من النظريات الأدبية التي يبرهنها تاريخنا الأدبي مراراً وتكراراً نظرية مفادها «انه كلما اتسعت دائرة تأثير الأديب على محيطه كلما كان ذلك دلالة على عظمة الإبداع وقدرة المبدع»، وهذه النظرية تصف أركان العملية الإبداعية على انها عبارة عن: مبدع، وجمهور، وإبداع، وتأثير. لذا نجد ان الأدباء الذين لاتزال تتواتر أسماؤهم في مختلف الأزمنة والأمكنة هم أولئك الذين حازوا على واسع الانتشار بديمومة التواصل والتأثير على الجمهور سواء في لغتهم أو أخيلتهم أو معانيهم «حتى أصبح الدهر منشداً» لهم وبهم!!.
وفي واقعنا الأدبي والشعري منه بخاصة وفرة متنامية في الدواوين الشعرية المحلية «1341 ديواناً شعرياً وفق احصائية مكتبة الملك فهد الوطنية»، إلا أن تنامي هذه الدواوين أصبح في الآونة الأخيرة يتجه عكسياً مع تأثيرها على المتلقي المثقف، فضلاً عن تأثيرها على المتلقي العادي!!
ولعل أحد العوامل الهامة في اضعاف العملية التبادلية بين المبدع والمتلقي في المرحلة الحالية ذلك التحوُّل الذي نحا بالعملية الإبداعية عن الجمهور نتيجة فهم مغلوط لمصطلح «النخبة الأدبية»، مما حدا بكثير من الشعراء الشباب إلى التشرنق داخل وهم «النخبة» التي تحتم عليه ان يفكر ويقرأ ويكتب ويتحدث بعيداً عن الذائقة الاجتماعية لتتسارع خطوات المتلقي بعيداً فراراً من نصوص الأبراج العاجية!!.
ورغم جمال الأسوار التي تطوِّق مجالس «نخب» الإثارة وضجيج الأحاديث عنها سوف يبقى الجمهور هو المسؤول الأول عن اكتشاف واختيار نخبه التي تتناغم مع مكنوناته الجمالية وثوابته،
ولا يكون هذا الانتخاب إلا بعد ألفة بين المبدع والمتلقي يتسلل منها الإبداع بمعادلة تجعل «البيان سحراً»!!.
| 
