Wednesday 1st January,2003 11052العدد الاربعاء 28 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نحن في حرب فهل نحتاج إلى استنساخ المحاربين الأكفاء!؟ نحن في حرب فهل نحتاج إلى استنساخ المحاربين الأكفاء!؟
د. خليل بن عبدالله الخليل

أجبرت هجمات 11 سبمبر لعام 2001م على مدينتي واشنطن العاصمة ونيويورك دولتين أساسيتين في العالم على الدخول في حرب، وتحمل ما يعنيه ذلك من خسائر ومسؤوليات وتبعات. تلكما الدولتان هما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.
باغتت الهجمات الانتحارية «الدولة العظمى» واستطاعت أن تنال بغيتها وأن تحقق أهدافها حيث اسقطت برجي مركز التجارة العالمي، وأصابت مبنى البنتاغون «وزارة الدفاع الأمريكية» فكان للفئات المهاجمة بذلك السبق في احراز ما لم تحرزه قوى عسكرية وسياسية معادية لأمريكا منذ استقلالها قبل أكثر من 200 عام.
استطاعت تلك الهجمات أن تلحق الضرر الأدبي والمعنوي بأقوى «قلعة عسكرية» في التاريخ واستطاعت أن تقلل من شأن الترسانة العسكرية الأمريكية الهائلة، واستطاعت أن تهزأ بالغطرسة الأمريكية، واستطاعت أن تقصم ظهر الاقتصاد الأمريكي بضربها مركز التجارة العالمي، واستطاعت أن تبث الرعب والخوف في ثنايا النفسية الأمريكية كما استطاعت أن تخلخل المؤسسات الاقتصادية الأمريكية، وأن تتحدى المؤسسات الأمنية، وتخترق الحواجز الحضارية المتسمة بالاستعلاء والتفوق والحضور والاستبداد والسيطرة والقدرة والتنظيم.
دخلت أمريكا في الحرب« مجبرة» والمصيبة أن العدو الذي غزاها في عقر دارها «مجهول» الكيان والقواعد والعدد والعدة، والأطراف المعلومة منه لا تعدو أن تكون أطرافاً مبعثرة هزيلة لا تستحق البطش الذي اعتاده «الأمريكي» في تاريخه عندما يشعر بالتحدي.
ليس ذلك فحسب وإنما ذلك العدو «المجهول» انطلق في هجماته الموجعة المفاجئة من الحدود الأمريكية، واستخدم الصناعات الأمريكية المدنية «الطائرات» تحت مرأى ومسمع من الترسانات الأمنية والعسكرية والإعلامية.
دشنت تلك «الهجمات الانتحارية» أو «الغزوات» كما أطلق عليها بعض مؤيديها بابتهاج «تماسا» ثقافياً بين الشرق المسلم والغرب المسيحي، وابتكرت أسلوبا حديثاً لحروب المستقبل، يتلخص هذا التكتيك العسكري الجديد في شن الغارات السريعة المباغتة.. مع حسن اختيار المواقع والتوقيت والأفراد المهاجمين، وكلما كان الانتحاريون أقل تعليماً وأشد تديناً، وأكثر تطرفاً.. كلما كانوا أكثر نجاحاً، بدون الحاجة إلى معدات وأسلحة عسكرية تقليدية، وياله من ابتكار منهك ومدمر للبشرية.
الدولة الثانية التي أجبرت على دخول الحرب هي: السعودية، إلا أنها لم تحس بذلك في وقته مباشرة، حيث أُخذت بفاجعة الصدمة، وبقيت القيادات المعنية أسابيع وهي «تتأمل» وتقنع نفسها بأنها بعيدة عن أجواء وساحات تلك الحرب سياسياً وعسكرياً وجغرافياً، وأن خططها الوطنية الخمسية واستراتيجياتها السرية والمعلنة لا تتضمن الدخول في حروب، وإنما هي خطط تنموية لصالح العرب والمسلمين.. بالاضافة إلى مصلحة مواطنيها.. بل تصب في مصلحة الاقتصاد الدولي، ومشاركاتها في دعم السلم والاستقرار الدوليين معروفة!! إذن كيف تصبح في غمضة عين في قلب المعركة، ثم إن المعركة مع من؟ إنها مع حليف سياسي وشريك اقتصادي منذ ستة عقود.
الحقيقة أن السعودية مثل أمريكا أجبرت على الدخول في الحرب، والذين أجبروها على ذلك يعرفون جيداً أهدافهم فمن هم يا ترى؟؟ وما تلك الأهداف؟
الذين أدخلوا السعودية في الحرب هم «منظومات فكرية» وأيدلوجية ترى في السعودية حكومة وتوجها وثقافة وشعارات وممارسات عدوا استراتيجياً، والملاحظ أن هذه المنظومة متباينة في الأعراق والأفكار والأديان والدول، ولكنها متفقة في النظرة والهدف إزاء السعودية.
من هذه المنظومات الفكرية الاتجاه «الاخواني الخوارجي» والاتجاه «السلفي الراديكالي» والاتجاه «العروبي العدواني» هذه بعض المنظومات الشرقية التي تعادي السعودية،والتي أدخلتها من خلال توافقها مع تباينها في النظرة للواقع والمستقبل وتوافقها في الأهداف في الحرب الحالية.
يرى الراديكاليون الدينون والعروبيون في السعودية «عدواً» أساسياً لأنها دولة معتدلة ومقبولة لدى العرب والمسلمين ومحترمة من دول الشرق ودول الغرب وصاحبة ثقل محلي واقليمي ودولي.. مما يصعب على أولئك القيام بمشروعات مستقبلية بدونها، وهي دولة مستقلة مستقرة غير قابلة للاقتناع بأطروحات تلك المنظومات المتطرفة المتشنجة التي ترغب في اشعال حروب «طائفية» و«أهلية» بين العرب والمسلمين، وحروب وصدامات دينية وحضارية مع غير المسلمين في العالم.
كذلك هنالك المنظومات الفكرية والثقافية والدينيةالغربية المتطرفة التي ترى في السعودية «عدواً استراتيجياً» ومن تلك «المسيحيون اليمينيون» والجمهوريون الجدد «والمسيحيون المتصهينون» في أمريكا ومن يسير في خطهم ويتبع خطاهم من الكتاب أمثال توماس فردمن ولوران موربيك، وبعض رجال الدين المتطرفين الذين يتفقون مع متطرفي العرب والمسلمين في التطلع إلى اشعال الصدامات والحروب مع الشعوب والدول الأخرى أمثال القس روبنسن والأب جيري فورد والأب بيل جرام وابنه القس جرهم جرام في أمريكا.
استطاعت تلك الفئات والمنظومات الغربية المتطرفة أن تنطلق من هجمات 11 سبتمبر، فشنت «حرباً» على السعودية ثقافة وتعليماً وقضاء ومجتمعاً وقيادات سياسية، ومنظمات خيرية وو...الخ.
إن الحرب التي تعيشها السعودية تتمدد وتأخذ ابعاداً سياسية واقتصادية وقانونية وأمنية وثقافية وإعلامية عملية، فكل يوم نقرأ عن تشريعات جديدة في حق السعوديين: وللايضاح فهناك قضايا الحصول على تأشيرة للدخول لأمريكا والتي تتطلب حالياً انتظاراً طويلاً وأخذ بصمات واجراء مقابلات، وهناك الدعاوى القضائية المرفوعة من أسر الضحايا على رجال أعمال سعوديين وسياسيين وعلى منظمات خيرية وبنوك، وهناك، وهناك، وهناك.. ولا أحد يدري ماذا سيحدث في المستقبل الذي تتسارع خطى أحداثه بشكل يدعو للاستغراب والقلق.
إن هذه الحرب التي شنتها المنظومات الفكرية على السعودية تتطلب أن تعيش المملكة كما عاشت أمريكا المناخ المناسب لمواجهة الحرب.. الحذر مطلوب، الاستنفار مطلوب، الإعلام مطلوب، الانصهار الوطني مطلوب، ثقافة الحرب مطلوبة، إدارة الحرب مطلوبة، البذل الرسمي والشعبي مطلوب الخطط البديلة مطلوبة.. هذه وأمثالها من متطلبات الحرب ومن مستلزمات مناخها.
ولا أدري إذا كان هنالك بعض الخطوات التي اتخذت في الخفاء، إلا أن المراقب عن قرب لا يرى أن هناك «استنفاراً» نفسياً وثقافياً وتنظيمياً وإعلامياً لمواجهة «قواعد» المنظومات الثقافية والدينية الغربية والشرقية التي شنت الحرب علينا من كل حدب وصوب.
إنني أستطيع أن أسجل هنا أن هناك ثلاث جهات لم تشارك في المواجهة مع أنها جهات معنية بشكل مباشر بالأجواء التي نعيشها.. وهي المؤسسات الإعلامية الرسمية، والمؤسسات الدينية، والسفارات السعودية.
هذه الجهات تعيش في رتابة ودعة وانتظار للمجهول.. برامجنا الإعلامية المرئية والمسموعة لم تتغير، والمساجد لم تتغير، والأنشطة الإسلامية في الداخل والخارج لم تتغير، والخطاب الديني لم يتغير، بل زاد تشدداً أما السفارات فهي آخر من يعلم، وإن علمت فإنها آخر من يجسد الآمال والطموحات مع أنها تقع في الخطوط الأمامية للمعركة..
«نحن في حرب» هذا هو الانطباع السائد الذي تشهد به المعطيات الاقليمية والدولية، والذي لمسته الوفود السعودية التي شكلتها مشكورة مجالس الغرف التجارية والصناعية السعودية، ودعمتها الهيئة العامة للاستثمار بما فيها من خبرات وإمكانات.
طافت تلك الوفود، (وقد تشرفت بالمشاركة مع بعضها)، الدول التي انطلقت منها الحرب الإعلامية والدول التي هي مظنة التأثير.. بدءاً من حضور المنتدى الاقتصادي العالمي «Davos» في نيويورك قبل عام إلى تاريخ كتابة هذه المقالة.. بما في ذلك زيارة أمريكا، والالتقاء بعدد من السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات وعموم الناس في أكثر من ولاية أمريكية، والزيارات الموجهة لفرنسا ولألمانيا وبريطانيا وبلجيكا والصين واليابان وروسيا الاتحادية.
الانطباع السائد لدى المشاركين من رجال وسيدات الأعمال والكتاب والمفكرين في تلك الوفود «أننا نعيش في حالة حرب» وهذه الحرب تستحق الاستعداد والإمداد بالغالي والنفيس.. لأن السعودية اليوم بالتأكيد ليست السعودية في نظر العالم قبل هجمات 11 سبتمبر. ما تريده تلك المنظومات والمنظمات التي اختارت «15» سعودياً للتطوع بالمساهمة في تلك الهجمات أن ينتهي «التأثير السعودي» محلياً واقليمياً ودولياً في أقرب وقت.. تمهيداً لانهاء الوجود السعودي رسمياً وشعبياً برمته وإن لم يكن ذلك.. فتطويقه وملاحقته، واستفزازه، وتشويه صورته، وفرض «الوصاية» عليه في النهاية بعد اثخانه بالاتهامات والعرقلة والديون والجراح.
إن تلك المنظومات ترى في السعودية عدواً حقيقياً.. فخططت بذكاء للنيل والإرباك والتشويه، لإنهاك ذلك العدو ببراعة، فهل لنا نحن السعوديين أن «نتعاضد» ونصنع من هذه الحرب بداية «لعمل جديد» بعد تجاوز هذه الكارثة التي فرضت علينا بدون اختيارنا؟؟
نعم إنه من الممكن أن نصنع من هذه الحرب ما يعزز مكانتنا ويقوي بلادنا وذلك يمكن أن يتم عندما نشعر بأننا أمام تحد تاريخي، وفي حالة حرب خطيرة توجب أن نعلن «الاستنفار» ونعد العدة للمواجهة والانتصار.
إننا قادرون على الصمود، وقادرون على المواجهة، بل إننا لم ننتج بعد ما نستطيع انتاجه للعالم، ولم نحقق بعد الأهداف التي نتطلع إليها. إن دولتنا دولة شابة مازالت تحسن الظن في الآخرين، وإننا شعب طيب محترم ويحب أن يدمدم الأمور.. في زمن لا مكان ولا وقت فيه للدمدمة.
إن الحرب التي أجبرنا على الدخول فيها توجب علينا «الاستنفار» وتفرض علينا «اكتشاف» و«صناعة القدرات الوطنية» القادرة المحترفة التي تواجه وتقنع وتكافح بشرف وكفاءة سواء من الرجال أو من النساء، ولقد لفت نظري ما قاله أحد الكتاب السعوديين الناضجين في اجتماع مجلس الغرف التجارية والصناعية بالرياض مساء الأحد 18/10/1423هـ عندما اقترح «استنساخ» المستشار عادل الجبير الذي واجه ويواجه الحملات الإعلامية بعقلية نادرة.. فكان بحق «مؤسسة» إعلامية وطنية متكاملة.. تستحق التقدير والشكر.وبالمناسبة لمست اجماعاً في ذلك اللقاء الذي ضم أكثر من «60» شخصية على أن الحرب المعلنة على المملكة تتمدد وتتعمق، كما ذكر أحد أبرز المتحدثين المتابعين بعناية ومهنية أن آثار حملات الحرب الإعلامية سواء كان في الداخل أو في الخارج تعدت اللحم والعظم ووصلت للدماغ، وهذه الحملات «حملات حرب» على كل ما هو سعودي.لقد أصبح كل سعودي في نظر تلك الحملات الإعلامية الموجهة مشروع ارهاب قادم، مما يستدعي مرة أخرى منا كحكومة وكشعب «الاستنفار» واكتشاف وصناعة القدرات وبذل الأموال وتسخير المؤسسات الإعلامية والدينية والدبلوماسية.. لمواجهة تلك «الحرب المعلنة» التي لا نقبل إلا أن نكون فيها منتصرين مهما كلف الثمن.
كلمة أخيرة، وهي عبارة عن بطاقات شكر لأولئك المشاركين في مواجهة تلك الحملات منذ انطلاقها من رجال وسيدات وفي مقدمتهم الوطني الصادق عادل الجبير، وبطاقة شكر لمن ساندهم ويسندهم ويشارك معهم وعلى رأسهم الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي العبدالله آل سعود، والدكتور عبدالرحمن السعيد ورجل الأعمال المعروف عبدالله زينل الذين أسهموا بفعالية في السعي لمواجهة الحرب الإعلامية الغاشمة على الوطن والمبادئ والمقدسات، وأسهموا بحماس في ايصال صوت الحق والعدل والاعتدال الذي نادت وتنادي به القيادة السعودية.. ممثلة في صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز عندما نهض بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين نهوض عظماء القادة.. للتصدي والمواجهة في صراحة ومصداقية وعزة ويقين.

للتواصل: فاكس: 2787227

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved