Wednesday 20th November,200211010العددالاربعاء 15 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بلا تردد بلا تردد
الشريعة والضمان في رمضان
هدى بنت فهد المعجل

خصوصية رمضان تظهر جليَّة، واضحة حتى في نوعية المراسلات القائمة بين الاشخاص بعضهم البعض بما تتضمنه من تناصح وتشاور وتبادل الافكار فيما يعود بالنفع والخير الجليل على صُيّامه، وقُيّامه.. فقرائه واغنيائه.
ولعل في تواصل الأستاذ الفاضل: عبد الله بن محمد بن حسن فدعق - الدائم - خير شاهد على روحانية تواصل المسلمين بين بعضهم البعض في كافة شهور السنة، وفي رمضان بالذات.
حيث إن الأستاذ الكريم لم يأل جهداً.. ولم يَدَّخر علماً ينتفع به عامة المسلمين حينما تكفل سنوياً بطباعة كتيب ثري بمعلومات ومرويَّات عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام والسلف الصالح يتناسب ووقت إخراجه.. وقد خَصَّ هذا الشهر بكتيِّب «الشريعة والضمان في رمضان» وضَّح فيه عناية الشريعة الاسلامية بمحاربة المخاطر الاجتماعية، والتي لو فتشت عنها الأمة وطبقتها لكان لها شأن كبير في محاربة النكسات التي مرت وتمر - وربما ستمر - بها ويعني به الضمان المكلف به الغني لصالح الفقير والمسؤولية الملقاة على بيت المال بغرض سد حاجات المحتاجين وهي أمور قررها سيد الأمة صلى الله عليه وسلم وظهرت جليَّة في قوله للسيدة أسماء بنت عميس رضي الله عنها أرملة سيدنا جعفر - الطيار - بن أبي طالب بخصوص أيتامها: «آلعيلة تخافين عليهم؟ وأنا وليُّهم في الدنيا والآخرة» ولم يقل ذلك لقرابة الرحم وإنما لأنه الحاكم والإمام.
فهذا الضمان وهذه الكفالة الاجتماعية إنما جاءت لمعالجة جملة من المشاكل والتي من ابرزها المخاطر الجسمانية كالعجز والشيخوخة والمرض، والمخاطر المهنية كالاصابات أثناء العمل والمخاطر العائلية.
فسيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى شيخاً يهودياً أعمى يسأل المارة، فسأله عما ألجأه الى السؤال فقال: أسأل لأجل الجزية والحاجة والسن، فأخذه بيده الى بيته وأعطاه ما يكفيه، وأرسل الى خازن بيت المال: أن أنظر هذا وضرباءه - يعني أمثاله - فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخزه عند الهرم! واعتبره من مساكين أهل الكتاب، وفرض له ولأمثاله أعطيات من بيت المال.
وأثناء زيارة سيدنا عمر بن الخطاب لبلاد الشام مر رضي الله عنه بأرض لقوم من النصارى مجذومين - مصابين بمرض الجذام المعدي - فأمر بإعطائهم من الصدقات وأن يجري عليهم القوت - الطعام - وغيره.
كذلك ثبت أنه - رضي الله عنه - دخل مرة بيتاً في جوف الليل وكان متابعاً له سيدنا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، فلما اصبح الصبح ذهب سيدنا طلحة لساكنة البيت فسألها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ فقالت: إنه يتعاهدني منذ أمد طويل، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى.
ومما يتسلى به كعلاج للمخاطر العائلية ما ذكر في الطبقات ان سيدنا عمر رضي الله عنه وقف مرة في جوف الليل مجادلا امرأة تحاول فطم رضيعها، وولدها يصرخ ويصيح بين يديها، وهي ترد عليه وتقول مجيبة له: أنا أفطمه لأن عمر لم يفرض للرضيع، وعجلت في فطامه لآخذ له نصيب الفطيم واستعين به على فقري. فانصرف رضي الله عنه الى بيته مسرعاً، وبعد صلاة الفجر قال: يا بؤسا لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين! وأمر المنادي يقول: لا تعجلوا أولادكم من الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الاسلام.
وسار سيدنا عمر بن عبدالعزيز - الخليفة السادس - على نفس هذه المبادىء حتى ان الرجل كان يخرج من بيته بزكاته فلا يجد من يأخذها.. وقد اخبر يحيى بن سعيد - عامله على إفريقية ثم قاضيه بالأندلس - يقول: بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية، فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم، فلم نجد فقيراً، ولم نجد من يأخذها منا. فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس. ويضيف قائلاً: فاشتريت بها رقاباً فأعتقتها.
وقد تضمن الكتيب سؤالاً مؤداه كيف يتم تمويل هذا الأمر؟.. وذكر أنها تمول:
1- من جباية الزكاة.
2- من خلال التبرعات..
وذكر المسعودي وغيره أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل من في مجلسه يوماً: أرأيتم من زكى ماله، وهل يبقى فيه حق لغيره؟ فأجاب سيدنا كعب الأحبار رضي الله عنه: لا، فردَّ عليه سيدنا أبو ذر رضي الله عنه بقوة، واستشهد بقول الله تعالى في سورة البقرة «... ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ...».
3- من فروض الأموال.
وهذا إثبات بأن الشريعة ساهمت أيما مساهمة في اسعاد الأمة ورفع الظلم الاجتماعي عنها.. فهل نتخذ من شهر رمضان وقتاً لتطبيق ما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم؟!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved