Friday 10th January,2003 11061العدد الجمعة 7 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أحمد بن علي آل مبارك ..رجل موسوعي وعطاء لا ينضب أحمد بن علي آل مبارك ..رجل موسوعي وعطاء لا ينضب
عبدالله بن علي الخضير

كانت الأحساء في القرن الماضي منارة من منارات العلم، وقبلة لطلبة العلم، حيث كان يؤمها طلبة العلم من الخليج ومناطق عديدة، وبرز علماء أفذاذ وخلّفوا ثروة علمية كبيرة كما تعرف الأحساء بالأسر العلمية كأسرة آل ملا، وآل دوغان، وآل عمير، وآل عبدالقادر، وآل مبارك.
وعندما نتأمل التاريخ الثقافي للأحساء نجد فيه العديد من التجارب النهضوية التي قام أصحابها المؤثرون في دفع عجلة التقدم الفكري والثقافي بالتحرك من أجل المساهمة في رفع المسيرة الثقافية والعلمية في المنطقة، ولقد أوجد هؤلاء الرجال العظام حركة تجديدية في جميع العلوم ومنها الشعر والأدب.
ومن هؤلاء الرجال الذين عاشوا ثقافة الأحساء لمدة ثمانين سنة تقريباً الشيخ أحمد بن علي آل مبارك - مَتّعهُ الله بالصحة وطول العمر- المولود سنة 1337هـ. هذا الرمز الثقافي تربى ونشأ في أسرة علمية هيأت له كل وسائل تلقي العلم وطلبه، بل الأسرة نفسها كان فيها العلماء والأدباء والشعراء، فكانت انطلاقة الشيخ الأديب أحمد بالقرآن، فمنذ صغره تعلم القرآن وقرأه وختمه ثم اختلف الى مجالس العلماء ومساجدهم ومدارسهم وتلقى العلوم بأنواعها على أيدي العلماء آنذاك.
وكانت النقلة الكبيرة في حياة الشيخ أحمد هي رحلته العلمية وسفره الى العراق لطلب العلم والتحصيل والاستزادة من المعرفة وكان عمره خمس عشرة سنة، ثم ذهابه الى مصر ليدرس في الازهر الشريف عام 1356هـ.
وأنا أقول وبلا مبالغة: إن الشيخ أحمد وعاء ثقافي متحرك ويُعد بحق أسطورة علمية وأدبية وثقافية وذلك من خلال تلك الرحلة الموسومة.. برحلة الأمل والألم والتي تنشر الآن في المجلة العربية- فمن يقرأ تلك السيرة الذاتية العلمية والمذكرات الأدبية للشيخ أحمد يجد بأن حياته كانت مليئة بالجد والاجتهاد في طلب العلم، وحبه الشديد للأدب العربي، والواقع ان الشيخ كان مقبلاً على التزود بالمعرفة، حريصاً على الاطلاع المستمر على كل جديد.
ولقد كانت إطلالة الشيخ أحمد على الحياة مختلفة الاتجاهات مع حرصه على مشاركة الأدباء والمفكرين في أنشطتهم المختلفة.
وحياة الأديب آل مبارك حافلة بالعطاء الثقافي، والتنوع الفكري فيما بين المحاضرات والأمسيات الشعرية، وحفلات التكريم للمبدعين والأدباء.
- وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسامُ
يقول الأستاذ رجاء النقاش في كتابه (فلاسفة وفنانون): «لا شك ان حياة الإنسان في هذه الدنيا هي معركة متصلة منذ البداية الى النهاية، وقد تكون هذه المعركة بسيطة وهادئة عند الذين منحهم الحظ ما يحتاجون اليه من مال ونجاح ميسور ولكن معركة الحياة تصبح عسيرة عند الذين يؤمنون بأهداف كبيرة ويريدون أن يكون لوجودهم في الدنيا أثر وقيمة» أ.هـ.
فالشيخ أحمد في وجهة نظري اختار الطريق الصعب لهذه الحياة العلمية لأن قلبه مشتعل بالعاطفة وعقله مليءٌ بالأفكار الجديدة المتوثبة، وهو صاحب موهبة ذكية نبيلة، ويسعى للكفاح من أجل بلوغ غايته العلمية.
- لا تحسب المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَبِرا
ولذلك يُعدُّ الشيخ أحمد آل مبارك من ثرواتنا الأدبية العلمية، وهو رمز نعتزُّ به ورائد نُقدّر له دوره في الإسهام لدفع مسيرة النهضة الأدبية في بلادنا الحبيبة وحرصه على التراث وأصالته وهذا ليس بغريب عليه فهو الدبلوماسي التربوي الأديب وهو رجل موسوعي وعطاؤه لا ينضب.
إن حياة الشيخ أحمد سيرة مضيئة في تاريخنا يجب ان نقدرها ونعتز بها ونعدها بأنها واقعية لأن التجارب والمعاناة التي لاقاها في أثناء تحصيله وتلقّيه العلم هي أكبر دليل على اتقاد أفكاره وتوثب روحه وتطلعه الدائم نحو النجاح.واسمحوا لي ان أحدثكم عن بعض صفات الشيخ وذلك من خلال مجالستي له وتحاوري معه في قضايا أدبية وفكرية فأقول:
جالسته فاحتضنت فيه أبوّةً حانية
حاورته فكان نهراً يتدفق من العلم والأدب
إنه أحد الروّاد البارزين ومن حمل مشعل التنوير الأصيل وتأتي هذه الكتابة بمناسبة اختيار الشيخ أحمد بن علي آل مبارك الشخصية الأدبية المختارة لتكريمها بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة الثامن عشر المقام بالرياض لعام 1423هـ، وتقليده وسام الملك عبدالعزيز.
فالشيخ أحمد كان أباً روحيّاً للشباب وموجهاًً لهم، فله بصمات كبرى على كثير من المبدعين الشعراء والكُتاب والقُصاص سواءً في الأحساء او خارجها.
فهو رجل اجتماعي له صداقات وأصدقاء وأنه يألفُ ويُؤلَف
ومن طبعه أنه إذا ما سُئل او نُوقش كان كالنهر الجاري عطاءً، وكالنخل الباسق أثماراً.
فكم من شاعرٍ ودارس وباحث وأديب وأكاديمي يرتادون مجلسه العامر سواءً «في أحديته المباركية» وهو المنتدي الأدبي الذي أسسه، أو في أي وقت يحبون ان يسمعوا فيه أحاديثه وأخباره لينهلوا من بحر علمه وفيض ثقافته وأدبه.
فالثقافة عريقة مستمدة من التراث والأدب الأصيل والأخبار والسير العطرة، واني لأعجب من الشيخ أحمد - متعه الله بالصحة والعافية- حين تقبل عليه وتراه لا ينقطع عن القراءة والاطلاع والبحث رغم تقدّم سِنّه- وهذا فضل من الله ونعمة.
وفي إحدى زياراتي للشيخ أطلعني على مسوّدة «مخطوطة» رسائله، واختار لي أن أقرأ عليه «رسالته لوالده» التي أرسلها اليه وكان عمره سبع عشرة سنة فما كدتُ انتهي من قراءتها إلا وطلبت منه إعادتها مرة أخرى، فلقد حوت أسلوباً بديعاً، وفكراً نيِّراً، وشعراً رصيناً، ولفظاً جميلاً، وخيالاً واسعاً. كانت ألفاظ تلك الرسالة منطلقة من قلب الابن المشتاق الى عيون الأب الأكثر اشتياقاً وأخيراً يُكرّم ابو مازن فنكرّم معه، ونُكرّم به، وتُكرّم من خلاله قيم الوطنية والصدق والنبل والحب والعلم والكرم والمثل العالية.وإنه لأسعدني خبر تكريمه لأن فيه تكريماً وتقديراً لرائد من روّاد النهضة الأدبية بالمملكة العربية السعودية، وأديب من أدباء هذا الوطن المعطاء.
وهو من الذين ناضلوا في بداية حياتهم الى وقتنا الحاضر من أجل العلم والفكر والكرامة والوطنية.
يقول متنبي الأحساء الأستاذ الشاعر: يوسف أبو سعد -رحمه الله- في قصيدته «صدى المشاعر» والتي كانت في مدح الشيخ أحمد بن علي آل مبارك:


بدرٌ زها في سماء المجد عنوانا
يهدي فؤاداً لروض العلم صديانا
له يدٌ في روابي العلم قد هطلت
لتجعل الفعل قبل القول برهانا
جادت به رحم الأحساء في زمنٍ
يدعى به الصفر إبريزاً وعقيانا
أولى الرجال بمدحٍ خادمٌ وطناً
صدقاً وكاسي الورى بالعلم إحسانا

إلى أن قال:


يا أحمد الخير قد طابت مغارسكم
فغردت صادحات الأيك ألحانا
وأشرقت في رباكم شمس بهجتنا
تضفي عليكم بُرود المدح ألوانا
لك التحيات أجلوها معطرةً
- في ليل عرسك- أنفاساً وأردانا

كاتب وباحث من الأحساء

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved