Thursday 9th January,2003 11060العدد الخميس 6 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كالوس كالوس
زكام مسرحي
أثير السادة

فيما كان جيل من المسرحيين الكويتيين يطفىء قناديله ويغادر مواقعه طلبا للسكينة واعترافا بتبدلات الزمن وتقادم العمر، تصدرت العملية المسرحية وجوه شابة امتصت جزءا من خبراتها عبر صفوف المعهد العالي، واحتكاكها برموز التجربة السابقة، وراحت تنتخب نموذجها المسرحي بالاستناد الى وعيها الجديد الذي تفتح على ثقافة ما بعد الحرب الباردة وأنماط الاستهلاك التي تزامنت مع تسيد النزعة الرأسمالية كونيا بجنوحها الفاضح ناحية تعميم شروط السوق ومنحنيات العرض والطلب.
تمثلت تلك الوجوه وعي السوق الذي أخرج المسرح من دائرة الالتزام وأخضعه لاشتراطات العرض والطلب وأشكال التسليع الثقافي لتصبح العملية الابداعية مستوية على خط المعادلة الانتاجية الجديدة بشكل يحيل قانون السوق الى شرط جوهراني تتشكل وفقه كل النزعات الفنية.
وبمثل ما استحضرت التجربة الأولى الوعي الطليماتي كموجه لحساسيتها الفنية، انحازت تجربة طارق العلي وعبدالعزيز المسلم وداوود حسين وسواهم الى اغراءات المسرح المصري باستعارة وجهه التجاري فيما كان يعرف بالمسرح التجاري والمرصود في الغالب لسياح الخليج، فكانت العدوى على نحو ما وصفها الفريد فرج يوما ما:«إذا عطس المسرح في مصر، أصيبت المسارح العربية بالزكام».
بدت أعراض هذا الزكام المسرحي ان جاز القول تظهر على اتجاهات التجربة، مع تصاعد اغراءات الاحتراف وتراجع مساحة الهم الثقافي، لتفرخ نمط المسرح الاستهلاكي بمقاييس الشارع الذي تعرض لصدمة روحية لم يفق منها على ما يبدو، حيث مررت مجموعة العلي تحت دعوى «الجمهور عاوز كدا» نتاجات مسرحية مهترئة البناء، تتمسح بالضحك لأجل تحصيل شرط وجودها.
تقليد نماذج الفيديو كليب، الضحك على الأحجام المتباينة واللهجات، والالماحات الجنسية.. كلها تقليعات مسرحية استقرت في رحم التجربة الكويتية ليصبح الهامش المسرحي ملتبساً بتداعيات مشهد الحياة، مشدوداً الى تعرجات الوعي المحلي الذي غادر هو الآخر نقطة التوازن.
وكان طارق العلي.. هذا البطل الذي يتمثل دور الفارس والمخلص للمسرح الكويتي عند البعض.. قد أعاد انتاج مقولة النجم الفرد الذي تفصل على قوامه تفاصيل العرض، بالنحو الذي يختزل فيه حضور الآخرين كاكسسوارات مكملة لهذه الشخصية التي تمارس كامل فحولتها المسرحية على امتداد الخشبة، لأجل ان يدفع بطاقته - التي يظن البعض أنها مبعث للحسد - الى أقصاها، طاقة الاضحاك وليس طاقة الخلق المسرحي، بأكبر قدر من الخطابية والثرثرة التي يجيدها باتقان.
سقط كل الزاد الأكاديمي بسقوط الاحساس بفرادة المسرح، وانصرافه الى ما يشبه التهريج، أو لعله ذلك، وامتثاله الى ايقاع السوق والزمن الرديء بدلا من الاصغاء لارهاصات الحداثة المسرحية، ففرق بين صرخات آرتو وبروك التي جهدت لاعادة المسرح الى الحياة، وبين نوايا العلي ورفاقه التي أجهزت على كل القيم المتعالية للفن المسرحي.

www.masrahi.net

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved