* القاهرة - مكتب الجزيرة - عثمان أنور - طه محمد - علي البلهاسي:
حملت جولة وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكي إلى 12 دولة عربية المقترحات الأمريكية التي طرحها لتسوية القضية الفلسطينية والتي عرفت باسم «خريطة الطريق» علامات استفهام عديدة فقد جاءت في وقت تستهدف فيه الولايات المتحدة الأمريكية توجيه ضربة عسكرية للعراق، إضافة إلى تصاعد الاجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وردود الفعل حولها وقد وصف مراقبون هذه الخطة بأنها محاولة إحياء الدور الأمريكي في عملية السلام وقال آخرون انها مجرد تهدئة للأوضاع على الصعيد الفلسطيني من أجل تهيئة الأوضاع للحرب ضد العراق، فيما أبدى كثيرون قلقاً حول هذه المبادرة الأمريكية مؤكدين أننا لسنا بحاجة إلى مبادرات جديدة ولدينا مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد وهي كافية ويجب تحقيقها.
والقلق حول الخطة الأمريكية الجديدة يتزايد خاصة وسط الاجواء الملتهبة المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية، كما انه ينسق مع تصريحات للدكتور نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني والذي أبدى تحفظات على هذه الخطة لغياب جدول زمني للانسحاب وانهاء الحصار والاستيطان.
يقول د.مصطفى علوي المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان خطة الطريق هي في جوهرها مجرد وعود لاتختلف عن الوعود الأمريكية السابقة بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية ولكن لاتوجد خطوات للتنفيذ، كما ان أهم بنودها يشير إلى ان يتم وقف العمليات الفدائية وتنفيذ الاصلاحات الفلسطينية وتجميد بناء المستوطنات وانسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي الفلسطينية المعروفة باسم المناطق (أ) وذلك خلال عام 2003 كذلك عقد مؤتمر دولي واجراء مفاوضات لإقامة دولة فلسطينية وتفكيك المستوطنات بحلول عام 2004 واجراء مفاوضات بشأن الحل الدائم وبحث قضيتي القدس واللاجئين.. هذه كلها لاتخرج عن مجرد كونها وعوداً فقط وسبق تكرارها كثيراً في مناسبات مختلفة وأعتقد ان الولايات المتحدة الأمريكية قد طرحتها في هذا التوقيت من أجل تهدئة الأوضاع على المستوى الفلسطيني والايحاء بان لها دوراً في عملية السلام وتهتم به وفي نفس الوقت تريد استشعار الموقف العربي في حالة توجيه ضربة عسكرية للعراق، ولكن هذه المقترحات غير ملائمة لأحد ولا تحمل خطوات عملية حتى ان شارون صرَّح تجاه هذه المقترحات قائلاً انها غير ملزمة له وسوف يبحثها.
ليست جولة استطلاعية
ومن ناحيته يرى الدكتور ضياء رشوان الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان الولايات المتحدة الأمريكية تستهدف بالفعل فصل القضية الفلسطينية عن المسألة العراقية خاصة وانه يبدو واضحا ان هذه المقترحات الجدية لها صلة بضرب العراق، ويشير إلى أنه يبدو من جولة بيرنز في المنطقة انها ليست جولة استطلاعية ولكن يبدو فيها وضوح الرؤية كمحاولة أمريكية لإزالة مشاعر العداء من الدول العربية ضد الولايات المتحدة، والتأكيد للعالم العربي أنها ليست دولة معتدية وانها قادرة على حل القضية الرئيسية للعرب وهي القضية الفلسطينية ويضيف انه لاتبدو نوايا حسنة في المقترحات الأمريكية خاصة وان تجارب الولايات المتحدة في هذا الشأن غير مشجعة، كما ان المقترحات ماتزال غير واضحة كما انها بحاجة إلى معلومات ومصداقية، والأمر يحتاج إلى اجراءات عملية بوقف الاعتداءات الإسرائيلية وإجبار اسرائيل على التفاوض والانسحاب من أراضي السلطة وابداء نوايا حقيقية نحو المفاوضات.
وعود أمريكية
ويؤكد الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ورئيس تحرير مجلة مختارات اسرائيلية ان الخبرات السابقة مع الولايات المتحدة وسياساتها تجاه الشرق الأوسط تقول ان جولة بيرنز في الشرق الأوسط والمقترحات التي يحملها ماهي إلا وعود أمريكية قابلة للتنفيذ وعدم التنفيذ وانه يصعب القول في ظل الظروف الدولية الراهنة والوضع المتأزم في الشرق الأوسط على وجه الخصوص بأن بيرنز جاء إلى المنطقة وفي يده حل سحري لدفع عملية السلام من جديد تجاه التقدم أو إقامة الدولة الفلسطينية.
وقال ان ما يحمله بيرنز ماهو إلا تكرار لوعود أمريكية سبق ترديدها في تصريحات ومبادرات وجولات العديد من المسؤولين الأمريكيين وقد أكد أكثر من مرة ان مقترحاته تهدف لدفع عملية السلام من خلال خطة اللجنة الرباعية ورؤية بوش وكعادة المسؤولين الأمريكيين دفع بيرنز بورقة الدولة الفلسطينية من جديد.
وأضاف: كل هذا الكلام سبق ترديده والمنطقة في ظل وضعها المتأزم لم تعد في حاجة إلى مزيد من التصريحات والمبادرات وهذه المبادرات كثيرة وموجودة وأبرزها مبادرة ولي العهد السعودي التي أقرتها القمة العربية الأخيرة ولكن المهم ان تبدأ أمريكا خطوات عملية بالفعل إذا كانت تريد إثبات جديتها في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط.
وأشار جاد إلى ان جولة بيرنز في الشرق الأوسط وتزامنها مع الأوضاع الدولية الراهنة والحديث عن ضرب العراق ربما يعطي دلالة على ان الجولة لها أهداف أخرى تتعلق بتهيئة الأجواء في المنطقة العربية للضربة الأمريكية المحتملة للعراق أما الحديث عن ان هناك خطة أمريكية محتملة لحل الأزمة في الشرق الأوسط فهو أمر مستبعد والأرجح ان هناك خطة أمريكية لتسويق فكرة دولة فلسطينية على المدى البعيد.
وأكد ان أمريكا باستمرار عندما تفكر في ضرب العراق فإنها تعمل على تهدئة الأجواء على صعيد القضية الفلسطينية وربما كان هذا هو الهدف الأساسي لجولة بيرنز في المنطقة وهذا لايعني انه يحمل حلولاً للأزمة ولكنها تهدئة لا ترقى إلى سياسة عملية ويؤكد ذلك نجاح أمريكا في إقناع شارون بإحداث انسحاب جزئي وتحويل جزء من الأموال الفلسطينية وهذا يعطي مؤشرات بانها حسابات تتعلق بالضربة الأمريكية المتوقعة للعراق.
الراعي.. غير محايد
في البداية وحسب تأكيد الدكتور محمود خليل - خبير الاستراتيجية- فان المبادرة الأمريكية مازالت غامضة، حيث لم تعلن بشكل واضح وخلت من دون تفاصيل ويقول: إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادة في انهاء الصراع في الشرق الأوسط، فلماذا أقر الكونجرس قانوناً يجعل القدس عاصمة لاسرائيل وموافقة الرئيس الأمريكي عليه، إضافة إلى اعتراض الإدارة الأمريكية على إرسال مراقبين دوليين في الأراضي المحتلة.
ويقول: إن الراعي دائماً لابد ان يكون عادلاً ومحايداً، وفي هذه الظروف نجد ان الإدارة الأمريكية غير هذه الصفة تماماً، حيث تناصر إسرائيل وتضطرب إدارتها في حالة الدفاع الفلسطيني المشروع عن النفس، في الوقت الذي تسعى فيه إلى اهدار الوقت لعدم إدانة إسرائيل في ظل الاعتداءات المتواصلة والمستمرة على الشعب الفلسطيني الأعزل.
ويضيف ان المقترحات الأمريكية ليست واضحة، ويبدو جلياً ان رئيس الوزراء ارييل شارون قد حظي بالاطلاع عليها قبل غيره من الطرف الآخر وهو الفلسطيني، إبان زيارة شارون الأخيرة لواشنطن مشيراً إلى إبداء الإدارة الفلسطينية تحفظات على ما بعض ماوصل إليها، وخاصة فيما يتعلق بالجدول الزمني لإقامة الدولة الفلسطينية أو إزالة المستوطنات وانهاء الحصار.
ويوضح د.محمود خليل ان هذه المقترحات لابد ان تكون واضحة وان تكون مقترحات حقيقية وجادة تلزم اسرائيل بالعودة إلى طاولة المفاوضات والانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطينية، مع مراعاة مدينة القدس والحق التاريخي للعرب والفلسطينيين فيها، وهنا يشدد على ضرورة ان تتمسك الدول العربية بالمبادرة التي نبعت من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله ولي العهد، وصارت بعد ذلك مبادرة عربية لأنها تتمتع بضمان لحقوق الفلسطينيين مقابل إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مكافأة لها على الانسحاب من الأراضي العربية.
المبادرة العربية
وهو ما يتفق عليه أيضا صلاح عيسى الصمافي المصري والمحلل السياسي في ان الدول العربية بحاجة إلى التأكيد للعالم كله على إيجابية المبادرة العربية التي أطلقها في البداية الأمير عبدالله وابرازها للعالم بشكلها الحقيقي والموضوعي، والضغط على أوروبا للتأثير على الولايات المتحدة لتكون راعية عادلة لعملية السلام أو ان تمارس ضغوطها على اسرائيل للانسحاب من الأراضي الفلسطينية، لانه كما يبدو انها الأقدر على لعب دور أساسي في عملية السلام.
ويقول عيسى: ان المشكلة الأساسية هي ان الموقف العربي مشتت في وجهات نظر عدة حتى الموقف الفلسطيني نفسه يعاني من التمزق سواء كان في داخل الأراضي الفلسطينية أو في خارجها، حيث تظهر تباينات بين التيارات الفلسطينية نحو القضايا المتعلقة بعملية السلام على النحو الذي ترغب فيه الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل.
|