فيما تمعن الولايات المتحدة في قراءة الإعلان العراقي الخاص ببرنامجه للتطويرالعسكري، سوف يتجه التركيز لجمع البيانات التي سينصب بها الرئيس العراقي صدام حسين المشنقة لنفسه. يقول جون وولفزثال، وهو خبير في شؤون العراق وتطويرالأسلحة النووية بصندوق كارينجي للسلام الدولي في واشنطن، «يبدو من الصعب على صدام حسين تغيير جلده»، وهو يضيف «بالاستناد إلى سجله، يمكننا التوقع بأنه سينتهي من جديد للتلاعب بأياديه، والإيقاع بنفسه».
المعلومات التي ستقود النظام العراقي نحو المشنقة يمكنها أن تأتي في شكلين، حسب ما يقول الخبراء: التناقضات بين الإعلان العراقي الحالي وإعلاناته السابقة على امتداد العقد الماضي والتي كانت كشوفات حساب «كاملة، نهائية وتامة»، أو التناقضات بين الإعلان ومعلومات جديدة تبرزها الولايات المتحدة (أو حليف آخر، مثال بريطانيا) حول تطوير مستمر للأسلحة. إن أية نتائج جديدة محسومة، ولاسيما متى أيدها مفتشو الأمم المتحدة، ستكون طريقا أكيدا نحو حكم الإعدام على النظام العراقي، حسب ما يقول الخبراء.
في هذه الأثناء، يقوم البيت الأبيض برفع وتيرة تحذيراته لممتلكي أسلحة الدمارالشامل بأن الولايات المتحدة ستقوم بالرد على استخدام مثل هذه الأسلحة ضد الولايات المتحدة أو حلفائها «بكافة الخيارات المتاحة».
ينظر بعض الخبراء للتحذير، الذي جرى تضمينه في استراتيجية جديدة لمواجهة أسلحة الدمار الشامل أقرتها إدارة بوش ، باعتباره تحذيرا مناسبا لصدام حسين في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة التحضير للحرب. يقول تشارلز هيمان، محرر «جينز وورلد آرميز» الخاصة بالشؤون العسكرية، «يدرك صدام حسين سلفا ما يمكن أن يحل به متى حاول استخدام أسلحة الدمار الشامل،»و يضيف «إنه في الواقع تحذير لدول أخرى تقع معظمها في المنطقة مفاده إذا كنتم تعتزمون السير في هذا الاتجاه، فمن الممكن أن تنتهوا إلى مصير صدام حسين».
طلقة تحذير
يقول الخبراء إن ذلك دليل آخر أيضا على أن إدارة بوش - على الرغم من التهدئة الراهنة لخطابها الداعي للحرب لصالح الأمل في إحراز نجاح في نزع السلاح -لا نية لديها في السماح لحسين بالإفلات مرة أخرى.
يقول وولفزثال من كارينجي إنه للحيلولة دون الإمكانية «بعيدة الاحتمال» في أن يكون حسين محقا في إعلانه، فانه - أي وولفزثال - يتوقع أن يسوق تسلسل للأحداث من نحو ما يلي ذكره لشن حرب في العام المقبل: تكتشف الولايات المتحدة أن الإعلان يتضمن على أمر «لا يتطابق مع ما يتوفر لديها»، وتقوم بتسليم معلوماتها لمفتشي الأمم المتحدة للتحقق منها، يلي ذلك قيام المفتشين بتقديم تقرير حول النتائج التي يتوصلون إليها لمجلس الأمن الدولي، الذي يؤكد على جرم العراق بمحاولة التمويه من جديد.
«عندئذ تقول الولايات المتحدة: لا فرصة أخرى جديدة، وتذهب للحرب ب أو بدون مجلس الأمن، «يقول جون بايك، مدير منظمة السلم العالمي وهي شركة مقرها فيرجينيا تقوم بالتحليل الدفاعي والأمني، إن إتهام صدام سيأتي في أحد شكلين: فهو قد يفشل في تقديم كشف حساب بخصوص الأسلحة التي يقول المفتشون بتملكه لها قبل أربعة أعوام، وهو ربما فشل أيضا في الاعتراف بأمر ما تكون الاستخبارات الأمريكية قد قامت باكتشافه من نحو «منشأة جديدة للأسلحة البيولوجية أو الكيماوية مخفاة أسفل قلب مدينة بغداد». أحد التواريخ المحتملة المشار إليها في تقويمات واشنطن لتنفيذ حكم الشنق هو اليوم السادس والعشرين من يناير، حين يقدم مفتشو الأسلحة التابعون للأمم المتحدة تقريرهم لمجلس الأمن، بينما يمكن للولايات المتحدة أو أي عضو آخر في مجلس الأمن أن يدعو لاجتماع في أي وقت لمناقشة التناقضات في الإعلان العراقي، فان الموعد المحدد في يناير سوف يمنح الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في مجلس الأمن وقتا كافيا لمضاهاة «اعتراف» السيد حسين مع المعلومات الاستخباراتية التي تملكها، كما سيتوفر لهم الوقت أيضا لتبادل المعلومات المتوفرة لديهم مع مفتشي الأمم المتحدة في العراق كيما يمكنهم تأييدها.
عملية مطوّلة
إن استغلال تاريخ تقديم التقرير في يناير سوف يتيح للولايات المتحدة الظهور بمظهر الصبور، المتأني المؤيد للنزعة الدولية، عن طريق الوقوف بجانب عمليةالأمم المتحدة والسماح للمفتشين بالاضطلاع بدور رئيسي في توفير الحجة للعمل العسكري.
بدأت الولايات المتحدة بالايحاء إلى نظرة منهجية ومتأنية تجاه الإعلان العراقي حتى مع وصول الوثيقة الضخمة إلى الأيدي الأمريكية أولا.
قال المتحدث آري فليشر، «نريد أن نكون شديدي الوثوق حينما نتنقل ونمعن النظر في هذه الوثيقة حتى نقرر، مع المجموعة الدولية، ما يشير إليه في شأن صدام حسين ونزع أسلحته». تدعم تلك التصريحات التعليقات الصادرة عن مصادر دبلوماسية أجنبية في واشنطن قالت إن الولايات المتحدة تؤكد لهم على أنها لا تخطط من جانبها لاستغلال الإعلان العراقي ذريعة للعمل العسكري.
أحد الخيارات: هجوم محدود
متحدثا من لندن، يقول السيد هيمان إن الولايات المتحدة ستواصل البحث عن «تناقضات» سيتم ترجمتها كعدم إلتزام بقرار الأمم المتحدة الصادر في نوفمبر حول العراق، غير أنه يقول إن زيادة الضغط على العراق سوف يتواصل - ربما مع «نوع من العمل العسكري المحدود» لا يتضمن هجوما على بغداد في العام الجديد، يعتقد هيمان الآن أن الهجوم على بغداد يحتمل وقوعه في الخريف، إذا كان صدام حسين لا يزال في السلطة حينئذ رغم شهور من العمليات العسكرية في كل مكان آخر بالعراق سوى بغداد.
* خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب «الجزيرة |