Wednesday 23rd October,200210982العددالاربعاء 17 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

خالد الفيصل: كيف؟ (48/46) خالد الفيصل: كيف؟ (48/46)
مقدمة للبحث في الصِّبغيات الفكرية خالدالشخص/ النص
عبدالله نور

ظاهرة البكاء الكاذب
ظاهرة البكاء في الشعر الشعبي أو النبطي بارزة للعيان ولكن ليست صادقة أو منضبطة بسياق معين، وهي في كلام العامة وفي حديثهم العادي أكثر صدقاً منها في شعرهم الذي نقرأه أو نسمعه ولاسيما في العقود الأخيرة وهم حين يقولون «عساي ما أبكيك» أو «أبكي على كذا.. وكذا» لأنهم على حداثة عهد بأزمنة الحروب والكوارث والأمراض الجائحة، ولكنها في الشعر الشعبي في هذا الزمن لا تبدو إلا مجرد ترداد تقليدي لبكائيات القدامى ومواجعهم.
ولكن ليس كل البكاء صادق ولا كل بكاء يدفع إلى البكاء، ولا كل شاعر في بكائه وتباكيه يستحق التأمل والنظر فيما يقوله إن صدقاً وإن كذباً، وما كل بكاء على درجة من العمق الصادق مثل غيره من البكائيات.
وخالد مثل أبناء عصره يكثر البكاء في شعره ويكاد يكون بكاؤه كاذباً لولا تلازم هذا البكاء بظاهرة أخرى لا تفارق كل شعره وحتى لا تفارق كلامه العادي في مجالسه العادية، وأعني ظاهرة الإحساس العميق بالزمن الذي يتغير ولا يني عن التغير الدائب المستمر المروع، وأول ما كان يلفت نظري حين كنت أزوره في «المنتدى الأدبي» تلك الملاحظات التي كان يبديها عن ألوان الخيل والصقور وما طرأ على ملامح بعض زملائه في زمن الطفولة أو الشباب أو الكهولة أو المكان والزمان.
وذات مرة كنت معه في نادي الفروسية وكان يتحدث عن لون فرس ما وقال لي: هذا اللون سيتغير بعد زمن ما، وعدنا إلى منزله وتحدث عن صقر ما فقال هذا لونه كذا وسيصير كذا، وفي اليوم نفسه أعاد الحديث عن لون شيء آخر وأنه سيتغير إلى لون آخر.
أما ملاحظاته عن المواقف الإنسانية وكيف تتبدل وتتغير وعن الإنسان وكثرة التغيرات فيه فإنها سمة ظاهرة في كلامه، وأعزو ذلك إلى طفولته حيث قضاها في مجالس أخواله حكام الأحساء، كما أعزوها إلى الأحداث الجسام التي أدرك أطرافها إبان تثبيت دعائم الحكم.
ومثل ذلك في بصر الحكام مختلف عنه في بصر الناس العاديين لأنهم واقفون على تجارب كل هو تحت ولايتهم.
العمر ينقص وحاجاتي تزود
حين أكمل الشاعر الخمسين من عمره أكمل قصيدته بعنوان «خمسين عام» بدأها بقوله:
سافرت خمسين عام من الزمان
هي عمر
ولا على هامش زمان
هي حقيقة علم
وإلا هي سراب
هي مواجيع الدهار
وإلاحنان..
وحين أكمل الستين من عمره كتب قصيدته بعنوان «مرت الستين» يقول في أولها:
مرت الستين والشايب طفل
توي أدرس في كتاتيب الحياة
مرت الستين ما زال الجرس
كل ما جيت أستره يكشف غطاه
إن الاعتراف مجرد الاقتراب بالعمر الخمسين، وبالعمر الستين شيء غريب في مثل حاله، وإحساسه بحركة الزمن السريعة الخاطفة ثم مناقشته لأحلامه وما تحقق وما لم يتحقق وعدم وثوقه في صدقية ما تحقق ثم هو لا يريد من هذا الزمان إلا.. انظر إلى قوله الآتي:
حاجتي في ركعتين
غير رب الوقت ما لي فيه شان
إنه يرثي نفسه بلا شك، ولكن لماذا يبكي على نفسه، وهل هو لأول مرة يرثي أو يبكي على حاله، لقد كان من زمن بعيد يتأمل هذه القضية؟ أليس يقول:
أجل لولاك والله ما بكينا
ولا هانت مدامعنا علينا
ولو تنسى هوانا يا حبيبي
حشا لله حنا ما نسينا
إذا تأملت «ما بكينا» ثم سرت معه إلى قوله:
ولكني أخاف من الليالي تزل بذا
وحنا ادرينا
هكذا يزل بنا، وطالع «من بادي الوقت»:
الوقت لوزان لك يا صاح ما دام
يا سرع ما تعترض دربك بلاديها
وطالع:
وداع يا نفس قدرها دعاها
تنازعت والموت ما عنه مردود
وطالع «يا زمان العجايب» و «عت الزمان».
وأجزم بأنه لا يخلو بيت من شعر دون أن يبكي ويرثي حاله، وهو في قرارة معناه العميق يرثي ويبكي هذا الوجود الإنساني كله في إطاره الواسع الذي لا يمكن الإمساك أو الإحاطة به فاختصره في الإطار الممكن، إطاره هو، نفسه هو..

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved