Sunday 24th November,200211014العددالأحد 19 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

يا أبا متعب.. أظلَّك الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه يا أبا متعب.. أظلَّك الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه
مهندس/ صالح بن محمد علي بطيش

جاء في الحديث «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذُكِرَ منهم إمام عادل.. الحديث..
العدل للمجتمع نعمة تنتشر من خلاله أسباب السعادة والأمن والطمأنينة، فهو أكثر أهمية من غيره من عناصر الحياة، إذ إن المجتمع لا يستطيع أن يجد للعدل بديلاً يوفر له الأمان والحياة المستقرة، العدل هو المساواة بين أبعد الناس وأقربهم في إقامة الحدود وإعطاء وأخذ الحقوق.
يقول عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي بعث محمداً بالحق لو أن عنزاً ذهبت بشاطئ الفرات لأخِذ بها عمر يوم القيامة» يدخل حذيفة على عمر فيجده مهموم النفس باكي العين فيسأله: ماذا يا أمير المؤمنين؟ فيجيب عمر: إني أخاف أن أخطئ فلا يردني أحد منكم تعظيماً لي.. فقال حذيفة: لو رأيناك خرجت عن الحق لرددناك إليه.. فيفرح عمر.. ويستبشر ويقول: «الحمد لله الذي جعل لي أصحاباً يقومونني إذا أعوججت».
* ، فيتهلل وجه عمر ويبتسم ليقول عبارته المآثورة «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
كان عمر وخادمه على بعد ثلاثة أميال من المدينة، إذ بنار تشعل، قال لخادمه: يا أسلم إني أرى هاهنا ركباناً قصر بهم الليل والبرد انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا بامرأة معها صبيان، وقدر منصوبة على نار، وصبيان يتصايحون فقال عمر: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: وما بال الصبية يتصايحون؟ قال: الجوع، قال: وأي شيء في هذا القدر؟، قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا.. والله بيننا وبين عمر!، فقال: وما يدري عمر بكم؟، قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا، فأنطلق عمر وخادمه إلى دار الدقيق وحمل عمر على كتفه دقيقاً وشحماً، ولم يقبل أن يحمل ذلك خادمه وقال له: أأنت تحمل وزري يوم القيامة، وطبخ بنفسه للمرأة وصبيانها طعاماً، كان عمر حريصاً على مباشرة مسؤولياته بنفسه.. وكان عند تعيينه والياً يتابعه حتى يبرئ ذمته.. وكان يقول لأصحابه: «أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أيبرئ ذلك ذمتي؟، يقول أصحابه: نعم، فيقول: كلا.. حتى أنظر في عمله.. أعمل بما أمرته أم لا؟، ويقول: أيما عامل لي ظلم أحداً وبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته! يعد نفسه مسؤولاً عن كل غلطة يرتكبها أحد ولاته، علم بها عمر أم لم يعلم.
يدور حوار بينه وبين واحد من الناس ويتمسك الآخر برأيه ويقول لأمير المؤمنين «اتق الله يا عمر»، فيزجره أحد الجالسين، ولكن أمير المؤمنين يقول له: «دعه فلا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إلا لم نسمعها». وكان إذا سن قانوناً أو حظر أمراً جمع أهله أولاً وقال لهم: «إني قد نهيت الناس عن كذا، وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانته مني».
الرأي عنده ليس التماساً للموافقة بل التماساً للحقيقة وكان يقول للناس: «لا تقولوا الرأي الذي تظنون يوافق هواي، وقولوا الرأي الذي تحسبونه يوافق الحق».
تلك سياسة عمر.. وهذا منهج الحكم الذي سار عليه، سجاياه وعظمته تملأ الزمان والمكان.
تذكرت سيرة عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نشاهد ونتابع جولة سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وهو يتحدث مع الأسر الفقيرة حديث الأب لأبنائه لفتة كريمة وأبوة حانية من هذا الأمير الانسان وهو يتفقد أحوالهم ويقف على الطبيعة ليرى واقعهم وأوضاعهم ومساكنهم وبيوتهم القديمة الطينية المتواضعة ولمعرفة احتياجاتهم، نزول ولي الأمر وزيارته للفقراء والحديث معهم يخفف من معاناتهم، كانت زيارة مؤثرة ورائعة لها أثر كبير في نفوس الناس ومشاعرهم، تجسد قمة التلاحم والتواضع والترابط وقمة العطاء والوفاء، سموه وقف بنفسه على هذه الحالات ولم يكتف بالتقارير لأن ليس مَن ْرأى كمن سمع.
الأمير عبدالله بن عبدالعزيز من الذين طبعت نفوسهم على النبل والمروءة، أفعاله تشهد له بعلو الهمة وصدق الضمير والاخلاص، سيرته مدرسة نبيلة مليء بمعاني الانسانية، يأسرك هذا الانسان بسجاياه وأفعاله وتلقائيته وأصالته وكرمه وعاداته وأخلاقه العربية الإسلامية.
هذه الزيارة تعيد لنا تاريخ وجهود الخليفة عمر عندما كان يحمل الطحين والسمن ليلاً ويتفقد المحتاجين والفقراء لأنه يستشعر عظم المسؤولية والأمانة لا يعرف المراوغة ولا المماراة، إنما يتحرى الحق.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved