Saturday 28th September,200210957العددالسبت 21 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟(24-48) خالد الفيصل: كيف؟(24-48)
مقدمة للبحث في الصِّبغيات الفكرية
خالدالشخص/ النص
عبدالله نور

سمعت بعض بني شهر يقولون: فلان تاع اليوم، هكذا تاع أي تاء مقلوب أتى، أو الأصح أن أتى بمعنى جاء مقلوب تاء ولكن من أين جاءت هذه (العين) فصارت تاع بدلا من تاء ألم أقل إن (العين) حرف حبشي، وأن رجال الماء بدلا من رجال ألمع.
وسمعت بعض بني شهر يقولون عن انفسهم، أنهم ما يصلون، وأنهم ما يزكون، ويضعون الميم بدلاً من الباء والأصل في التأبب وهو الارادة والعزيمة أن يقال: با يصلون، با يزكون، وإبدال الميم مكان الباء لغة معروفة في اللغة السامية وفي الحرمين أيضا، ألا تراهم يقولون: بكة ومكة شرفها الله، ونظير ذلك كثير.
وسمعت في رجال (ألمع) يقولون: فلان إبر فلان ويبدو أن لهذا أصل في اللغة السامية الغابرة، ألا تراهم يقولون الابن البار، فمن أين جاء البر لم يكن من الابن لابيه، فالابن هو (البر) وهو (الدي تأرر) من أبيه، وسمعتهم يقولون بدلا من فلان آل فلان يقولون: فلان أو فلان، كأنهم استثقلوا اللام فحذفوها ثم ضخموا الهمزة بضمها فصارت الكلمة بدلا من (ال) صارت (أو) كأنك تنطقها بالانجليزية، فلعل هذا من ذاك.
وسمعت من أمثالهم قول الوالد لولده وقد شب عن الطوق قال: (عطيتك البندق ووريتك الظبا) والمعنى واضح.
وفي بعض المطاعم رأيت فتى من قحطان يلوم الطباخ على سوء تجزئته للحم فيقول له: كيف يا هذا تجزع اللحم تجزيعك مثل هذا التجزيع، يقول عن الجزء حين يجزأ أجزاء يقولها يا لعين بدلاً من الهمزة، وتذكرت أن رجال ألمع، ورجال شهر يبدلون العين مكان الهمزة، كان وهو يلوم الطباخ يعتمر بلباس أهل منطقة (الحبلة) وزيه زي الصديق الأستاذ النابه الأديب الشاعر عبدالله الحميد، فهو في مثل زيه وفي مثل لونه كذلك ولهؤلاء الناس في منطقة (الحبلة) قصة لا تخلو من الظرف والطرافة.
قيل: إنهم يسكنون في كهوف الجبل الشامخ بين تهامة وعسير، فهم يتصدعون عن الناس ويسكنون في صدوع الجبال على نحو ما تفعل السباع من الطيور كالصقور والعقبان ونحوها. وقيل: إن وسيلة التواصل فيما بينهم هي الحبال التي يربطونها في أجسامهم ثم يرتفعون أو ينزلقون بها الى كهوفهم، وليس لهذه المساكن أي درب سالك يمرق منه حمار، أو بغل، أو حتى بهيمة من الضأن أو أقل من الضأن.
كل هذا، والمنطقة عامرة بالخيرات. أرض خصبة تجود بالخيرات من حيث تكون غيرها من أراضي الجوار تشح بشح الأمطار، وفيها البن دون غيرها، والزيتون الذي لا يوجد في غيرها، وماذا في صدوع الجبال غير التوحش وصياح الغيلان أو سعال الريح وعويل السيول والعواصف، هذا عدا البرد الزمهرير والحجارة المرجومة من أعالي الجبال الشاهقة،
زرت الحبلة وتدليت ب(العربة المعلقة/ التلفريك) ورأيت بعض شبابهم يقوم بعمله ك(مرشد) سياحي، ودخلت بيوتهم وتأملت كل ما فيها وما حولها ولحظت ان الفتى وهو مرشدني يحاول ان أتعلم منه لماذا هي تحمل اسم الحبلة، لا لكون أهلها يتدلون بالحبال هذه عنده تشنيعة في غير مكانها، وفهمت أنهم في لغتهم يسمون البستان باسم (الحبلة) وهذا أمر طريف، وكذلك عندهم الحبيل، والمعنى مجازي مستعار من حبل المرأة، والحبل هو الحمل وهو الحقل وهو الحفل، والتعاقب بين هذه الحروف شيء مستفيض في اللغة، فأهل فلسطين يقولون: فلان يفلج الأرض أي يفلحها، وسمعت بعضهم في الاحساء يقولون: أيملح الأرض بدلا من يفلح الأرض، كان الفتى المرشد في غاية اللطف والتهذيب ولم يعد الآن يسكن مثل أهله وقبيلته في هذه الكهوف، إنها الآن خاوية وتلوح مثل رفوف الحمام المعلقة في أقاصي الشرفات المعتمة في القصور الدهرية للزمان السحيق، لقد بذل الأمير جهداً مشكوراً لاقناعهم بهجرة هذه الكهوف والسكنى مع بقية البشر، وأعطاهم الأرض المناسبة ثم قامت (مؤسسة الملك فيصل الخيرية) ببنائها لهم، مع بقية المرافق والخدمات ووسائل الحياة الحديثة وطبعاً صار لهم من المدارس والعناية الصحية وغيرها مثل غيرهم ورأيت بنفسي مساكنهم الجديدة وهناك غير الحبلة أماكن أخرى كانت معزولة عن الحياة وكأنها ليست من بلادنا، كأنها من جزر واق الواق ومساكنها في خط الاستواء.. من درك يا خالد.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved