Thursday 26th September,200210955العددالخميس 19 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الميزات التنافسية للاقتصاد الميزات التنافسية للاقتصاد
د. لويس حبيقة

هنالك فرق كبير بين الميزات التفاضلية للاقتصاد وميزاته التنافسية. تعتمد الأولى على كمية ونوعية عوامل الانتاج المتوافرة في الدولة بحيث تقرر تبعا لها ماذا تنتج وتصدر وماذا تستورد وتستهلك أما الميزات التنافسية فتعتمد على مقدرة الدولة على خلق الأجواء المناسبة للعمل والانتاج. وإذا كان المفهوم الأول موروثاً من الاقتصادي البريطاني ريكاردو Ricardo (1823- 1772) فتطوير مفهوم الميزات التنافسية يعود إلى الاقتصادي الأمريكي مايكل بورتر porter الذي يعتبر من أفضل المتخصصين المعاصرين. مساوئ المفهوم الأول هو انه يربط فرص النجاح الاقتصادي بالثروة المادية والبشرية الداخلية المتوافرة. فمن ليس عنده ثروة، لا أمل له في النجاح. فوائد المفهوم الثاني انه يعطي امكانية النجاح للجميع، أي للدول التي تحسن خلق المناخ الاقتصادي المناسب للتقدم. فالدول الناجحة هي كذلك لأنها أحسنت إدارة نفسها، والدول المتأخرة هي التي فوتت فرصا كبيرة على نفسها. أهمية المفهوم الثاني انه يعطي أمل النجاح للجميع ويربطه بالسياسات الاقتصادية وليس بنعمة الحصول على ثروة كبيرة مادية أو بشرية. والأمثلة كثيرة اليوم على دول غنية لم تنجح اقتصاديا بسبب سوء الإدارة وعدم انتهاز الفرص المناسبة، ودول فقيرة اصلا ولكنها نجحت في خلق المناخات المناسبة وحققت بالتالي انجازات ضخمة. ففي المجموعة الأولى نضع معظم دول أمريكا اللاتينية وخاصة رباعي المركوسور Mercosur (البرازيل، الأرجنتين، البراغواي والأوروغواي) والذي يتراجع وضعه الاقتصادي مجددا ويذكرنا بأزمات الثمانينات الخانقة. ونضع في المجموعة الثانية العديد من الدول الآسيوية والأوروبية وفي مقدمتها سنغافورة وايرلاندا والتي خلقت قطاعات تكنولوجيا تعتبر مثالا للدول الجدية والجادة في التقدم.
مصدر التقدم الاقتصادي هو الانتاجية والتي لا يمكن ان تتطور إلا في ظروف مؤاتية مشجعة للمنافسة والخلق والتجدد والابداع. ففي امكان كل دولة خلق المناخ المناسب لتطوير الانتاجية وبالتالي لزيادة الثروة الوطنية. والحقيقة ان قليلا منها ينجح في ذلك بسبب ضبابية الرؤية عند المسؤولين السياسيين وسوء الإدارة وضعف التنسيق بين كافة أطراف الانتاج. فشركات وحكومات ومؤسسات الدول الغربية تنفق كثيرا على البحث والتطوير لأهميتهما في زيادة الانتاجية. فنسبة هذا الانفاق سنة 2000 من الناتج المحلي الاجمالي تعدى 9 ،1% في كندا، 2 ،2% في فرنسا، 5 ،2% في ألمانيا، 1% في إيطاليا، 9 ،2% في اليابان، 8 ،3% في السويد، 9 ،1% في بريطانيا، و8 ،2% في الولايات المتحدة. ويجب على كل دولة نامية وناشئة أو لمجموعة منها ان تنفق على البحث والتطوير تبعا لقدراتها، وذلك لسد جزء من الفجوة التي تفصلها عن الدول الغنية. ولايخفى على أحد ان وقف الهدر وترشيد الانفاق في كل الدول يعطيها فرصا اكبر لتمويل البحث والتطوير القطاعي او الكامل. ان تقاعس الدول النامية والناشئة عن القيام بما يكفي من البحث والتطوير يدعو للقلق، إذ يساهم في توسيع فجوة الدخل والثروة بينها وبين الدول الغنية ويضر بامكانيات نهوضها على المدى المتوسط والطويل. فماهي العوامل التي تساهم في خلق المناخ المناسب لتفعيل الميزات التنافسية للاقتصاد؟ نوجزها كمايلي:
أولاً: توافر المعلومات الصحيحة والكافية عن القوانين والمؤسسات ونشرها في كل الوسائل الإعلامية والإعلانية المتوافرة، بما فيها الانترنت بحيث تسهل مهمة المواطن والمستثمر خاصة. من هنا أهمية تخفيف الفساد وتسهيل وتسريع المعاملات الإدارية وتخفيض كلفتها. غياب المعلومات يعيق الاستثمارات ويرفع من مخاطرها ويزيد بالتالي العائد المالي المطلوب. فمن يحارب الشفافية هو من يستفيد من غيابها أي الفاسدون، فلايمكن تفعيل التجارة وتشجيع الاستثمارات في أجواء اقتصادية ضبابية.
ثانياً: الحوافز الاستثمارية ولانقصد الدعم وإنما الحسومات الضرائبية وتوافر التمويل الميسر والمتخصص والتأمين المناسب. ان تطور الأسواق المالية بمؤسساتها وأدواتها يفرض على كل دولة تطوير تشريعاتها بحيث تواكب هذا التطور، فالاقراض المصرفي التجاري العادي لم يعد كافيا بل لكل انفاق تمويله المتخصص بالنوعية والسعر. فالفرص الاستثمارية في العالم كبيرة وتسعى جميعها إلى اجتذاب الأموال للتنفيذ، فما يحرك الأموال هي الحوافز الواضحة والتي تلتزم بها حكومات الدول المضيفة. ثقة المستثمر الأجنبي بالدولة ومؤسساتها هي في غاية الأهمية في الاقتصاد المنفتح.
ثالثاً: وجود قوانين ومؤسسات تحارب الاحتكار وتحافظ على المنافسة وعلى حقوق المستهلك. المنافسة القوية تخلق بعض التوتر أو عدم الاستقرار في الأسواق ولكنها تفرض التغيير والتجدد والابداع للبقاء وتسبب في انتاج سلع وخدمات ممتازة بأدنى الاسعار. ان حماية الدولة للوكالات الحصرية قد ولت لأنها لم تعد مقبولة أو مبررة في زمن الانفتاح والاتصالات والتواصل فلا دور للدولة في حماية الاحتكارات أيا كانت مبرراته. ولكن على الدولة احترام العقود والملكية المادية والفكرية والعقارية دون ان تتدخل في محتواها.
رابعاً: لايمكن لأية دولة مساعدة شركاتها الوطنية على رفع الانتاجية إذا لم توفر لهم البنية التحتية المناسبة خاصة النقل والاتصالات، كما فرص التواصل مع المؤسسات التي تساعدهم على ذلك، فالانتاجية لايمكن ان تزدهر في غياب معاهد البحوث والمختبرات العلمية والتقنية والجامعات وغيرها. فاللقاءات العلمية الدورية والمباشرة بين المهتمين من شركات وباحثين ومسوقين وممولين وغيرهم تساعد في تطوير الافكار وزيادة حظوظ تنفيذها. تقع أهمية وادي سيليكون في احتوائه للاشخاص والشركات والمؤسسات المهتمة بالتكنولوجيا وتطورها فيسمح لهم بالتواصل وتبادل الأفكار في سبيل التقدم. مساحة الوادي هي 3840كلم مربع ويقع في شمال كاليفورنيا ويخدم حوالي 5 ،2 مليون شخص وقد حقق انجازات كبيرة عبر الزمن. فليس من الضروري خلق وادي سيليكون في كل مكان بل من واجب كل دولة واعية ان تسعى إلى خلق مايشبه الوادي وان كان بأحجام واختصاصات مختلفة.
ولابد من التنويه بالعلاقات بين الجامعات وقطاعات الأعمال والتي تهدف إلى خدمة مصالح الاثنين، فالجامعات تستفيد من التمويل الضروري لبحوثها ولمنحها ولاستمراريتها وتفيد قطاعات الأعمال باعطائهم الأفكار أو نواة المشاريع المستقبلية. مشكلة البحوث هي صعوبة حصر نتائجها ضمن جدران أربعة، فهنا تكمن صعوبة التمويل. فالممول يرغب عادة في حصر فوائد البحوث له وهذا حقه، ولكن هل يمكن التنفيذ. لهذه الاسباب وضعت قوانين حماية الملكية الفكرية وبعض المساعدات العامة المباشرة وغير المباشرة للمعاهد التي تقوم بالبحوث. ولكن لاشيء يمكن ان يمنع شخصا أو شركة بالاطلاع على ماهو متوافر والاستفادة منه في سبيل انتاج سلع أو خدمات مختلفة ولكن منافسة. بالإضافة إلى ما سبق، لايمكن ان ننكر تأثير توافر عوامل الانتاج المناسبة والمتخصصة والموقع الجغرافي والأوضاع السياسية والأمنية وغيرها على الاقتصاد ومستقبله، فهنالك دولة تنجح وأخرى تفشل في أوضاع متشابهة بسبب المناخ الاستثماري الذي تخلقه. كما لايمكن تجاهل الدور الكبير للحظ وللدولة في تقوية الميزات التنافسية للاقتصاد، فعوامل الحظ المفاجئة كالعقوبات والحروب والتكنولوجيا الجديدة مهمة وتؤثر ايجابا أو سلبا على الموقع التنافسي للدولة. كما يمكن للدولة ان تساعد الانتاج الوطني مباشرة عبر شراء سلعه وخدماته وتسويقها في الخارج أو بصورة غير مباشرة عبر الاستثمار في التعليم ومراكز البحوث التي تعطي مردودا مهما ولكن على المدى الطويل. فرص النجاح هي في متناول الجميع والرابح هو من يحضر لها ويقتنصها.

www.louishobeika.com

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved