Monday 2nd December,200211022العددالأثنين 27 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الشرارة التي نحتاجها اليوم الشرارة التي نحتاجها اليوم
عبد الله نور

في طريق العودة من «النماص» قاعدة بني شهر إلى «أبها» العاصمة، وكنا ستة نفر في سيارة صغيرة يقودها الكاتب محمد بن ناصر الأسمري.
فجأة، وبدون إنذار، تجهمت فوق رؤوسنا السماء، وقَهْقَه الرعدُ واشتعلت السماء من كل ناحية ثم بأسرع من انزلاقة قرن الشمس في بحيرة الظلام تكدّست السيارات في الطريق وانهمرت السماء مثل ملايين النوافير من الماء حين تنطفئ الكهرباء.
لم نجد بُدّاً من اللجوء إلى دارة شيخ يعرفه محمد الأسمري كان فوق الستين بقليل، عمله كان مديراً لتعليم البنات، كان يتجول في أنحاء دارته وقد أصلح من شأن «متحف صغير» في دارته.
شَدَّ على أيدينا وقادنا إلى خباء في ناحية من دارته قلت «خباء» لأنه بيت من الشعر أو من الجلد فيما أتذكر وأشعل النار ببعض ما عنده من الحطب، وكان لا يفتأ في ترديد ترحيبه وهو يتناول أكياس القهوة والهيل وما إلى ذلك من مستلزمات الضيافة.
أدهشني سرعة ما صار أولاده يحضرون عنده ويتقافزون بين يديه وهم يناولونه ما يريد دون أن يطلب منهم ذلك بالكلام.
أدهشني سرعة ما صنع لنا «قرص بر» وتم تجهيزه بالعسل والسمن، أدهشني سرعة ما جاء جيرانه مرحبين بنا وكل واحد يردد مع ترحيبه دعوته لنا بزيادة دارته أيضا لولا أنني على موعد في أبها لبقيت الليل عندهم ولكن بعد انقشاع السحب تجولنا في المتحف ثم أخذنا طريقنا إلى أبها وقد نسيت اسمه الآن وأنا أكتب المقال ولكنه على أي حال مسجل في بعض الأوراق التي تحتاج إلى ترتيب.
في بلاد عسير زرت متحف «المقر» وقد كلفه هذا أكثر من أربعين مليون ريال. ولكن المتحف لم يكتمل بعد، وزرت متحف «رجال ألمع» ولكن المتحف المكتمل الذي هو الآن مفخرة عسير هو متحف الأستاذ ظافر بن حمسان.
زرته مرات عديدة، وهو كغيره ينبض بعروق أجدادنا في تلك الأجساد التي عبرت كل المحيطات فوق ظهور الخيل والدواب، وآخر زيارة لقرية «ابن حمسان» التراثية كانت بمعرفة أستاذنا العظيم مشعل السديري وشقيقه الأمير سلطان السديري. إنه متحف كامل يضم تاريخ الجنوب في كل أحواله والأستاذ ظافر أهداني «خنجراً» مرصعاً بالجواهر فله مني الشكر الجزيل وأعد القارئ بكتابة أوفى عن متحفه الرائع الذي لن أنساه ما حييت.
لقد حفظت أثناء الرحلة من أبها إلى النماص ذهاباً وإياباً كثيرا من الأمثال الجنوبية، وتعلمت من الأستاذ الأسمري كثيراً من أسرار أقوالهم وأشعارهم وكذلك أسرار بعض اللغويات الخاصة بهم.
وحضرت للأستاذ الأسمري مسامرة في نادي أبها الأدبي من أجل الترويج لكتابيه المشهورين باسم «الجيش السعودي» في فلسطين والثاني باسم «بوص ونوص».
أما كتابه عن «الجيش السعودي» فقد أصبح مشهوراً ورائجاً ولا زيادة لمستزيد، وأما كتابه «بوص ونوص» فهو عبارة عن مجموعة من المقالات التي نشرها في جريدة «الاقتصادية» وهو من القطع المتوسط وعدد صفحاته «290» أهداه إلى روح الأديب المؤرخ الرائد الكبير أحمد السباعي وقدمه وزير الإعلام الدكتور فؤاد الفارسي، والكتاب يتميز بالجدية والصراحة في الطرح والمعالجة، وقد جاء بعضه بأسلوب ساخر لاذع كما وصفه الكاتب الأسمري وقال في شرح «البوص» بالفتح للباء وضمها: اللون، وقيل حسنه، والنوص: البعد، وناص للحركة نوصاً: متهيأ وناس ينوص نوصاً ومناصاً ومنصياً: تحرك وذهب الخ.
وفي الكتاب مقدمة بقلم المؤلف ضافية وكافية لشرح أهداف الكتاب، وفيه تقريظ بعض الزملاء الكتاب النابهين لكن لا شيء يعدل هذا الكتاب مثل جدته وصراحته وحيوية أفكاره وبالمقام الأول والأخير شجاعة الكاتب وقوة روحه ومقدرته على المواجهة مهما كانت!!
انه رمز حي للشباب الحي، انه الشرارة التي نحتاجها من أجل حياة حية كريمة ، أحييه واستزيده وأتمنى مثله لمثل هذه الحياة الراهنة، والسلام.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved