Monday 21st October,200210980العددالأثنين 15 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (48/44) خالد الفيصل: كيف؟ (48/44)
مقدمة للبحث في الصِّبغيات الفكرية خالدالشخص/ النص علو الهمة من تمام العقل
عبدالله نور

هل رأيتم طوداً من الأطواد يمشي على قدميه، هل رأيتم جبلاً يسير على قدميه، ذاك عبدالعزيز بن سعود، وحين وفد للسلام عليه الأمير خالد شأن سائر الأمراء الصغار والكبار، كان يصحبه شقيقه الأمير سعد وكانا صغيرين يلثغان بالكلمات ولم يريا جدهما من قبل، فسلما عليه مثل الصبيان وأخذهما إلى صدره وقبَّلهما وأعطى كل واحد ريالين وعلبة بسكوت وانصرفا عائدين يعبران مصابيح القصر حتى إذا أنس الأمير خالد أن لا أحد يراه أخذ الريالين ونظر إليهما في حال من يرى أن حقه أكبر من هذا، وقذف بالريالين وعلبة البسكوت وانتزع ما في يد شقيقه سعد وقذف الجميع في زاوية منتحية ولم يك يظن أن ذاك الرجل الأسود الواقف في ناحية يرقب الناس قد أبصره وهو يقذف بما لديه وأسرع فأخبر الملك عبدالعزيز الذي أسرع لتوه وأمر بأن يعادا إليه في أسرع حال، وأعيدا من حيث لم يك في الحسبان ما تبصره وتسمعه الجدران وسأل عبدالعزيز خالداً في دهشة وحنان أبوي لا يقوم بمثله غير الملك عبدالعزيز: من أنت ولده
- أنا خالد ولد فيصل.
- من هو فيصل؟؟
- فيصل بن عبدالعزيز؟؟
- فيصل بن عبدالعزيز، أنت خوالك آل تركي.
- إنت والله ولد فيصل، تعال، تعال وتعال أنت ياخوه
واحتضنهما من جديد بإعجاب وهو يضحك ويردد: أنت والله ولد فيصل، وأنت يا سعد ولد فيصل، لا والله معكم، وصار يحتضنهما ويردد: أنتم والله عيال فيصل وحين جلسا في حضنه واطمأنا في حبوته أدخل الملك عبدالعزيز يده في كيس الذهب الجنيهات وانتزع لكل واحد صرة مملوءة ترجح بكل شك بالأكف الغضة الصغيرة وعادا يتراكضان ولو أن الناس يطيرون لكانا أسرع من ضواري الطير. حدثني بهذه القصة الأخ عبدالله مختار آل عبدالعزيز وكان من رجال القصر وهو معروف وأبوه أشهر من أن يعرّف. صدق من قال: علو الهمة من تمام العقل، ومن عظمت همته عظمت هيبته، وتكررت هذه القصة ولكن بشكل آخر مع والده الملك فيصل حين زار المنطقة الشرقية وخالد وأخوه سعد مازالا في معية الوالدة في الأحساء، فوفد خالد وأخوه إلى القصر للسلام عليه والاستئناس به كما يفعل الأبناء مع الآباء، وظلا فرحين به ومع كل واحد منهما زجاجة (كاكولا) وهي من عجائب ذلك الزمن، فكان خالد مثل الصغار في عمره يتراكض جذلان في ردهات القصر ولم يشعر إلا بالزجاجة تنزلق من يده لتنكسر ويتشتت أجزاؤها وهو مندهش ويصيح قائلا: (إنبَجَّت، إنبَجَّت) أي انفقعت، انكسرت فسمع الملك فيصل صوته وأنكر هذه اللهجة الغريبة في الكلام وأراد إفهامه بأن هذه الكلمة من كلام ليس من كلام العائلة ولم يكن يتوقع من هذا الطفل الصغير أن يقول له في أسلوب المدلُّ العاتب: هذا كلامنا في (الحسا) وإذا أنك تود أن كلامنا مثل كلامكم وراك تتركنا في الحسا، خذنا معك للحجاز أو للرياض، ووقع الكلام في روع الملك من حيث لم يكن يتوقعه من هذا الصبي الناحل الخجول، وكانت هذه الجرأة البريئة سببا في انتقالهم إلى الحجاز، ولكنها جرأة وضعت تحت مراقبة صارمة سببت له احراجات لم تك في الحسبان.
الشجاعة أم الفضائل
صدق من قال: الشجاعة أم الفضائل، وهي من المكاسب المستحصلة، من صبغيات الأهل، أو البيئة، أو هما معاً، أو المجتمع مع هذا أو ذاك.
وقديماً قيل لعنترة بن عمرو بن قراد العبسي ما أنت والشجاعة قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما وكنت لا أدخل في مدخل ليس لي منه مخرج وكنت أضرب الجبان الضربة التي يرتجف منها الشجاع فانثني على الشجاع وأقتله. ومثلما يرث المرء من والديه وأهله الصفات الجسمية فإنه يرث كذلك الصفات العصبية والروحية والنفسية والمزاجية والعقلية وغيرها، غير أن الشجاعة مثل غيرها لا تصير من السمات الدائمة في طبيعة الشجاع إلا إذا كانت موروثة ولازمة للمرء من يوم مولده إلى أن يستكمل الخمسة أعوام من طفولته بمعنى أن يستوفي الدائرة الأولى من التكوين، وقصة الأمير في (البسكوت) وفي (انبجَّت) حدثتا في وقت مبكر، بمعنى أنه من النشأة الأولى قد استشعر في نفسه خاصة التميز والتفوق والاقدام مضيّا إلى الأمام، وهو ما يوافق هذه الجرأة الجامحة في الحالتين التي أشرت، وهناك قصص أخرى ولكني أكتفي بما قلت من باب التمثيل وليس للإحصاء والتطويل.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved