Wednesday 1st January,2003 11052العدد الاربعاء 28 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الهوية الوطنية وضرورة الانتماء الهوية الوطنية وضرورة الانتماء
د. ناصر بن عبدالله الغالي

نتيجة للصراع الحضاري الذي نعيشه نشأ نوع من التكوين يقوم على توجيه المجتمعات الصغيرة، لتغدو تابعة لمجتمع معين، ولثقافة محددة، ومن ثم اعتناق قيم بعينها، تنطلق من مفاهيم معاصرة، تتميز بالعالمية وتبتعد عن الخصوصية الثقافية، والحضارية الوطنية، مع ما يترتب على ذلك من ممارسة ليس لها جذور عميقة في تاريخ تلك الشعوب والمجتمعات، مما يعني أنه تكوين حضاري جديد، ذو خصائص شمولية كونية، محتواها مفرغ من الجذور الاجتماعية والهوية الثقافية، كما أنه ذو ملامح عالمية نفعية، لا نصيب فيها للعلاقات الاجتماعية، والقومية التقليدية، ولا تعنى بالولاء للهوية الوطنية، ولا بالانتماء لها.
في موضوع سابق تحدثت عن أهمية الحفاظ على تلك القيم، التي تقوم بتعزيز دور الهوية الوطنية، وذكرت أن الانتماء للوطن والولاء للدين وللأمة، وللفكر كما هو الولاء للوطن يحتاج إلى حماية وتنمية، الأمر الذي يتطلب كشف الواقع ومراجعة وتقييم الشعور بتلك القيم ومن ثم غرس المبادئ الأساسية في نفوس أفراد المجتمع، وفي ذهن أعضاء الجماعة والإيمان بتلك المبادئ والدفاع عنها والتحمس لها لنصل في نهاية الأمر إلى مرحلة التعبير الكامل بشتى صوره عن الانتماء لهذه القيم والولاء لها.
الوصول إلى التعبير الكامل الفعَّال يحتاج غالباً إلى نوع من التربية أو التنشئة الاجتماعية التي تعنى ببيان أهمية تلك القيم والمبادئ وشرح أصولها وأسسها وضرورة الارتباط بها وتوضيح الآلية التي تعمل من خلالها القيم المشتركة للوصول إلى الحفاظ على التماسك الاجتماعي السياسي، والعوامل الأخرى الضرورية لمثل ذلك التماسك.
نعم، إن من أخص خصائص تلك التنشئة هو أنها تساعد على التنشئة على احترام العمل الجماعي، والتعاون، والإحساس المشترك بالمسؤولية، ونكران الذات، والإيثار، مما يساعد على خلق الانتماء، والولاء لتلك القيم.
لعل الولاء للهوية الوطنية يشمل فيما يشمله، الولاء بجميع مناحيه، فهو ولاء للدين، وولاء للأمة، وللفكر، وولاء للوطن بشكل عام. نعم، هذا ما أعنيه بالانتماء والولاء لهذا الانتماء، إنه الانتماء إلى الهوية الوطنية بكل أبعادها، وملامحها الدينية والأممية والقومية والفكرية والثقافية والحضارية؛ ولذلك فمهمة التنشئة المطلوبة هو خلق الإحساس العام بالهوية الوطنية، والحفاظ عليها وديمومتها.
التنشئة الاجتماعية والسياسية، عملية يتم من خلالها خلق قيم، ومعارف لدى الأفراد، تجاه قيم أو أنظمة بعينها، مفادها أن التأييد والتعبير عنه، عامل ضروري لاستمرارية تلك الأنظمة، وتلك القيم، الأمر الذي أكده أفلاطون قبل حوالي ألفي سنة عندما عزا سقوط الأنظمة لفشل أو قصور التنشئة الاجتماعية السياسية. وتعتمد الأنظمة السياسية المعاصرة على التنشئة الاجتماعية السياسية في ضمان ديمومتها وخلود قيمها السياسية، حيث يتم غرس القيم المطلوبة التي تؤثر في سلوك وتصرفات الأجيال، أو قد تؤدي إلى إعادة إنتاج قيم بعينها، وسلوك محدد متوافق مع النهج العام للأنظمة القائمة.
ما ذكر يؤكد أهمية الدور الذي تلعبه مثل تلك التنشئة؛ فهي التي توجه سلوك واتجاهات الأفراد، وكيفية اكتساب ذلك السلوك، والعوامل المؤثرة فيه، كما أن أهمية تلك التنشئة تكمن في الوظيفة التي تقوم بها والتي تؤدي إلى الشعور بالانتماء، وتقود إلى الشعور بالولاء لقيم بعينها، وللمجتمع السياسي، والنظام السياسي، والحكومة.
لا أعتقد أننا نختلف في الدور الحيوي والهام الذي تلعبه التنشئة الاجتماعية السياسية في الحفاظ على أنظمة وقيم بعينها، لكن كيف نفسر عمل هذا الدور، وكيفية القيام بالوظائف الهامة لمثل هذه التنشئة. يمكن القول إن عمل هذه التنشئة ينطلق من أن الفرد يتبنى توجهات تجاه البيئة السياسية كوسيلة لإشباع رغباته الشخصية الداخلية، إما رغبةً وأملاً وإما خوفاً وخضوعاً؛ فالفرد يمكن أن يتولَّد لديه حب الانتماء والولاء للأنظمة، رغبة في المشاركة والحصول على المركز والجاه، متأثرا بانتقال القيم التي تولَّدت لديه من الولاء للأسرة، وللعائلة، وللخضوع للوالدين، إلى شعور بالولاء للأنظمة السياسية. وقد يكون الولاء ميلاً إلى الإذعان رغبة في أن يخضع لسيطرة الغير عليه، رهبة من القوة، ومن أجل التخلص من الخوف، وحباً في الحماية وأملاً في الشعور بالأمان والاستقرار.
مع أنه يمكن أن تفسر كيفية اكتساب تلك التنشئة من وجهة نظر اجتماعية، وأنها نتيجة للمثيرات التي يتلقاها الفرد من بيئته المحيطة به، والالتزام بتبني توجهات معيَّنة موجودة ضمن إطار ذلك المجتمع وتلك البيئة، فتوجهات الفرد نحو القيم ونحو الأنظمة تتأثر بالرسائل التي يستقبلها من البيئة وما يبث في وسائل الإعلام.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved