Saturday 5th October,200210964العددالسبت 28 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (/30 48) خالد الفيصل: كيف؟ (/30 48)
مقدمة للبحث في الصِّبغيات الفكرية
خالدالشخص/ النص
عبدالله نور

ما هو الفكر؟ وهل له تعريف؟ وهل مات عصر التعريفات؟
من ثمار زيارتي لعسير هذا العام أنني حضرت المحاضرة القيمة التي ألقاها في «نادي أبها الأدبي» الأمين العام المساعد في «مؤسسة الفكر العربي» الدكتور علي عبدالله موسى، وكنت قبل هذه المحاضرة قد حضرت في مجلس الأمير خالد في الرياض ودار الحديث حول تعريف الفكر ما هو فأجبت مثل غيري، وقلت بأنه «هندسة التحليل والتركيب للمفهومات المعقدة» وهناك من سمعته يقول: بأنه التبصر والتفكر والتأمل في الأشياء على نحو ما وردت دلالاته في القرآن الكريم.
سأشرح قولي الآن، ولئن كان بعضهم يهمه أن يعلم ان التفكير هو من جذر «فك/ كف» أي تفكيك الشيء مثل دعوتك لكف يدك بالانطلاق ثم كفها، وهل يهمك أن تعلم أن الراء في الكف والفك للتأرير أي الاستمرار الدائم والحديث يشق عليك إذا أطلت.
لكن أعود ل«قولي في تعريف الفكر» بأنه هو «هندسة تفكيك وتركيب المفهومات المعقدة» وأشير بادىء الأمر أن التعريف الذي ذكرت مصطلح عليه بين المفكرين الأكاديميين وفي مراكز الدراسات الاستقرائية في الفكر والثقافة والفنون فالفكر هو العقل الذي يواجه المشكلات الصعبة ليقوم بحلها، وكل مفكر هو حلال مشكلات، أي هو مخترع، مكتشف، مبدع، كل مفكر مثقف ومبدع، وليس كل مثقف كذلك ولذلك فإنه «المفكر» فنان في التحكم في النظم والأنظمة المعقدة، أما الثقافة فهي منظومة واسعة تشمل كل شيء، والفكر متخصص في شيء، الثقافة محصلة الحضارة في المادة والروح، والفكر ابن روحي في أعلى درجات التفكير فكيف نفهم ماهية الفكر وعندنا هذه الحساسيات المفرطة، ونجهل معرفة التراكم المعرفي، ومعزولون، ومتناقضون، ومرضى بالانتقائية والفصام المعرفي.
كان تعريفي مأخوذاً من خبراء تقنية المعلومات، لأن عملهم هندسي أنتج هندسة جديدة، هندسة اللغة. هندسة الخيال، هندسة المعرفة. هندسة الأفكار، هندسة التعامل مع الترافع، والمتميع، والمحتمل، والمشوش وغير القاطع، هندسة العمليات المبتكرة في مملكة الحدس والابتكار.
ورغم أننا نفقد شيئاً ثميناً من العمر لأننا في الغالب نحاور أناسا محسوبين في الفكر وهم في متاحف الفكر الميت.
ما الفرق بين الفكر والثقافة؟ والجواب هكذا: الثقافة هي علم المستقبل، والفكر هو الابداع في علم المستقبل، ما الفرق بين الفكر والعقل؟ والجواب تعرفة من تعريف العقل بأنه يقوم على القواعد والالتزامات والقوانين والفكر يبدع ليضيف اليها.
لو انتصر ابن رشد هل كان يظهر ابن لادن؟
لو غير الأمة العربية، بعد ثمانية قرون من التخلف والتبعية والفوضى، لو غير الأمة العربية عبرت بكل هذا لماتت واندثرت، ولكن بقيت حية «ولو في غرفة الانعاش».
يالها من فضيحة بين الأمم وبين خلق الله أجمعين ان يظهر في مثل هذا العصر، ومن أرض الثقافة والدين والفكر، مخلوق في مثل ابن لادن. ولكن الفضيحة كانت قديمة في فضائيحة التاريخ العربي. إنها فضيحة العرب حين لم ينتصر منهج ابن رشد وانتصر المتنقذون من أصحاب العقول الضعيفة على ابن رشد وقد كان الذي كانا «كما يقول زويد»، كل ساعة تمر كل خسارة في فكرنا العربي تغدو شاهقة ومرعبة وتجرف القلب.
في قصر الضيافة، ونحن نشاهد بعض المتحاورين من الشبان المتعلمين وهم في ابراز محطة «الجزيرة» لهم يبدون في صورة الزعماء للفكر السعودي، والله وحده يعلم كيف تعلموا، وكيف تخرجوا، وكيف تسلقوا، وكيف..
كان الأمير خالد مثل الجالسين يراقب كلامهم ولم يجد تعليقاً على كلامهم ما يقوله فتذكر مقالة منشورة في جريدة الحياة، منشورة بعنوان «لو انتصر منهج ابن رشد في القرن الثاني عشر.. هل كان ابن لادن سيظهر الآن» وما تقوله المقالة هو الذي يريد الأمير ان يقوله وكيف يقوله وصدره مليء بماء الكلام.
تذكر الأمير المقالة ونحن جلوس عنده ثم أمرهم بأن يعطوني المقالة لأقرأها فلم يعثروا عليها وحين انصرفت الى الفندق بحثت عنها دون جدوى، وحين أفقت في الصباح الباكر بعث المقالة مدير مكتبه الأستاذ ابراهيم عسيري ولم ينس الأمير هذه المقالة لأن موضوعها، يبعث على الحسرة بالفعل.
واقع التعريفات أنه لا تعريفات:
لم تعد المقدمات تقود الى النتائج. وولَّى عهد الحتميات، واندثر قانون العلة والأثر، وأصبح التنبؤ الصادق والحقيقي هو استحالة التنبؤ وتداخلت الثقافات والفنون في متاهة المعلومات من حيث تداخلها مع المنظومات الأخرى، تداخل الى درجة التماس مع تخصصات معرفة وأصبحت المفارقات في أن يكون نجاح من يعرف أسوأ من فشله، تحطمت كل الثنائيات وحل محلها ثلاثية النهايات والمابعديات، والمعطيات، والتعريف بالشيء هو بترك التعريف به بل ب«الترميز» صارت الثقافة صناعة. وأصبح الفكر الفن السامي في هذه الصناعة.
من أين نبدأ؟ وكيف؟ ومتى؟ وأيان؟
هذه الأسئلة لها أجوبة واضحة في ذهن الأمير، ونبرة التفاؤل عنده عالية، هل يا ترى نقدر على ان نبدع مثل ابن رشد.
طبيعي فإن الأمير قد قام بنفسه بتسليم جائزة الملك فيصل العالمية للدكتور المصري أحمد زويل ب«نظريته في سحق الزمن» طبيعي ان الذي اختبره في مؤسسة الملك فيصل الخيرية قد ملأ أضلاعه بروح التفاؤل الحي.
ولماذا نذهب بعيداً؟ ألم يبدع الجندي المصري في تحطيم خط بارليف، ألم يبدع نجيب محفوظ في الرواية، ألم يبدع جبران خليل جبران في عالميته كشاعر، لماذا لا نبدع ولماذا لا ننجب مثل ابن رشد أو أعظم من ابن رشد. لقد هزموه لأنهم سلبوه حق الحرية في التفكير وحق التعبير عن فكره، ونحن اليوم رغم كل المشكلات نملك الحرية المسؤولة في التعبير، وحق الحصول الى المعلومات ومصادرها، وتداولها، وبدأنا نعرف كيف نبني أنظمة التواصل والأندية المستقلة، ونبني العلاقات فيما بيننا على نحو منسجم مع الواقع الاجتماعي ونحن نملك فوق كل هذا الرغبة في أن نتعلم الابداع والرغبة في تعليمه، ولاشك ان تعليم الابداع أكثر صعوبة من تعليم التفكير العلمي، المبدع وحده هو الفارس والقائد والمرآة الحقيقية للحضارة. وهو أولا وأخيراً فارس الفكر وزعيم المسؤولية في حمل الأمانة، ومسؤولية النهوض بالناس.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved