Friday 3rd January,2003 11054العدد الجمعة 30 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

القدس الشرقية.. ترجمة للعزل العنصري بأسلوب إسرائيلي القدس الشرقية.. ترجمة للعزل العنصري بأسلوب إسرائيلي

* عمان - الجزيرة - خاص:
القدس الشرقية منطقة مهملة من قبل السلطات الاسرائيلية في كافة المجالات والفقر والجريمة والتدهور فيها تتزايد وتهدد بالانفجار الامر الذي يتطلب تغيير السياسة الرسمية تجاهها.
عشرات الاطفال في سن المدرسة الابتدائية يحاولون خلال ساعات الدراسة وبعدها بيع ما تصل اليه أيديهم من بضائع خفيفة في الشوارع هذا بينما ينضم آخرون لآبائهم كعمال يوميين وبعضهم الآخر يعمل عتالا ينقل حاجيات المشترين في وسط المدينة من السوق الى مراكز المواصلات. أطفال آخرون يلعبون في الشوارع الضيقة بين أكوام القمامة والمجاري النتنة. فتيان يتجمعون حول الطالبات الخارجات من مدارسهن ويقومون بمضايقتهن الى ان يأتي شخص كبير وجريء ويصرخ عليهم محاولا ابعادهم. بعض الاولاد يسارعون بالتوجه الى منازلهم بعد الدراسة حسب توصية أهاليهم القلقين من الاوضاع في الشوارع ومن تجار المخدرات واللصوص في شارع السلطان سليمان هذا بينما يبقى الأهالي قلقين الى ان يعود اطفالهم الى منازلهم.الوضع في الشارع صعب والمخاطر كثيرة بما فيها مخاطر سيارات «الفورد» الرعناء المتراصة هنا وهناك.
اغلبية هؤلاء الطلبة سيعودون الى شقتهم السكنية المكتظة جدا من دون خصوصية لهم أو لأهاليهم في أحياء مزدحمة وفي منازل لا توجد فيها ساحات للعب أو نواد شبابية واغلبية شوارعها نصف مبلطة ولا توجد فيها أرصفة حيث تمتلىء بالمياه مع أول شتاء يسقط على الارض. الاولاد سيدخلون الى منازلهم في الشتاء وهم مبللون فيجدونها باردة جدا لأن والدهم العاطل عن العمل منذ سنة لا يملك المال لشراء الوقود بينما لا يستطيع المنزل ان يحتفظ بالحرارة ولا يتحمل قسوة الشتاء لانه بني بسرعة ومن مواد خفيفة بسبب الوضع وعدم توفر تراخيص من البلدية، هؤلاء الاولاد وأمهاتهم يشكون كثيرا من مشاكل صحية في التنفس والالتهابات في المفاصل بسبب البرودة الشديدة.
المنازل في أحياء القدس الشرقية التي يعيش فيها اغلبية السكان الفلسطينيين مشيدة فوق بعضها البعض مقتحمة الشوارع ومحولة إياها الى ضيقة أكثر فأكثر ضوء النهار يجد هو الآخر صعوبة في التسلل والدخول الى المنازل ومع ذلك يتواصل البناء من اجل الاستجابة لوتيرة الطلب المتزايد على السكن البناء متواصل في كل موقع من القدس الشرقية وهذا البناء يكون احيانا غير سليم ولا يراعي قواعد السلامة والأمان لدرجة الخطورة. مراقبو البناء والمهندسون الفلسطينيون يرتجفون عندما يتصورون ما سيحدث اذا ما صادف حدوث هزة ارضية هنا. الناس وأصحاب المحلات يشتكون من ازدياد السرقات وعمليات السطو ومن تزايد عدد العاطلين عن العمل وعدد المدمنين على المخدرات الذين يقومون باقتحام المنازل الفارغة أو غير المكتملة في الأحياء الجيدة ما وازدياد عدد الجوعى الذين يحصلون على المساعدة الغذائية من المنظمات الخيرية يتحدثون هناك عن عصابات تضع أيديها على الاراضي والعقارات وعن عصابات اخرى تقوم بأخذ الخاوات من المحلات التجارية.
تفرقة بمليار شيكل
في كل موقع من القدس الشرقية العربية يمكنك ان تلمس آثار الفقر والاهمال، الاهمال الاجتماعي الذي ينعكس من خلال الاولاد والشبان المتسكعين المملين والمتسولين والباعة المتنقلين الكثيرين والعنف الواضح والسائد والزعرنة والجريمة، والاهمال النفسي الذي يلمس من الوجوه الواجمة والتصريحات التي تعبر عن اليأس والاعياء وضعف الحياة.
فهل هذا انطباع خارجي فقط يتغذى بالأساس من المقارنة مع الأحياء اليهودية الملاصقة جدا والراقية والمنظمة والنظيفة والفارهة؟ وهل هذا مجرد مبالغة من الفلسطينيين القاطنين في المكان؟ «عالم ثالث» هكذا يصف المحامي داني زيدمان أحياء القدس الشرقية وهو خبير مختص في تمثيل الفلسطينيين المقدسيين الذين يقدمون الالتماسات القضائية ضد سياسة الحكومة والبلدية اللتين تعتديان على حقوقهم.
مجموعة من الباحثين والنشطاء الفلسطينيين حذرت مؤخرا من تحول الأحياء الفلسطينية في القدس الى منطقة بلدية مهملة ومكتظة جدا الامر الذي يحولها الى منطقة ذات ثقافة ومعايير وقيم بديلة بسبب اهمال السلطات لهم ومن هذه المعاييرالدين والجريمة.
الجغرافي الدكتور اورن يفتحال من جامعة بئر السبع تحدث عن هذه الظاهرة التي ظهرت في ساوباولو ومكسيكو سيتي وفي بعض المدن المركزية في امريكا وفي القدس الشرقية ايضا نظمي الجعبة هو أحد هؤلاء الخبراء الفلسطينيين وهو مؤرخ ومختص بالآثار من مواليد سلوان وأحد اعضاء «طاقم المهمة المقدسي» الذي شكله فيصل الحسيني من اجل التفاوض السياسي مع اسرائيل في قنوات «خلفية» في السابق الجعبة تنازل عن الحياة الرومانسية التي يوفرها له سكنه في سلوان وانتقل الى مكان آخر بعد ان لمس مدى خطر المدمنين على أولاده. فلسطينيون مثل الجعبة ورفاقه في «طاقم المهمة» واسرائيليون مثل زيدمان الذين يعملون بالتعاون مع الفلسطينيين في مواجهة السياسة الرسمية الاسرائيلية (حكومية وبلدية) يحذرون من برميل البارود الاجتماعي والسياسي ومن الانفجار الأكيد، الجعبة يقول دعك منا نحن ولكن ألا يدرك أحد ما في اسرائيل ان هذه الظواهرالخطيرة ستصل الى القدس اليهودية ايضا وللمجتمع الاسرائيلي؟.
جميعهم يلقون باللائمة الأساسية على الاهمال الرسمي المبرمج والمقصود للتخطيط والحصر الشديد لاصدار التراخيص والتنمية في شرقي المدينة والتفضيل المتواصل والمديد لليهود على العرب في الميزانيات الحكومية والبلدية والدعم الذي تقدمه مؤسسات اسرائيلية رسمية لأطراف جنائية تقوم بمساعدة الشباك.
الجهات الاسرائيلية الرسمية في البلدية وغيرها لا تنفي وجود التفرقة. هناك فجوة تبلغ مليار شيكل في البنى التحتية بين الأحياء اليهودية والأحياء الفلسطينية، كما أفادنا نائب مدير عام بلدية القدس ورئيس الادارة المالية ايتان مئير، والقضاء على هذه الفجوة يتطلب تخصيص مليار شيكل أكثر للتطوير في شرقي المدينة بالمقارنة مع غربها وهذا مبلغ خيالي في هذه المرحلة الا ان مئير يسعى للتأكيد بأن هذه تركة من فترة تيدي كوليك عضو حزب العمل وان البلدية برئاسة اولمرت تحاول تغيير سلم الأفضليات الحكومية وتوجيه موارد أكثر لشرقي القدس.
كما ذكر ايضا انه قد كانت هناك فجوة هائلة في البنى التحتية منذ ان تم ضم القرى والأحياء في شرقي المدينة في عام 1967. كما ان الدوافع السياسية والسلطة تقف حسب رأيه وراء الكثير من الظواهر الجنائية ومخالفات البناء كما ان انتفاضة ايلول 2000 الحالية هي السبب حسب رأي مئير والبلدية في التدهور الاقتصادي الحالي.
مقابل ادعاء البلدية والسكان بأن الجريمة في تزايد في القدس الشرقية تقول الشرطة ان هناك هبوطا بنسبة 8 في المائة في الجريمة في القدس الفلسطينية بالمقارنة مع السنة الماضية. المتحدثون والمستشارون في البلدية والشرطة مثل الباحث يسرائيل كيمحي من معهد القدس لأبحاث اسرائيل يميلون للاعتقاد بأن الانفجار غير ممكن لان الحياة في ظل الحكم الاسرائيلي أفضل - من حيث الأمن الاقتصادي الاجتماعي النسبي هذا بالاضافة الى حرية الحركة واسلوب المعيشة الديمقراطي - من العيش في ظل حكم ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية والدليل على ذلك هو عدم مشاركة سكان القدس الشرقية في الصراع الدموي الاسرائيلي - الفلسطيني باستثناء حالات فردية قليلة.
معدل الفقر يتزايد
سواء كان الانفجار وشيكا أم لا يقول فلسطينيون كثيرون ان الوضع في أحياءالضفة التي يزورونها أفضل من الوضع في القدس الشرقية والبلدة القديمة خصوصا، هذا ما يقوله نظمي الجعبة و(م.ح) المحامي الذي تواجد في جنين ثلاثة ايام في الاسبوع الماضي ومي العمري اخصائية نفسية متنقلة بين رام الله وشرقي القدس واللد والرملة ومها أبو دية مديرة «مركز القدس» للمساعدة القانونية والاجتماعية للنساء.
المعطيات الاحصائية المختلفة تؤكد ان معدلات الفقر ليست مجرد انطباعات سطحية فقط. مؤسسة التأمين الوطني لم تعط احصائيات خاصة بالفلسطينيين في القدس الشرقية لعام 2001 والسبب حسب قولهم هو ان مكتب الاحصاء المركزي لم يرسل موظفين لشرقي القدس للقيام بعملية الاحصاء لأسباب أمنية الا ان قسم الرفاه الاجتماعي في بلدية القدس الذي يحلل معطيات التأمين الوطني يقدر على أساس معطيات عام 1999 ان 66 في المائة من سكان القدس الفلسطينيين - 700 ،142 نسمة- عاشوا في عام 2001 تحت خط الفقر هذا بينما كانت النسبة العامة في اسرائيل لنفس السنة 6 ،19 في المائة وفي القدس اليهودية بلغت النسبة 8 ،27 في المائة، وهناك أساس راسخ وقوي للخشية من ان نسبة الفقراء في شطري المدينة قد ازدادت في عام 2002.
في عام 1999 عاش 6 ،58 في المائة من الفلسطينيين من سكان القدس تحت خط الفقر(700 ،112 نسمة) وفي عام 2000 هبطت نسبة الفقراء الفلسطينيين في القدس الى 7 ،57 في المائة (أي 120 ألف نسمة) هذا مقابل 7 ،27 في المائة من اليهود في القدس في نفس السنة عاش 68 في المائة من الاولاد الفلسطينيين في القدس (59 ألف طفل) تحت خط الفقر (مقابل 9 ،28 في المائة من الاولاد اليهود) دوريت بيران مديرة قسم التخطيط والتطوير في قسم الرفاه الاجتماعي في البلدية تقدر بأن نسبة الاطفال الفلسطينيين الفقراء ستصل في هذه السنة الى 70 في المائة.
وحسب معطيات مكتب الاحصاء المركزي كان عدد سكان القدس في نهاية عام 2001حوالي 670 ألف نسمة حيث كان عدد الفلسطينيين منهم 400 ،215 نسمة وفي 31كانون الاول 2002 وصل عدد سكان المدينة الى 500 ،678 نسمة الا ان مكتب الاحصاء لم يعط عدد اليهود والفلسطينيين ضمنهم.
مكتب الاحصاء المركزي الفلسطيني الذي يستعين من ضمن مستنداته الاحصائية على مكتب الاحصاء الاسرائيلي يقدر بأن عدد الفلسطينيين في القدس أعلى من ذلك ففي عام 2000 كان عددهم حسب تقديراته 597 ،231 نسمة وهذا العدد ازداد اليوم الفلسطينيون يضيفون لكل رقم احصائي اسرائيلي 20-30 ألف نسمة على الأقل من غير المسجلين رسميا كما ان معدلات الفقر حسب رأي الفلسطينيين أكبر.
حكم غائب
في كل منطقة مهملة في العالم يكون العداء للسلطة أحد المميزات أما في المنطقة المهملة الفلسطينية في شرقي القدس نجد ان هذه الميزة مسيطرة وغالبة بصورة خاصة وذات طابع سياسي واضح. الحكم الاسرائيلي غائب في نظر الفلسطينيين طالما كان هناك حديث عن تحسين شروط الحياة أو مكافحة الجريمة.
وفي اسوأ الاحوال ينظرون للحكم الاسرائيلي على انه غير مكترث لحالهم وغير مطلع على اوضاعهم ومجتمعهم وفي نفس الوقت لن يسلط أنظاره على اراضيهم للتوسع والبناء لليهود وحدهم. اليهود في نظرهم هم الذين تسببوا في التدهور الشامل، وان ما يهمهم فقط هو فرض الضرائب والغرامات ومصادرة الممتلكات ووضع العراقيل أمام حركتهم وايقاف الشبان في الشوارع. الناس ينظرون لرجال الشرطة وحرس الحدود ومفتشي البلدية كأشخاص سيئين أشرار وعدوانيين معادين لكل السكان (حتى اذا كانت الشرطة والبلدية تؤكدان ان الكثيرين يتوجهون اليهم طالبين مساعدتهم ومعبرين عن الثقة بهم).
الا ان الفلسطينيين في القدس يتذمرون من السلطة الفلسطينية التي أهملت المدينة في نظرهم سياسيا وعمليا ويردون على ادعاء البلدية بأن السلطة تقف من وراء حركة البناء بأنهم يتمنون لو ان ذلك قد حصل وان ياسر عرفات حرص بالعكس على اضعاف مكانة من يقفون على رأس المدينة حتى لا يهدد ذلك مكانته في الأحياء الفقيرة في القدس. يستذكرون فيصل الحسيني الذي كان يكترث لحالهم ويحاول المساعدة مثل الأب الرحيم وانهم يشعرون بأنهم أيتام بعد وفاته. بيت الشرق كان يدعم السكان واغلاقه قضى على هذا الهامش الداعم للناس اجتماعيا واقتصاديا.
أما نشطاء اليسار الفلسطينيون فيقولون في المقابل ان أنشطة الحسيني وبيت الشرق لم تخرج عن النهج الذي يتبعه ياسر عرفات ورغم نقاء الحسيني واهتمامه بالناس الا انه اضطر للعب دور الوسيط بين رام الله والقدس وعندما كان يحاول الحصول على اموال من مصادر مستقلة كان عرفات يعرقل تحركاته ومساعيه ولكن بالرغم من ذلك من الصعب الاعتقاد بقدرة مؤسسة فلسطينية مهما كانت منظمة وماهرة على التغلب على الفقر والواقع الصعب في شرقي القدس من دون تغيير سياسة السلطة السيادية على الارض أي دولة اسرائيل. فالتغيير يجب ان يأتي من جانبها وهذاما تقوله البلدية ايضاً.

عميرة هاس
مراسلة صحيفة هاآرتس للشؤون الفلسطينية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved