Thursday 26th September,200210955العددالخميس 19 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شدو شدو
ضوائق الفكر مضائق الكتابة
فارس محمد الغزي

الحياة تواتر ضوائق مثلما أنها عبور مضائق، وبما أن الكتّاب بشر فهم يتعرضون أحيانا إلى ضوائق فكرية عسيرة تجبرهم على ولوج مضائق كتابية أعسر من العسيرة، وحين يحدث ذلك يصاب الكاتب بكافة أنواع (العسر) الهضمية والفكرية والمزاجية ولا يهون بكل تأكيد العسر المادي. وبما أن «الضرورات تبيح المحظورات» فهناك مضادات حيوية لعلاج انتفاء حيوية الفكر، وبكل صراحة يمكن القول جزما بأن كافة الكتَّاب من الجنسين من ضمنهم صاحب شدو قد تعاطوا بطريقة أو بأخرى مثل هذه المضادات وإن اختلفت مقادير وكميات ذلك، وبصراحة أقل قدرا وأكثر كمية من الصراحة السابقة يتوجب توخي الحذر في التعامل مع هذه المضادات، فهناك من الكتَّاب من تعاطاها بإسراف أدى به في النهاية إلى إدمانها.. حيث بدونها يصاب قلمه إما بدوخة أو بغيبوبة عميقة وأحيانا قد يصاب قلمه فجأة بالجفاف التام ليكتشف بعد أن يسترد وعيه.. أقصد يستعيد حاسة (التذوق) لديه أنه قد (شفط) الحبر ومع ذلك لم يسعفه على التحبير ذلك، وقد تجتمع كافة الأعراض السابقة في عرض واحد، حيث تدفع ضحالة التفكير بالكاتب إلى امتصاص كافة أحبار ما بحوزته من أقلام فيدوخ دوخة معتبرة تلقي به لاحقا في أحضان غيبوبة أكثر اعتبارا فيصحو تشوبه زرقة الحبر وقد شابت موهبته وتقلمت أظافر أقلامه، بل انكسر منه الخاطر مثلما انكسر قبل كسر الخاطر القلم.
إذن ما هو العلاج..؟!
في الحقيقة العلاج علاجات في علاج واحد تم تصنيعه من عنصر فاعل في الطبابة الفكرية يطلق عليه أطباء الفكر مسمى عنصر (التحايل)!!؟ ويسري على التحايل من المحاذير ما يسري على المضادات من المضامين التي يشي بها قول العامة (وش حدَّك على المر قال اللي أمر منه!)، غير أن التحايل يتميز بكونه آخر علاج وكما هو معلوم فآخر العلاج هو الكي الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى (الاحتراق..) وهنا تصبح الكتابة ذرا لرماد الفكر في عيون الانتفاء رغم حقيقة ان الرماد هو ذاته انتفاء لنيران الفكر المتوهجة.
في الختام هناك علاجات طبيعية وموثوقة لما تم استعراضه من أمراض من ضمنها ما يلي:
إما باللجوء إلى اتقان فنون البحث عن (الحبة) نفخا فيها حتى تبلغ بالمقاس حجم (القبة!).. او الالتحاق بدورة (سمكرة الدارس ومكيجة المندثر)، حيث يتم من خلالها إجادة كيفية عدم العفو عما عفا عليه الزمن والمبادرة إلى قتله مرة بعد مرة بالكتابة عنه أكثر من مليون مرة، ومن طرائق ذلك أن يتم حفر قبره (وطق!) غباره فمكيجته أسلوبا وتعطيره بلاغة وكسْوه بديعا خليقا يجعله رغم التخلق خلاقا.. وفي حال لم تتوفر الدورة السابقة فمن الممكن الانخراط في دورة بديلة شريطة أن تكون من دورات (صبه احقنه!) حيث يتم إجادة كيفية كتابة نفس الفكرة بأقلام مختلفة الألوان، ولعلنا نتذكر أن في تكرار الفكرة حماية لها من النفاد والانقراض استدلالاً بالقول المأثور الذي نصه (لولا تكرار الكلام لنفد)، وفي هذا الصدد كذلك يتوجب نسبة الفضل في اختراع هذا العلاج إلى صاحبه الشاعر العربي الذي قال: (ما أرانا نقول إلا معارا... أو معادا من قولنا مكرورا)..
أما في حال عدم نجاح اي من الوسائل السابقة فيتبقى علاج لا مفر من تجرعه..!! فهو علاج غير مأمون وله من الآثار الجانبية ما يتجاوز الجوانب إلى العواقب والقدم والخلاف والفوق والتحت.. وكل ما يدخل ضمن نطاق (الزعاف المميت حالا)، ويتمثل هذا العلاج في مهاتفة رئيس التحرير والاعتذار له عن عدم الكتابة لليوم الموعود بالضائقة الفكرية، وهنا فالواجب على الكاتب ألا يفشي أسرار المهنة فيخبر لا قدر الله رئيس التحرير عن السبب الحقيقي لعدم الكتابة.. فالكتّاب بشر معرضون لما يتعرض له غيرهم من البشر، كما أن رؤساء التحرير مثلهم في ذلك مثل كافة البشر أيضاً يكرهون أو من المفترض أن يكرهوا العسر الفكري المزمن تماماً مثلما يمقت القراء التجاعيد الفكرية الغارقة في لجج بحر المكياج اللجي.
أخيرا في حال نجاح هذه الاقتراحات المقدمة فالمرجو الاستغفار ل (شدو)، بل التصدُّق عنها فلعل وعسى أن يُغفر لها التبعات غير الناجحة لهذا النجاح..!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved