Friday 25th October,200210984العددالجمعة 19 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

«غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه» «غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه»
كلمات أول شهيد هبة أكتوبر في فلسطين المحتلة عام 48

  * رام الله - نائل نخلة:
لم يكن يعلم شهيد الأقصى أحمد إبراهيم صيام ابن السبعة عشر ربيعاً أنه سيلاقي وجه ربه الذي طالما تعطش للقائه بعد دقائق معدودة من نطق كلمات مؤذن رسول الله بلال بن رباح رضي الله عنه، «غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه»، لكنه حتماً كان يعلم أنه على موعد مع الشهادة.
أسماه والده أحمد تيمناً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكناه أصدقاؤه بأبي البراء تيمناً بالشهيد المهندس يحيى عياش.
ولد الشهيد أحمد إبراهيم صيام في قرية معاوية قضاء أم الفحم يوم 26/9/1982م لأسرة متدينة محافظة، عاش في ظلها وترعرع داخل جو إسلامي ملحوظ، درس المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدارس القرية، والتحق لدراسة المرحلة الثانوية في مدرسة أم الفحم الثانوية الشاملة، وهناك حصل على التوجيهي عام 2000، وسجل للالتحاق في كلية روبين في مدينة أم خالد لدراسة «إدارة الأعمال» ولكن قدر الله سابق، فأراد رب العزة أن يبدله شهادة أفضل من كل شهادات الدنيا.
تصفه أخته ميمونة:« كان أحمد جميلاً في طفولته وكان وجهه كالقمر يشع نوراً وبياضاً».
أحمد، الشاب الوسيم ذو العينين الخضراوين اللتين تشعان نوراً وايماناً، لكثرة زيارتهما وتحدقهما بالكعبة المشرفة التي زارها 5 مرات كان آخرها في 17/7/2000م، تلك العينين اللتين فجرهما لؤم الحقد الصهيوني.
يقول والد الشهيد إبراهيم صيام «42 عاماً»: «كان أحمد صاحب مسؤولية توكل إليه كل مسؤوليات الأب إذا ما غبت عن البيت، كان الابن البكر، والأخ الحنون على اخوانه، المميز وصاحب الاحترام الخاص بين أصدقائه وأقرانه».
تربى أحمد في بيوت الله كان برعماً من براعم الايمان وعاش حبيباً من أحباب الله ومات فداء للأقصى مسرى رسول الله، لم يكن هناك عمل إسلامي إلا وكان رأس حربة فيه، شارك في أغلب معسكرات العمل الإسلامية، كما وكان أول السباقين إلى المخيمات الطلابية الإسلامية التي كانت تنظمها الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، يقول والد الشهيد «كنا نسمح لأحمد بالذهاب إلى تلك المخيمات كي يتعلم المسؤولية والحياة القاسية ويمارس شظف العيش وتحمل الصعاب.
ومن الأحداث والمواقف المميزة التي عاشها ومارسها الشهيد أحمد صيام يقول والده «ذهبنا يوماً - طبعاً وكان أحمد معنا - إلى الخليل لنزور ذوي شهداء مجزرة الحرم الابراهيمي ونطمئن على الجرحى - وكان ذلك بعد أيام معدودة من المجزرة - ولكن حواجز الاحتلال الصهيونية منعتنا من دخول الخليل، وعندها عدنا أدراجنا إلى القدس وهناك ذهبنا لنزور ذوي الشهداء والجرحى في المدينة حيث قيل لنا إن هناك مقدسيين من بين الشهداء والجرحى، وبالفعل اطمأننا عليهم، وبادر أحمد بتقديم المساعدة لمن يحتاجها ولما عاد أحمد إلى البلد أصر مع مجموعة من أصدقائه أن يقوموا بمسرحية تجسد حادثة المجزرة، وأبى أحمد إلا وأن يلعب دور الشهيد الذي أبى إلا وأن يموت وهو شامخ مدافع عن وطنه ومقدساته، وحمل أحمد في المسرحية كشهيد، وهتف أصدقاؤه بعبارات الله أكبر».
وفي عام 1998م اندلعت أحداث الروحة «وهي المنطقة الزراعية التي أرادت سلطات الاحتلال الإسرائيلية مصادرتها لأهالي أم الفحم والمنطقة، ودارت هناك مواجهات عنيفة بين أهالي أم الفحم وجنود الاحتلال الصهاينة أصيب خلالها المئات من شباب المدينة والقرى المجاورة» وقدَّر الله أن يكون أحمد أحد المصابين في الأحداث حيث اقتحم أفراد حرس الحدود ورجال الشرطة المدرسة الثانوية وباغتوا الطلاب في الصفوف، وانهالوا على الطلاب وبينهم أحمد بالهروات والغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى جرح أحمد بجروح متوسطة، ويقول والد الشهيد أن أحمد قد احتفظ بقميصه الذي لطخ بالدماء وما زال موجوداً حتى الآن.
تقول والدة الشهيد أم أحمد أن أحمد قد سألها قبل استشهاده في فترة قصيرة لو استشهدت يا أمي ماذا ستفعلين؟ فقلت له سأصبر وسأحتسبك عند الله وتضيف الأم وسألته يوماً ماذا يحب أن يكون شكل البيت الذي نريد أن نبنيه له لنخطب له ونزوجه؟ فقال: يا أمي أنا أريد بيتاً غير موجود على أرض الواقع، بيتاً لم يبنه أحد.. وتقول الأم لم أدرك إلى ما يرمي إليه إلا بعد أن استشهد.
ولعل الشهيد أحمد كان على يقين بالشهادة فقد ذكر العديد من أقربائه وأصدقائه الكثير من أقواله قبل استشهاده ومنها على سبيل الذكر لا الحصر:
تقول جدته إنه في يوم الجمعة الموافق 29/9/2001م سألته عن ذقنه لماذا هو مطلقها؟ فقال: «إنها لحية الشهيد».
وفي خضم هذه الكلمات وهذه الأحاسيس التي كانت تشعر بالشهادة وبقرب لقاء الله الذي أحب لقاءه أحمد، جاء استشهاده الذي قدَّره الله له في جبل قحاوش في منطقة عين إبراهيم في أم الفحم، صلى الظهر في المسجد جماعة وصلى صلاة الغائب على أرواح شهداء الضفة والقطاع، ثم سار في المسيرة التي انطلقت من أم الفحم، لينزل مع الشباب الثائر لملاقاة جنود القتل وحواجز الموت والارهاب وهناك بدأ أحمد برشق حجارته التي كان يقذفها وهو يشعر بأنها حجارة من لهب، حجارة غضب ادخرها لهم منذ أحداث الروحة التي أصيب بها، ولكن القناصة صوبت رصاصها الحي في المنطقة الواقعة بين جبينه وعينه اليسرى ففجرت دماغه واستشهد أحمد وأكرمه الله بأن يكون أول شهداء الداخل من شهداء انتفاضة الفداء للأقصى وكان ذلك في حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر من يوم السبت الموافق 1/10/2000م.
الشهيد إياد لوابنة
أول شهداء عاصمة الجليل «الناصرة»
هنا الناصرة.. الشوارع بدت وكأنها ساحات حرب حقيقية، آثار الاطارات المحروقة والحجارة والعربات الكبيرة التي استعملت كمتاريس لمنع تقدم القوات الغازية.. وهنا استشهد أيضاً قاهر الشرطة وعدوها اللدود في الناصرة، الشهيد إياد صبحي لوابنة، ابن الثامنة والعشرين من عمره هذا الشاب الذي لم يكن يوما ليهادن شرطة الناصرة «قصصه المثيرة» مع الشرطة والتي تبدو كأفلام السينما تعكس حالة العداء المفرط بينهما إلى أن قتلوه يوم الاثنين الموافق 2/10/2000 في مواجهات عنيفة بين شباب عاصمة الجليل وبين «عصابة» «الشرطة» إليك رون قائد قوات الشرطة الصهيونية في شمال فلسطين.
«إياد البطل.. لا يوجد مثله رجال.. حنون، ومحبوب، وباختصار: لن تلد النساء كاياد».. بهذه الكلمات بدأت أم عصام والدة الشهيد اياد حديثها عن ابنها الذي ترجَّل قرب مسجد السلام الناصرة وما عاد لها إلا مزفوفاً ليس «بالبدلة» بل بالكفن، وقد بدت علامات الصبر والاحتساب على وجنتيها اللتين أعيتهما السنون.
أما والده «أبو عصام» فحدِّث عن اعتزازه وافتخاره بشهادة ابنه ولا حرج، وهنا تستوقفه ذاكرته في سوريا التي ذهب إليها ليزور شقيقه الذي لم يره منذ حوالي 50 عاماً، ويذكر أنه قد دخل لأحد الحوانيت في الشام ليشتري شيئاً ما، ولما همَّ بدفع ما اشتراه، علم صاحب الحانوت ان هذا العملاق الذي يقف أمامه هو والد الشهيد اياد لوابنة فما كان من الرجل إلا أن خرج خارج حانوته وبدأ يصرخ ويجمع المارة ويقول «يا ناس يا عالم، هذا أبو الشهيد اياد لوابنة قدم ابنه فداء للوطن وللقدس ويريد أن يدفع لي ثمن غرض بسيط.. فما كان من المارة إلا أن تجمعوا وبدؤوا بالسلام عليه ودعوته لوليمة في بيوتهم، وهنا يقول الوالد رحمة الله عليه إياد لقد رفع رأسي في حياته وفي مماته.
وجاء يوم الاثنين الموافق 2/10/2002م ودقت الساعة تمام 30:2 ليخرج اياد لوابنة من بيته مشحوناً بحقد على ما قام به شارون من تدنيس الحرم وما اقترفته الأيادي الظالمة من قتل الطفل «محمد الدرة» وبعد أن زود ايمانه بسماع شريط «عذاب القبر» قبل استشهاده بيوم واحد، ليخرج من بيته في الناصرة إلى ساحات المواجهة.
وهنا يقول والده «أبو عصام»: طلبت من اياد أن لا يخرج من البيت للمواجهات إلا في ساعات الليل ليكون الوضع أهدأ، فلم يراودني الشك أن اياد لن يذهب، ولدي وأعرف أنه «يدب نفسه دباً» «أي أنه يلقي بنفسه على الموت» فقال لي: توكل على الله، فطلبت من أمه أن تقنعه بان لا ينزل الآن إلى المواجهات، وفي هذه الأثناء كان اياد قد خرج من البيت حتى وصل السور الخارجي للبيت وإذ به يرجع ويعانق أمه ويقبل رأسها، وكان اللقاء الأخير في حياته مع أمه، ولعلها اللمسات والقبلات الأخيرة في دنياه.
وبدأت أم عصام بالحديث عن ذلك الموقف الذي تقشعر له الأبدان، وهي تبكي وتقبل صورته التي احتفظوا له بها، وتقول: لقد كنت اشعر بأن اياد سيموت قريباً، فلم يكن ابن عيشة، وقبل استشهاده بفترة قصيرة كان نائماً وكنت جالسة بجانبه وكنت أقول في نفسي هل ستدفن هاتان القدمان تحت التراب، وقبل خروجه من المنزل يوم استشهاده قبَّل رأسي وقال لي: أدعيلي فقلت له: «لا تحرق قلبي فقال لي: توكلي على الله وقولي لا إله إلا الله، فقلت له: الله يطول عمرك ويحميك يمه».
وجاءت دقائق الحسم ليتوجه اياد لوابنة إلى المواجهات المندلعة قرب ساحة مسجد السلام، ليقاتل هناك ويرمي ما حملته يداه من الحجارة، ويعيد قنابلهم الغازية إلى نحورهم، حتى كانت اللحظات الأخيرة والتي صوب بها شرطي رصاصة قاتلة إلى قلبه المؤمن، ليركض حينها إياد إلى أحد أعمدة الكهرباء القريبة ويستند إليه وهو يقول «يا الله» وقد وضع يده على قلبه المندمل وطبع دمه بكفه الشريف على العامود ليعلن للعالم أجمع أننا لن نرحل ولن نذل وسنموت واقفين ولن نركع.
الشهيد وسام يزبك
وسام في الدنيا ووسام في الآخرة
وسام حمدان يزبك ابن الخامسة والعشرين من عمره ابن حي الأمير في الناصرة، اختاره الله شهيداً من شهداء فلسطين، من شهداء الدفاع عن الأقصى المبارك يوم الأحد الموافق 8/10/2002م أثناء محاولة المستوطنين الهجوم على مدينة الناصرة التي قدمت ثلاثة شباب من خيرة أبنائها فداء لفلسطين والقدس.
والده أبو وسام يقول وهو يشغل سيجارته التي تتوسط سبابته ووسطاه، ترتجف بين اصبعيه من شدة حرقته على فقدان بكره: كل شيء فيه جميل، ذو لسان معسول، صاحب مسؤولية، محبوب، أوكل له كل مسؤوليات المصلحة، لو طلبت منه لبن العصفور لأحضره، حسبنا الله ونعم الوكيل، لا أستطيع أن أعبر عن مشاعري، لا حول ولا قوة إلا بالله، لقد عمَّر بيتاً وجهزه بأجمل الأثاث باحثاً عن عروس، ولكن.. وسام الذي أنهى مرحلته الابتدائية والإعدادية في مدارس الناصرة، أنهى ثانويته في مدرسة «الثانوية البلدية» وكان يدرس في كلية الاقتصاد، قسم إدارة الأعمال في جامعة حيفا.
والدة الشهيد أم وسام، التي كانت حزينة بفراق فلذة قلبها وقرة عينها وفاتحة رحمها وسام تقول:« لقد كان روحي، طموحاً وعصامياً، وتجهش بالبكاء، كنت أنوي أن أخلص له عروساً ويوم استشهاده نزل منذ الصباح وعمل مع والده تناول طعامه معنا ثم توجه لبيت جده، ولم يعد إلا بالنعش شهيداً»، وتذرف الدموع تلو الدموع شقيقته إيناس : «تقول كان محبوباً وصاحباً لكل الناس، عندما علمنا أن هناك مواجهات دامية في الحارة الشرقية، حاولت الاتصال به على هاتفه الخلوي ولكن لم يجب ووضعت له رسالة صوتية ليتصل بالبيت ويطمئننا على حاله ولكن لا فائدة».
وتضيف شقيقته إيناس «اقتنى ملابس من حيفا قبل أن يستشهد بيوم واحد فقط ولكنه لم يلبسها، لقد ارتدى الكفن الأبيض».
ويأتي يوم الفراق، يوم أن تناول طعامه مع أمه وشقيقته ليتوجه إلى بيت جده في الحارة الشرقية من الناصرة، وهناك سمع ما سمعه الجميع من استغاثة لنجدة سكان الحي الشرقي بعد اقتحام المستوطنين للحي، ويذهب وسام لمكان المواجهات، ولقد سمعه الكثيرون وهو يهتف الله أكبر وهناك لاقاه قدر الله الذي لا مفر منه، ليصوب تجاهه أحد الحاقدين رصاصة دمدم «متفجرة» تجاه رأسه ليفجره ولينقل إلى مستشفى رمبام في حيفا.
يقول والده: عندما سمعت نبأ استشهاده حمدت الله وشكرته فلقد ألهمني الله الصبر والسكينة، ان الله إذا أحب عبداً اختاره لجواره، كان لي مفخرة في حياته ومماته، زففته بمئات الآلاف.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved