Friday 25th October,200210984العددالجمعة 19 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شعبان بين الفضائل والبدع شعبان بين الفضائل والبدع
د. محمد بن سعد الشويعر

يكثر الحديث قديماً وحديثاً، عن فضائل بعض الأعمال والمواقع والأزمنة، وعن البدع وما أحدث فيها عن بعض الأعمال والمواقع والأزمنة.. ويأتي الحديث في هذا وذاك بين تفريط وإفراط، وبين تشدّد وتراخٍ. وإن المسلم يجب عليه أن يكون واعياً لأمور دينه، حريصاً على ما فيه نفع، بعيداً عما فيه ضرر على نفسه، وعقيدته.. خاصة وأن العقيدة التي تتبعها بعض الأعمال هي المحور المحدد لمكانة الإنسان، وسلامة أو بطلان ذلك العمل. فلا يفضّل إلا ما فضله الله ورسوله، ولا يحدث الإنسان أمراً عليه مأخذ في النص أو السند، لأن الابتداع في الدين ضلالة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
وعلماء الإسلام رحمهم الله في القرون الثلاثة المفضلة، قد خدموا مَنْ بعدهم إلى يوم القيامة، فقد دوّنوا السنة، ومحصوها، ودقّقوا رجال السند في الأحاديث، فقدحوا في الرجال بالجرح والتعديل، ودقّقوا في خصائص نفوسهم وما طرأ عليهم: من عدالة وصدق، أو ضعف ومآخذ.. وكان رحمهم الله من حرصهم على تنقيح السنة، يبعدون الأخذ ممن لديه هفوة قليلة، أو غفلة طرأت، أو تخريف في آخر العمر، مخافة أن يكون ما روي عنه من حديث، إبّان حالة من حالات القدح المؤاخذ به.
ولمّا كانت السنة قد بانت في كتب الحديث المعتبرة، ورجال السند قد مُحِّصوا في كتب الرجال، فإن الحريص على براءة دينه، وسلامة عمله يجد لكل شيء طريقه الممهد.
ولما كنا قد تجاوزنا شهر رجب المفضل، ومقبل أمامنا شهر رمضان الذي جعل الله صيامه من أركان الاسلام، وفرضه الله في محكم التنزيل بآيات كريمات من سورة البقرة، وبين الشهرين شهر شعبان، الذي كثر فيه الحديث بين تفضيل وابتداع.. مثلما حصل في شهر رجب أيضاً.
فإن تعريف البدعة: ما أحدث على غير مثال.. ولكي تعرض الأمر على محكّ الميزان العادل، وهو ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله قد قال: «ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ». أي أن عمله مردود عليه.
وقد حرص كثير من علماء الإسلام كابن رجب في كتابه: لطائف المعارف، فيما لمواسم العام من الوظائف، وابن تيمية في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم، وغيرهما على تتبع هذا الأمر والإبانة عما يجب أن يؤخذ به، وما يجب أن يردّ..
وقد يكون إحداث البدعة حباً في العبادة، ومما هو معلوم أن الزيادة في أمر غير مشروع فتعتبر هذه الزيادة مردودة فمثلاً لو جاء شخص من الرغبة في حب الصلاة، وزاد ركعة في الفجر لتصبح ثلاثاً أو الرباعية الظهر والعصر والعشاء لتصبح خمساً، أو المغرب لتصبح أربعاً، أو بالعكس نقص ركعة فيها أو بعضها.. هل تقبل منه؟. لقد اتفق العلماء بأن هذا لا يقبل والصلاة غير صحيحة، فليس للإنسان أن يزيد أو ينقص على ما قدّر في شرع الله.. ولو قال إن مقصدي حسن بحبّ العبادة، فلذلك مجاله بالزيادة من النوافل حسب الطاقة.
وفي ليلة النصف من شعبان، قد أدخلت بعض البدع على الفضائل، يقول ابن تيمية رحمه الله: ليلة النصف من شعبان قد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة، وأن من السَّلف من كان يخصّها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة، ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف: من أنكر فضلها وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث: «إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب» وقال: لا فرق بينها وبين غيرها، لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم: على تفضيلها، وعليه يدل نصّ أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدّق ذلك من الآثار السلفية، وقد روى بعض فضلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر.
فأما صوم يوم النصف مفرداً فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسماً تصنع فيه الأطعمة وتظهر فيه الزينة: هو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها.. وكذلك ما أحدث في ليلة النصف من الاجتماع العامّ، للصلاة الألفية في المساجد الجامعة، ومساجد الأحياء والدور والأسواق، فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد وقدر من القراءة مكروه لم يشرع، فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق من أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب صلاة بناء عليه (ص 302-303).
ذلك أننا نسمع بين وقت وآخر من يجعل خصائص لنصف شعبان توجب صيامه، كقول بعضهم: بأن هذه الليلة هي التي ولد فيها المهدي المنتظر، والصحيح أن المهدي غير معروف من هو لأنه يخرج في زمان غير محدّد، وإنما خروجه من علامات الساعة، وأخبر صلى الله عليه وسلم عن صفاته.. أما ولادته فلم يثبت في تحديدها شيء يعتمد عليه.
لكن ابن رجب يعلّل لصيام يوم النصف بقوله: وأما صيام يوم النصف منه، فغير منهي عنه، فإنه من جملة أيام البيض الغرّ المندوب صيامها من كل شهر، وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه، ففي سنن ابن ماجة بإسناد ضعيف عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر».
ثم قال: وفي فضل ليلة النصف من شعبان، أحاديث أخرى متعددة، وقد اختلف فيها فضعّفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها.. وفي الباب أحاديث فيها ضعف ثم ذكر: أن ليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول ولقمان بن عامر، وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها بالعبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم ووافقهم عليهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة وغيرهم وقالوا: ذلك بدعة كله، واختلف فيها أهل الشام على قولين.. ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة النصف من شعبان، ويقول لم يثبت عن النبي شيء في قيامها (ص 135-136).
تصّرف بحكمة:
ذكر التنوخي: أن أبا عبيدة كان ينادم الوزير اسحاق المصعبي، فاستدعاه ذات ليلة في نصف الليل، قال: فهالني ذلك وأفزعني لما كنت أعرفه عنه، من شدة الإسراع إلى القتل، وخفت أن يكون ساوره أمر نحوي فنقم عليّ في العشرة، أو بلّغ عني باطلاً، فيسرع إلى قتلي، قبل كشف حالي، فخرجت طائر العقل، فأدخلت إلى بعض دور الحريم فاشتدّ جزعي. فلما انتهيت إليه إذا هو في حجرة لطيفة، فسمعت في دهليزها بكاء امرأة ونحيبها، ودخلت فإذا هو جالس على كرسي، وبيده سيف مسلول وهو مطرق، فأيقنت بالقتل.. فسلّمت فرفع رأسه وقال: اجلس أبا عبيدة، فسكن روعي وجلست فرمى إلي رقاعاً كانت بين يديه وقال: اقرأ هذه، وقراتها جميعاً فإذا رقاع أصحاب الشرط في أطراف بغداد. وفيها كبسات على نساء وجدن على فساد كلهن من بنات الوزراء والأجلاء الذين بادوا، ويستأذن في أمرهن.
ويقول: كل آبائهن كانوا أجلّ مني أو مثلي، وقد أفضى بهم الأمر في حرمهم إلى ما قد رأيت.. وقد وقع لي أن بناتي بعدي سيبلغن هذا المبلغ، وقد جمعتهن - وهن خمس - في هذه الحجرة لاقتلهن الساعة واستريح، ثم أدركتني رقة البشرية، والخوف من الله تعالى، فأردت أن أشاورك هل أفعل أو ماذا تشير؟؟.
فقلت: أصلح الله الأمير لا تقع كما وقع آباؤهن في خطأ التدبير، والذي أرى أن تستدعي فلاناً القائد، فله خمسة أولاد كلهم جميل الوجه، حسن اللبس والنشوة، فتزوج كل واحدة من بناتك واحداً منهم، فتكتفي العار والنار، وتكون قد أخذت بأمر الله عز وجل والحزم، ويراك الله تعالى قد أردت طاعته في حفظهن فيحفظهن سبحانه.
فقال: أمض الساعة إليه فقرر ما فيه المصلحة.. فمضيت، ثم أخذت الفتيان وأباهم، وجئت إلى دار اسحاق بن إبراهيم، وعقدت النكاح لهم على بنات اسحاق في خطبة واحدة، وجعل اسحاق بين يدي كل واحد منهم خمسة آلاف دينار وطيبا كثيرا مع الثياب، وحمل كلاً منهم على فرس، وأنفذ إلي اسحاق بخمسمائة دينار وخلعة، وأنفذ إلى أمهات البنات هدايا وأموالا جليلة، وشكرنني على تخليص بناتهن من القتل، وانقلبت تلك الغمة فرحاً. (الفرج بعد الشدة 4:5-6).

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved