Thursday 21st November,200211011العددالخميس 16 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

محمد الحفظي و«اشتعال الموقف» محمد الحفظي و«اشتعال الموقف»
عبد الله نور

تتصدر ديوان الشاعر الشاب محمد بن عبد الرحمن الحفظي زغرودة «مقطع» وهي فاتحة الديوان، وهي للشاعر (الاهداء)!!
لقصة مجردة.
حملتها من سابع الحلم الذي
قرأته لصورة محددة
لرحلة لن تنتهي.. لنبرة مغردة
طويتها في اضلعي سر وجود شفها
مليحة ومفردة
فلا لقيت طيفها.. ولا بقايا عطرها
لأنها مبتعدة
اسأل من يدلني
الى طريقها البعيد
لعلها تكلمني
بين الحروف المنشدة
هذا البناء القصصي الدرامي الى حد ما هو افضل بناء شعري يؤمن علاقة التواصل بين الشاعر وقرائه
مثل هذا البناء وحيد وفريد في كل الديوان
لماذا؟
ينبغي ان يدرك الشعراء الشباب ان هناك فجوة بين الشعراء والقراء لتقصيرهم في بناء المعادل الموضوعي فيما بينهم كذات شاعره وبين الآخر الذي يبحث عن أبسط شكل في بناء محكم من الصور التي تؤمن له افضل مشهد شعري يمكن الاقتراب منه.
لقد أدرك الشاعر أهمية الانطلاق من الذات الى الموضوع، ولكن لم يدرك بناء الصور على شكل درامي. ان في قصائد الديوان الذي يضم النوعين، الشعر الحر، والشعر العمودي، وفيه تنويع وتجديد وولع كامل في الغوص الى ما تحت الشعور الواعي وما هو دفين في قاع اللا وعي، وقدرة فائقة على خلع جميع الثياب المألوفة للكلمات واعطائها حللا جديدة في سباقات جديدة
هذا كله حسن
هذا كله شيء جيد
هذا كله مطلوب
ليس هذا هو اول ديوان للشاعر، وليست هذه بدايته، ولعله في مثل اسلوبه هذا احوج ما يكون الى الاطلاع الى تجارب الشعراء العرب من رواد البناء الدرامي وبناء الهياكل القائمة على فن البناء للصور الشعرية في كونها افضل وسيلة لتأمين «المعادل الموضوعي» بل لعل الشاعر في حاجة الى الاطلاع الى نظرية «المعادل الموضوعي» ل«ت، اس، البوت» أو نظرية «الصورة» لعذرا باوند، وعلى الجملة، فجميع اشعار الأستاذ الحفظي في مكان الصدارة للشعر العربي الحديث، ولكن الصدارة شيء، والفرادة شيء آخر.


سرقت عمرك يا عمري فهل تهبي
من السماح لشخصي ما يفيض رضا
وهل يشاطر ما اورثته لهفا
على فؤادي أغلى من إليه مضى
سألت بضع سنين مدها حلم
الى ضفافك علَّ الله فيه قضى
وما تردده الأيام يجلبه
حظ التوقع في إظلامه ومضا
سرقت عمرك عليَّ لا افرقه
ولا اشتت ايماء به انتفضا
وليس حبي كاف لي اقدمه
وليس شعري الا ما روى عرضا
شقيت بعدك حتى هاجني المي
وليس بعدك من اختاره عوضا

هذا الاعتراف من الشاعر، في هذه المقطوعة، التي سماها بنفسه «اعتراف».
ولاشك ان شعر «الاعتراف» في الديوان العربي قليل بل نادر ولا يكاد الا القليل والنادر من يجرؤ على الدخول في هذه الأرض المحرمة.
لقد بنى الشاعر العربي كيانه الانساني على تمجيد ذاته، وكيل المديح لها بلا حساب او تعقل، والشعر العالمي الحديث يتضمن اعترافاً صريحاً من الشاعر، اعترافاً بضعفه كانسان، واعترافاً بفشله كفرد معزول ومطمور تحت الركام الهائل من صراع القيم السياسية والاقتصادية والاعلامية، وكل واحدة منها تمسك بجلابيب القيمة الاخرى في محاولة لخنقها ووأدها او سحقها الى الابد، وتبقى القيمة «الشعرية» كمظهر ثقافي اسفل القيم على سلم التراتب الحضاري.
ليت هؤلاء الشباب ينتبهون الى اهمية مثل هذه الاعترافات في بنائهم الشعري وفي نسيج كل حالة شعرية وليس في مجرد «مقطوعة» عابرة.
انه ديوان لهم، وشاعر مهم، والأهم من ذلك ان يفهم أهمية كل انجاز درامي وكل انجاز للصورة الشعرية في الشعر الحديث وإلا فإن الشعر كله سيموت مادم أن من قبله قد مات ومات النقاد ولا احد للشاعر إلا نفسه وكفى!!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved