يبدو ان الولايات المتحدة تسير نحو هذه الحرب الخرقاء انطلاقا من واحد أو من كل من الأسباب التالية: الفشل الآخذ في الظهور في افغانستان، وكبرياء الأب، والأمل في ان يهندسوا له ولاية جديدة).
من المذهل ان نرى كيف يخطو الثلاثي الرائد الأمريكي شعبه، وأجزاء مختارة من باقي العالم، نحو حرب لا معنى لها، لا ذريعة ولا منطق لها، ببطء مريح، باحتقار متعاظم للحاجة إلى قول الحقيقة أو تكليف النفس عناء ايجاد التفسير،بعناد طفل مدلل لن يرفع يده عن لعبته.
كل الذرائع التي ألصقت بهذه الحرب بدت مدحوضة. في البداية بذلت جهود لربط صدام بالقاعدة، ولكن المحاولة فشلت، كما ان زعم الأمريكيين وكأن ضابط استخبارات عراقي التقى بمندوب القاعدة في مكان ما في شرقي اوروبا تبين انه كذب (بوب سايمون في «ستون دقيقة» كشف الأحبولة).
بعد ذلك جرى صخب اعلامي عال وكأن العراق يواصل جهوده لبناء السلاح النووي بمساعدة «أنابيب المنيوم» عجيبة، أحبولة، كل الخبراء النوويين الذين سئلوا يقولون بالاجماع ان لا أساس من الصحة لذلك.
والآن لم يتبق سوى السلاح الكيماوي والبيولوجي. ولكن يبدو ان هذه الفقاعة توشك على التبدد، فمراقبو الامم المتحدة انتهوا من اللعبة التي فرضها عليهم تشيني ورامسفيلد وهم يطالبون - وعن حق - بأن ينقل الأمريكيون اليهم أخيرا المعلومات المفصلة التي يدعون وجودها. وللوهلة الاولى، فان الأمريكيين أنفسهم كان يجب عليهم ان يبادروا إلى مثل هذه الخطوة، ولكن الأمريكيين بحمية الغضب ضد تسليم مثل هذه المعلومات. فهم لا يريدون للسلاح، هذا اذا كان موجودا أصلا، ان يُكتشف. انهم يريدون الحرب، والضغط الفظ وحده هو الذي حملهم على الموافقة بشفاه مرتجفة على تسليم معلومات ما.
لا يوجد بالمناسبة، أي مجال للقلق، فحتى لو لم يكتشف أي شيء في قائمة المواقع التي (ربما) ينقلها الأمريكيون لمراقبي الامم المتحدة، فسيدعي تشيني ورامسفيلد انه ها قد ثبت مجددا كم هم خطرون العراقيون، الذين نجحوا في تهريب مخزون السلاح من تحت أنف المراقبين وإخفائه في موقع سري آخر.
قد لا تصدقون، ولكن يبدو ان الولايات المتحدة تسير نحو هذه الحرب الخرقاء انطلاقا من واحد أو من كل من الأسباب التالية:
1- الفشل الآخذ في الظهور في افغانستان: بن لادن حي يرزق، والامم المتحدة تقول في تقاريرها ان قواعد القاعدة غدت تعمل هناك من جديد، والسلطة المركزية لم تعد قائمة عمليا، والدولة تسيطر عليها مجددا مليشيات منفلتة تابعة لزعماء القبائل، وصناعة المخدرات تضاعفت وافغانستان قريبة من تزويد 75 في المائة من استهلاك الهيروين العالمي، ومكانة المرأة لم تتغير، والأحداث الارهابية تعود من جديد..(توقع بما سيحصل في العراق في المستقبل). وهكذا فانه في ظل غياب بن لادن معلق على شجرة، تضطر الادارة الأمريكية لبديل بن لادن، موجود، مشابه، مكروه، وسهل للاحباط المركز. صدام مرشح رائع، وتحطيمه سيرفع المعنويات، ويُنسي الفشل في افغانستان.
2- كبرياء الأب: بيبي بوش يسعى إلى ضرب الرجل الذي أهان بابا بوش، غدد الكبرياء التكساسية منتفخة وملتهبة بقوة وحرارة لدرجة ما كانت لتخجل ابن صحراء فخور من الشرق الاوسط.
3- الحرب هي أمر رائع: العصبة التي تلتف حول العبقري من البيت الابيض تعرف بوضوح بأن من الأفضل له ان يلوح بالحراب ويقاتل الأعداء الأشرار طوال سنوات ملكه، فيكفي ان يتوقف للحظة واحدة قصيرة عن المطاردة المجنونة وراء «اولئك العصاة الملاعين» حتى يتبين للعالم أجمع ضحالة فكره واخفاء عيونه الذكية خلف ستار من دخان المعارك - يكون لهم أمل في ان يهندسوا له ولاية جديدة.
من سينفي ان انتصارا امريكيا معتبرا سيحقق كل هذه الأهداف بالفعل، ولكنه سيحققها وحدها فقط، وبالمقابل فانه سيؤدي إلى تعاظم الارهاب، وإلى الفوضى التامة في العراق، وإلى تصاعد النزعة المناهضة لامريكا، وإلى خطوة غير صغيرة اخرى نحو حرب الجميع ضد الجميع.
(*) كاتب مقال يومي في يدعوت الإسرائيلية
|