Sunday 15th September,200210944العددالأحد 8 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثم ماذا؟ ثم ماذا؟
رعاة البقر أمسكوا بحبالهم!
بدر بن سعود

بوش قال في كلمة منشورة بمناسبة تفجيرات سبتمبر، ان الدولة القومية الأمريكية، ستساعد في التغلب على الفقر الذي يداهم 800 مليون إنسان عبر العالم، من خلال «صندوق تحديات الألفية» بينما تخلفت الولايات المتحدة في نفس الوقت، عن أي حضور مؤثر أثناء قمة الأرض الثانية المنعقدة في جوهانسبرغ 2002، لبحث موضوعات تضر بمصالح الشعوب، كالتلوث البيئي والتوازن الاحيائي البيولوجي وسخونة الأرض والمياه والصحة والنظافة إضافة إلى محاربة الفقر المنتشر دولياً ومحاولة تقليصه بوصفه مشكلة كبرى تتفاقم. قمة جوهانسبرغ جاءت متممة ومكملة لما جرى الاتفاق عليه أولاً في القمة الأولى للأرض قبل عشر سنوات في «ريو دي جانيرو» دون أي تفعيل يذكر، بل وشهد العقد المذكور معدلات غير مسبوقة لانتشار الفقر وزيادة أعداد الفقراء، فيما تقاعست أمريكا نفسها عن التوقيع على اتفاقية «كيوتو» للتسخين الحراري رغم الالتفاف الدولي حولها، كي لا تضر بمستويات المعيشة المرتفعة لدى الأمريكيين. الرئيس الأمريكي دار أيضاً حول حقوق الإنسان والعدل والتسامح والكرامة الإنسانية، إلى غير ذلك من الكلمات المفعمة بالحياة والنقاء الكامل، ولكنه بالمقابل أعاد صورة المكارثية الأمنية المتوجسة للمجتمع الأمريكي، واقام قوانين الأدلة السرية والمحاكمات العسكرية، بخلاف إجازة الاتهام والقبض والاحتجاز أو الابعاد دون شبهة معقولة أو دليل مقنع. فوكوياما المنظر الأمريكي/ الياباني الأصل وليس كاتب السطور، يعتبر هذا المنهج «فظاً» لا يليق بالعقلية الأمريكية ويفتقر للحبكة المطلوبة، ويرى ان الإدارة الأمريكية، بنهجها اسلوب اللعب على المكشوف لا تخسر العالم الثالث الضعيف، وإنما كذلك الشركاء الأقوياء في أوروبا والدول المهمة، لتبقى وحيدة ومعزولة آخر المطاف. فالملاحظ ان أمريكا تريد هذه المرة فرض مطالبها بالقوة المباشرة، كلاماً وفعلاً، بعدما جربت لسنوات طويلة اسلوب التفكير التكتيكي بعيد المدى والخطط الاستراتيجية، إذ لم تعد الحاجة قائمة لاقناع الآخرين والساحة خالية إلا من رعاة البقر.. وإلا بماذا نفسر نشر الدرع الصاروخي واعطاء إسرائيل حق الاحتفاظ بالأسلحة النووية وقدرات التدمير الخطيرة، مع مطالبة الغير بالتخلص منها، أيوجد فارق حقيقي بين شارون وصدام، وهل هذه عدالة؟
ثم كيف تحترم السلطات الأمنية الأمريكية حقوق الإنسان، وهي تحتجز أشخاصاً لا ذنب لهم سوى انهم ملتحون أو ذوو بشرات سمراء وملامح عربية، ودائماً بحجة مكافحة الارهاب، الذي لم يكن طارئاً أو مفاجئاً، فقد عانت ويلاته بخلاف أمريكا، دول كثيرة في افريقيا وأوروبا، بسبب جماعات سياسية متطرفة كجبهة الانقاذ الجزائرية، والجماعة الإسلامية المصرية، والجيش الجمهوري الايرلندي، والالوية الحمراء الإيطالية، والجيش الأحمر الياباني، وكاخ الإسرائيلية، وكو كلوكس كلان الأمريكية إلى آخر القائمة. بالإضافة لأن الولايات المتحدة ذاتها خاضت حرباً دبلوماسية وعسكرية محدودة، ضد الارهاب الموجه لمصالحها خارج امريكا طيلة ست سنوات مضت، ويبدو الاختلاف في موقع الحدث حيث انها المرة الأولى التي تأتي فيها الضربة من الداخل، لتقتل 3192 شخصاً خلال ساعات قليلة، وهو ما قوض اسطورة الحصن المنيع لتصبح الدولة الأقوى مركزاً لمجريات ظنت انها بعيدة عنها، واكتفت أمامها بدور المتفرج حتى طالها الألم واحست بالسكين تخترق أعماقها. تحت وطأة الانتقام منذ 11 سبتمبر الماضي، ضربت أمريكا عرض الحائط بكل ما قامت عليه في «إعلان الاستقلال»، واليوم يقرر الأمريكيون وبكل وضوح انتهاك سيادة دولة وإزالة نظام الحكم القائم بها وتطلب موافقة دولية بلا حجج أو أدلة تدعم الاقتراح، وإلا ستقوم وحدها بما قررت، أين نحن بالضبط؟، فوق هذا المنهج المشابه للتفكير النازي أيام الحرب العالمية الثانية، لن تضمن أي دولة تؤيد أمريكا أو تنضم لمجموعتها، ان تكون هدفاً مستقبلياً مادمت قبلت بالمبدأ ورضيت المشاركة كسباً للود. لقد كانت الحملة العسكرية وتغيير نظام طالبان الحاكم في افغانستان إلى جانب ملاحقة أعضاء القاعدة وضبطهم، سلوكاً مبرراً حظي بتأييد دولي محموم ومازال، فهناك شبه اتفاق ان تلك الفئة تشكل خطراً يتعدى أمريكا ليحيط بالعالم أجمع، وربما ظن الأمريكيون عندها بأن العالم قبل الانقياد المطلق نحو رغباتهم مهما بدت متجاوزة، وذلك أمر يرفضه التفكير السليم للإنسان متوسط الذكاء فضلاً عن غيره. وينبغي لمن يهمهم استقرار الأوضاع بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، حماية للمصالح المتبادلة، تهدئة الجموح الأمريكي المتواصل، وافهام الساسة المؤثرين وخصوصاً العسكر منهم، بأن الفكر الارتجالي غير القابل للمناقشة، لا يناسب العلاقات المصيرية والحساسة فيما بين الدول، كما هو الحال مع الأوامر العسكرية وخطط العمليات القائمة على تقدير الموقف اللحظي، وإلا فستكون أمريكا أول الخاسرين؟.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved