارتفاع يتجاوز ثلاثة آلاف متر إلى منطقة جبال ألمع، كانت العربة وليس فيها غير السائق الذي يجلس إزائي، كان تتدلىَّ منحدرة من عنان السماء وهي تنزلق بحذر وتأن وسط الأجواء السحيقة والرغبة الممزوجة بشهوة الحياة وهي تتأرجح بين البقاء والفناء، وكانت هناك السقطات التي تنزلق من العيون على غرائبية الطبيعة في بعض التفاصيل التي تزوغ في الأحداق من هنا وهناك.
في هذه المنطقة تميز وفرادة من حيث الوفرة والكثرة في العلماء والأحباء والشعراء والفنانين وعدد شهير من النابهين في الميادين الأخرى، أما بخصوصيتها الطبيعية فتكمن في كونها مبنية في معظمها من الحجارة ومعلقة فوق صدور الجبال، ومعظم العمائر متجاورة ومتماسكة ومشدودة بعضها إلى بعضها كأنها أوهي بالفعل خائفة كل الخوف من بأس الوادي المهيب النازل تحت أقدامها، وهم يسمون هذا الوادي باسم (وادي العوص) وهو بالفعل وادي عويص، فالماء الذي ينزل فيه ينهمر فيه من قمم شاهقة جداً، وهو ينزلق بسرعة شنيعة صاعقة ويظل في صولة وجولة لا يدري أين يذهب ثم يعتريه الجنون فيهرب من هول القذائف التي تجتمع عليه من سيول الجبال وتظل هذه المطاردة المرعبة تحت أقدام البيوت المعلقة بين السماء وبين هذا الوادي الخصيب!!.
من أجل ذلك كنت أقول لأهل (رجال ألمع) أنتم رجال الماء، وفي لغة العرب أسماء مثل (المنذر بن ماء السماء) وفيهم أسم (مي) للمرأة، والرجل يسمَّى (يام) ومن ذلك اسم قبيلة (يام) وبلاد اليمن هي (يام) تأنَّنْ، أو بالأصح هي مشتقة من (اليَمْ) الذي كان الساميّون القدامى يعبدونه ويصفون اليم بأنه (إله المياه الجارية) وكذلك (اليمامة) من أقاليم نجد في المملكة، وهي من (اليَّم) وسميت اليمامة لكثرة ما فيها من اليم، وكذلك فإن عُمَان (بضم العين وفتح الميم) من العم وهو اليم، ومن التقاليب الاشتقاقية (عَمَّان) بفتح العين وتشديد الميم، ومعان، ونعام، وأمن، وأمان وأنام، المهم، ان أحسن وصف لأهل هذه المنطقة أن يوصفوا بأنهم رجال الماء، والمعروف أنه لا عبرة هذا بعرف (العين) الذي يبدلون عن الهمزة لأن العين حرف أو صوت حبشي دخل من السامية الحبشية إلى السامية العربية في زمن من أزمان الطفرات اللغوية الكبرى وما أزال حتى اليوم أذكر الصديق المرحوم الكاتب القاص عبدالله بامحرز فإنه يقول عن الخروج إلى الخارج: يقول: أخرج بَرَّعْ، أي اخرج بَرَّه.
حين هبطنا من عربة (التلفريك) لابد لي من زيارة (متحف رجال ألمع) وهو في قصر كبير مبني من الحجارة ويقع في خمسة أدوار، وهذا القصر لآل علوان والمشهور منهم الآن الصديق الاستاذ محمد علي علوان ووالده المرحوم الصديق الأستاذ علي علوان ومكانتهما الأدبية المرموقة الريادية أشهر من التعريف بذلك.
وزرت منطقة (رجال ألمع) مرة ثالثة فاقذيت بعض الكتب وبعض (المصورات) وبعض (الأفلام) وحضرت بعض فعاليات (مهرجان ألمع) وكان الأمير قد شَرَّف المفتاحة بحضوره حفل الافتتاح وحضور مسرحية رجال (ألمع) وذلك في (مسرح المفتاحه)، وهذا المسرح كما هو معروف يتسع لثلاثة آلاف شخص، ومجهز بأحدث الوسائل السمعية والبصرية، ثم إنه برغم كل تجهيزاته الحديثة مدمج بإيقاعات القرية الخارجية، ويدخل إليه الجمهور عبر عدة طرقات متعرجة مثل طرقات آية قرية صغيرة، وله مدخل آخر يفضي إلى الشارع العام.
كان موضوع المسرحية يدور حول أحداث متسلسلة ومترابطة تحكي معاناة أهل القرية حين يزمع أحدهم في بناء بيته وأهل القرية يساعدونه، شأن أهل القرى جميعاً، ولكن هذه المساعدة عجيبة وغريبة بالفعل، فالبرغم من كون المنطقة كلها جبلية والحجارة متوفرة بل وزائدة عن المطلوب، إلاَّ أن الحجر المناسب للبناء ليس متوفراً ولا هو زائد عن المطلوب، فالحجر المطلوب نادر والناس الذين يجيئون به يرفعون حناجرهم بالصياح على البناء راجين منه قبوله منهم ولا يذكر شيئاً من عيوبه.
أما الأخشاب وما أدراك ما الأخشاب، فالأمر ايضا على غيرما يبدو من توفر الأشجار في كل المنطقة. فهناك الأعمدة الصلبة التي تتألف منها هيكل البناء مثل السقوف وحاملة السقوف، هذه لا تتوفر إلا في مناطق نائية جداً، وهي من الندرة بمكان، أما أسلوب قطعها ثم حملها على الأكتاف بعد تجهيزها فالأمر شاق وشاق جدا لا يقوم آليه إلا الفتية الأشداء والرجال الحديديون؟!.
قلت للأمير بعد فراغ المسرحية معلقاً على كون اللغة المسرحية قديمة تعود إلى أكثر من نصف قرن، قلت لسمو الأمير إنني لم أفهم ولا كلمة واحدة، قال وهو يبتسم وأنا مثلك؟!.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved