Sunday 12th January,2003 11063العدد الأحد 9 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

غازي القصيبي لـ « واجهة ومواجهة » 1 - 2 غازي القصيبي لـ « واجهة ومواجهة » 1 - 2
انتهت فترة« اطلبْ تجد »....
سأقول الحقيقة خلال عامين..
أزمة المياه خطرة.. والمواجهة في «الشموليَّة»

  إعداد وحوار: إبراهيم بن عبدالرحمن التركي
متابعة: علي بن سعد القحطاني - تصوير - فتحي كالي
(1)
أما الواجهة
** «فجمعٌ» يسكنه «مفرد»...
أو «فردٌ»../ «صوتٌ» متعدد..!
«صورتُه» مرآةٌ تحكي
أطياف «اللونِ» المتمرد..!
إبداعٌ يرسمُ «إيقاعاً»
يحملُه «الحُلمُ»... إلى «الفرقد»..!
***
** وأما المواجهة...
فقولٌ يُمثِّل معنى «السؤالْ»..!
ورأيٌ يُجاوزُ تيه «الخيالْ»..!
فهذا يَهُمُّ..
وذاك يُهِمُّ
وبينهما«رجُلٌ»... بل «رجال» ..!
***
(2)
** كان السؤال الأول؟
«كيف» تجيءُ «المواجهة»
أو: «مع مَنْ» هذه المواجهة..؟
أمع «الشاعر» أم «الناثر»؟
«السفير».. أم «الوزير»؟
المنطلق في «فضاءِ» «الكلمة»
أم المثقل «بخطوطِ» البيروقراطيَّة؟
«فُؤاد».. في خطواتِ «الوجود»..
أم «البروفسور» في عالمه «المفقود»..؟!
وإلى تاريخه...
فلم تحضر «الإجابة»..؟
ولم يقف « السؤال»....!
***
(3)
** «متواضعٌ» لدرجة «المجاملة»..
و«صارمٌ» لحدِّ «العنف»..!
«سهلٌ».. «صعب»..
«هادىء... صاخب»..
«منعزل.. مثير»..!
يدركُ أن الزمن يتغيَّر...!
والأحلام تتبخَّر..!
وما علا بالأمس
علاه «الرمس»..
وما أسعد «الماضي»
قد يُشقي «الغد»
***
(4)
** احتفل الناس «بالكهرباء» معه..!
و«بالصناعة» معه..
و«بالمستشفيات» معه..
و«بالمياه» معه...
كانت قبله... وظَلَّت (وتظلُّ) بعده..!
ورأوه.. قبلها.. ويرونه ويريدونه معها.. كما بعدها..!
***
(5)
معالي
«الوزراء»
«السفراء»
الشاعر، الكاتب، الروائي،المفكر
الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي
في الواجهة.. ومع المواجهة..
العملية الإدارية تراكميَّة.. التاريخ لا يبدأ بي
تناقض
* دكتور غازي: بعد تعيينك وزيراً للمياه، وقف الناس موقفين متناقضين، هناك من راهن على النجاح دون تأمل في العقبات، وهناك من راهن على الفشل دون استحضار لنجاحات غازي السابقة فأين تقف أنت؟
في الحقيقة لا أعتقد أنني اتخذت أي قرار في حياتي خصوصاً فيما يتعلق بمسؤولية عملية وفي ذهني سؤال: هل أنجح أم لا أنجح؟ وأعتقد أنني لو فكرت في شيء من هذا لأحجمت عن أعمال كثيرة جداً.. يا «إبراهيم».. ليس مطلوباً من الإنسان النجاح بأي معيار من المعايير. المطلوب من الإنسان أن يبذل أقصى جهده، وأحياناً ينجح وأحياناً يفشل. الأشياء التي عملتها في حياتي كان فيها كثير من النجاح، وكان فيها كثير من الفشل، ولذلك أنا أنظر للموضوع على أنه تحد وهو تحد على مستوى الوطن، وليس تحدياً شخصيا، فأزمة المياه أزمة خطرة جداً في كل دول العالم الثالث، وعندما طُلب مني أن أتولَّى هذا العمل لم يكن في ذهني تساؤل: هل هذا سيؤدي إلى فشلي أم نجاحي، وأعتقد أن الإنسان الذي يغريه النجاح ويرهب من الفشل سوف يكون مشلولاً.
استحضار
* انطلاقاً من هذا يا دكتور، وأنه ليس هناك خوف من الفشل أو على الأقل ليس هناك توقع لما يمكن أن يتم ومن خلال الفترة البسيطة التي أمضيتها والتحديات التي تراها أمامك؟ ألم يتغير شيء في نظرك أو موقفك، وهل تستحضر تجاربك السابقة في الوزارة؟
أولاً يجب أن نعرف أن التاريخ لا يكرر نفسه أبداً، نعم قد تتكرر بعض الأحداث، ولكن الإنسان لا يستنسخ نفسه، فليس في ذهني أي حلم عن إعادة تجربة وزارة الصناعة والكهرباء، أو وزارة الصحة لأن الظروف تغيرت.
موارد
* كيف؟
الفترة التي تولَّيت فيها الوزارتين أنا أسميها بالنسبة للوزراء : «أطلب تجد»، كانت الموارد المالية متاحة، وكان الوزير الناجح هو الذي يفكر في معونات جديدة، ووجوه إنفاق جديدة، وكانتْ عندنا احتياطيات كبيرة مستثمرة في الخارج، فلم تكن هناك عقبة مادية، الآن هذا الواقع تغير تغيراً جذرياً فيجب على كل مسؤول أن يفكر في أفكار جديدة، ويفكر في اسلوب لم يكن موجوداً من قبل. لم تعد لدينا نظرية «إذا واجهتك مشكلة اقذفها برزمة من النقود»، وأين رزم النقود الآن؟ يجب أن نفكر في طرق لم نكن نفكر فيها: تخصيص مثلاً، رفع أسعار الخدمات، الترشيد بشكل منهجي علمي، التعامل مع المشكلة من أبعاد غير البعد المالي، أي أن الفترة التي نحن فيها تتطلب أنماطاً جديدة من التفكير تختلف كلياً عن الأنماط القديمة. هل أنا قادر في هذه السن على أن أتبنى أفكاراً مختلفة وأسلوباً مختلفاً في الإدارة؟ هذا شيء ستثبته الأيام، إلا أن مسؤوليتي كما ذكرت لك أن أبذل أقصى جهدي.
أزمة
* لكن.. لا شك أن لديك رؤية للمرحلة القادمة، ومنها ما تحدثت عنه سابقاً حول «استراتيجية» أو «خطة وطنية شاملة للمياه».
قبل أن أتحدث عن هذا يجب أن نعرف أن موضوع المياه أصبح بالفعل أزمة خطرة، وينطبق على العالم الثالث، وينطبق على العالم العربي بصفة خاصة. العالم العربي في مجموعه عبارة عن صحراء والمملكة ليست الصحراء الوحيدة، هناك تقديرات مرعبة عبر «الإحصائيات» في العالم العربي فيما يتعلق بالمياه. كل ما يسري على المياه لدينا ينطبق على العالم العربي وينطبق على العالم الثالث، مثلاً: ندرة المياه، تلوثها مشكلات الصرف الصحي، المشكلات البيئية، المشكلات الصحية التي قد تنجم عن الكوارث، فالمشكلة ليست عادية أو بسيطة وإنما هي أزمة بل أزمة مستحكمة وذات وجوه كبيرة.
مقابلة
* بشكل عام كيف تتوقع مواجهتها أو مقابلتها؟
عندما تقابل مشكلة من هذا النوع فأنت تقابلها بسياسات متعددة، لا تستطيع أن تقول: سوف أبني مستشفيات أو أعمل محطات كهرباء، كما في وزارة الصناعة أو وزارة الصحة. يجب أن تكون عدتك في مواجهة المشكلة متعددة، جزء منها يتمثل في الحصول على قاعدة معلوماتية دقيقة نحن نفتقر إليها الآن وبدونها لا يمكن التخطيط، وعندها يمكن أن نجيب عن الأسئلة، وبعدها يجب أن تكون النظرة إلى المياه نظرة شمولية، يعني المياه عبارة عن ظاهرة واحدة منذ خروجها من البئر أو نزولها من السماء أو تحليتها إلى أن تنتهي في الصرف الصحي، والتعامل معها ينبغي أن يكون بكل أبعادها، ولا نستطيع أن نتعامل معها بصورة مجزأة فجهة تتولى التحلية، وجهة تتولى هذا وجهة تتولى ذاك، وإذا لم تكن هناك نظرة شمولية يستحيل أن نواجه المشكلة.
النظرة الشمولية من ضمنها أن تصبح مياه الصرف الصحي بعد تنقيتها مصدراً جديداً للمياه، ومن ضمنها أن تدخل مشروعات التحلية جزءاً لا يتجزأ من مشروعات التنقيب عن المياه، ومن ضمنها أن يكون الترشيد عنصراً أساسياً فلو نخفض 50% من الاستهلاك كأننا ضاعفنا الإنتاج بهذه البساطة.
شمولية
* إذن.. المطلوب تفكير شمولي؟
صحيح، فالتحدي الذي يواجهني الآن ويواجه الزملاء في الوزارة الجديدة هو أن ننظر إلى الماء نظرة شمولية من ألفها إلى يائها، وأن تكون لدينا خطة يعالج جانب منها البحث عن المياه ويعالج جانب منها التوسعة في تحلية المياه وجانب منها الترشيد، وجانب آخر تنقية المياه وإعادة استخدامها من جديد.
أعتقد أن الوزارة إذا استطاعت أن توجد هذه النظرة الشمولية القائمة على قاعدة علمية ستكون نجحت في التحدي وهذا قد يستغرق بعض الوقت، ولكن إذا كان هذا هو الأساس فسوف نبدأ عهداً جديداً في التعامل مع المياه بأسلوب علمي.
تراكم
* لكن دكتور غازي.. «المياه» كانت جزءاً من وزارة قائمة منذ عقود، ولا أشك أن هناك خطوات سابقة لحل أزمة المياه؟
أكره شيء أن أعتقد أو يصور لي الغرور أو الوهم أن التاريخ يبدأ بي، وأنا أقول وأكرر أن العملية الإدارية عملية تراكمية، ولا أحد يبدأ من الصفر، وإذا اعتقد إنسان أنه يبدأ من الصفر فمعناه أنه نفسه صفر، وكما أشرت في سؤالك فعندنا تجربة طويلة ومتشعبة مع المياه وتعود إلى أيام الملك عبدالعزيز رحمه الله ، وكنت دائما أقول: إن الملك عبدالعزيز نقَّبَ عن المياه قبل تنقيبه عن البترول عبر بعثات أجنبية جاءت إلى المملكة في الثلاثينيات والأربعينيات الميلادية وكانت تبحث عن الماء، فنحن لدينا حصيلة جيدة جداً من التجربة، ولكن الفرق الآن أنه أصبحت هناك جهة واحدة تنظر إلى الموضوع من جميع أبعاده، في الماضي كانت هناك جهة مسؤولة عن التحلية قد تكون معزولة عن بقية الجهات، وكانت هناك «مصالح المياه» المسؤولة عن التوزيع وليست مسؤولة عن الإنتاج، وكانت هناك وزارة الزراعة والمياه التي هي مسؤولة عن إنتاج المياه ولكنها ليست مسؤولة لا عن تسعيرها ولا عن توزيعها، وكانت هناك أيضاً بلديات، يعنى باختصار شديد أربع أو خمس جهات لها علاقة بالمياه.
أما الآن فهناك جهة واحدة مسؤولة عن هذه الأشياء فلا عذر لنا إذا تأخرنا. المواد الخام موجودة، ووزارة الزراعة أجرت وأصدرت الدراسات وبدأت في تنفيذ خطة وطنية للمياه، وأطلس المياه موجود، والترشيد بدأ منذ فترة، كل هذه الأشياء موجودة، الآن نريد أن نجمع هذه الأجزاء المتناثرة والمتفرقة ونضعها على هيئة استراتيجية شاملة متكاملة مبنية على معلومات محدثة لأن بعض المعلومات التي لدينا ليست صحيحة أو مجرد تخمينات أو آراء وهذا سبب كثيراً من الاضطراب في مناقشات المياه، إذا استطعنا أن نحول هذه الآراء إلى حقائق علمية نكون قد بدأنا مرحلة مهمة جداً.
طمأنة
* سؤال يقفز على الترتيب المنطقي لهذا الحوار دكتور غازي ولكنه ملح جداً فهل لديكم معلومات مطمئنة عن مخزون الماء، ومدى كفايتها، فبين ما يشاع أن الماء سينضب خلال أقل من عشرين عاماً؟؟
أنا في هذه المرحلة لا أستطيع أن أقول: إن هناك معلومات مطمئنة ولا إن هناك معلومات مخيفة.
عندي دراسات تقول: إن مخزون المياه الجوفي يمكن أن يستمر أو يستنزف في عشرين سنة وعندي معلومات تقول: إنه يمكن أن يستمر أكثر من ستين أو سبعين سنة، وكلها تقديرات لأناس مختصين، وأنا لا أود أن أرعب القراء وفي الوقت نفسه لا أريد أن أعطيهم آمالاً وردية وهمية، ولكن أرجو أن نتمكن بإذن الله خلال سنتين أن نجيب عن هذا السؤال إجابة دقيقة فنقول: هذا ما لدينا، وهذا ما استنزف، وهذا ما بقي، وهذه الاحتمالات للوصول إلى موارد جديدة.
أوهام
* الحقائق تزيح الأوهام يا أبا يارا.. أليس كذلك؟
صحيح فكثير مما يطرح في الصحف أو في المجالس أو بين المواطنين مبني على أحلام وردية وأوهام، أنا أريد أن نزيح الأوهام من الصورة نهائياً حتى نتفرغ للحقائق، وإذا أحببت أن نبحث هذه الأوهام واحداً واحداً فأنا مستعد.
استيراد
* تفضل
- مثلاً من ضمن الأشياء التي تقال وتثار دائماً قصة: لماذا لا نستورد المياه؟ نستود المياه من أين؟ من مصر كما ينادي كثيرون، هنا أرجو ألا يغضب مني الأشقاء في مصر فهناك دراسة قرأتها مؤخراً تؤكد أن مصر هي أفقر دولة في العالم في المياه مقارنة بعدد السكان أي أفقر من أي دولة أخرى فكيف نأخذ منها؟
أيضاً الكلام عن مياه السودان ولماذا لا نحضر مياهاً من السودان، الآن بين الدول التي تشكل وادي النيل هناك مشكلات خطرة يمكن أن تنفجر حول توزيع مياه نهر النيل ففي الحبشة مشروعات يخشى تأثيرها على السودان وعلى مصر، وبعض الإخوة يقولون نمد قناة في البحر الأحمر ونحضر مياهاً من السودان هذا غير وارد والكلام نفسه عن «الفرات» و «دجلة» وشط العرب، فسوريا والعراق وتركيا في مشكلة حول توزيع المياه، هذه المشكلة كادت تصل بهم إلى صدام مسلح حشدت فيه قوات وكل ذلك بسبب الخلاف على المياه.
من الذي سيتطوع بإعطائنا المياه وينقلها إلينا بتكلفة رخيصة، إذن هذا من الوهم الذي أرجو من الإخوة المواطنين أن يبعدوه عن أذهانهم عند النقاش لأنه ليس وارداً.
قناة
* طرحت أيضاً فكرة شق قناة بين ساحلي المملكة الشرقي والغربي.. ماذا عنها؟
شق قناة من البحر الأحمر إلى الخليج العربي درسته وزارة الصناعة والكهرباء على أيامي وقدمت فيه دراسة فنية وثبت أنه غير مجد، أولاً لتكلفته الباهظة، ثم إن المياه في الخليج ليست بالعمق المطلوب الذي يحتمل محطات ضغط، يعني الفكرة قد تكون جميلة لكنها ليست واردة، ولن تحل مشكلة المياه، مثلها مثل الأمل في أن الجو يتغير وينزل المطر وهذا أيضاً كلام جميل جداً، ولكنه مع الأسف الشديد غير علمي.
اختراع
* وهم وأزحناه.. ماذا عن الوهم التالي؟
هناك من يقول: اصرفوا على المزيد من البحوث واخترعوا طريقة جديدة في تحلية مياه البحر تكون رخيصة. الواقع ثمة تقنيات تتطور بسرعة، وتقنيات تظل على حالها، يعني مثلاً أنت تعرف الثورة الإلكترونية فالكمبيوتر مثلاً في كل «18 شهراً» تتضاعف طاقته وهذا قانون من قوانين الكمبيوتر، وكل ما يتعلق بالإلكترونيات «الراديو» و«الجوال» و«التلفزيون» و«الإنترنت» شهد تطورات وقفزات هائلة، أما الناحية الميكانيكية فلم تتطور مثل السيارات والطائرات النفاثة التي هي نفسها السيارات والطائرات النفاثة أي أن الأشياء الميكانيكية لم تتطور مع الأسف الشديد، والتحلية من الأشياء التي لم تتطور تقنيتها من نحو 50 سنة وليس من الوارد في المستقبل المنظور أن يحصل اختراع علمي يجعل من تحلية المياه عملية رخيصة التكاليف إنما على المدى البعيد الله أعلم.
أتمنى أن نزيل هذه الأشياء كلها من النقاش حتى لا نتشعب في أوهام ونخرج عن دائرة الحقائق، وإذا استبعدنا هذه الأشياء فإننا نستطيع أن نختلف أو نتناقش أو نتجادل حول حجم المياه الموجودة وهل استنزفت أم لا يعني يصبح بحثنا قائماً على الحقائق بعد التخلص من الأوهام.
جليد
* وحكاية جبل الجليد يا دكتور؟!
لا توجد لدي لا الخلفية العلمية ولا الهندسية ولا الفنية حول جبال الجليد لأستطيع أن أقومها، وهي مسألة تظل بالنسبة لي موضوعاً نظرياً، لكن عندي توجيه بأمر سام من عدة سنوات يقول بصراحة إنه لا يجوز للمملكة أن تعتمد على أي مورد للمياه خارج الحدود، فجميع الأشياء التي تطرح سواء كانت ناجحة أو غير ناجحة يحكمها هذا الأمر، مثلاً هناك ناس يقولون: إن تركيا الآن تصدر مياهاً في بالونات وأنا عندي توجيه وهو توجيه حكيم استراتيجي واقتصادي على أن يظل الاعتماد على موارد المياه من داخل المملكة وليس الاعتماد على المصادر الخارجية.
ناقلات
* وهل ثم بدائل أخرى؟
- نسيت أن أذكر موضوع الناقلات أيضاً، كان يبحث لماذا الناقلات التي تأتي بالبترول لا تحضر معها الماء. هذا الموضوع طرح في السبعينيات عندما كانت تقنية الناقلات مختلفة وكان جزء منها خزانات مياه وجزء منها خزانات بترول حتى تتوازن الناقلة، الآن كل الناقلات الحديثة كما عرفت من المختصين لم يعد فيها مجال لخزن المياه فقد أصبحت تخزن كلها بالبترول وهذا أيضاً حلم من الأحلام الجميلة وهو نقل المياه عن طريق الناقلات دخل التاريخ ثم خرج..!
الصرف
* المعادل الآخر للمياه أي «الصرف الصحي»... الكثيرون ممن ذهبوا إلى بلاد فقيرة بل حتى في مخيمات اللاجئين وجدوا فيها صرفاً صحياً، بينما المملكة إلى الآن تعاني بشدة من قصورها بل فقرها هل لديكم نظرة مختلفة لهذا الموضوع؟
باختصار قلة الموارد المالية لا تكفي للاستثمارات الرأسمالية عموماً وهذا ليس سراً وليس خبراً بل حقيقة يعرفها الجميع، كانت الاستثمارات في مرافق البنية الأساسية عموماً ما عدا تلك التي لها قيمتها الذاتية كالكهرباء والماء، والهاتف فهذه الوحيدة التي ازدهرت لأنها لا تعتمد على إيرادات من الدولة كل هذه المرافق لم تحصل على نصيبها الكافي من الاستثمارات الرأسمالية لأن هذا أساساً هو السبب فيما نشتكي منه في مرافقنا سواء المدارس والمواصلات والجامعات والمياه وهذا هو السبب الأساس، لذلك كما قلت في البداية يجب التفكير في طرق أخرى وهو الحصول على الموارد المالية من خارج الطريق التقليدية وهو اعتمادات وزارة المالية.
تخصيص
* مثل ماذا دكتور غازي؟
- هناك عدة بدائل يفترض لها التخصيص من خلال الإدارة والبناء ثم التسويق عبر نظام « ,Operate and Transfere Build» والذي تقوم فيه الشركة بإنشاء محطة مياه أو محطة صرف صحي تشتري منها الدولة بسعر معين ثم تبيعها للمواطنين.
هذه البدائل الآن هي التي تتجه إليها الدولة ولا مجال لنا إلا قبولها انسجاماً مع الحقائق الاقتصادية.
استثمار
* وهل هذه البدائل مطروحة في الصرف الصحي والمياه؟
نعم هناك الآن بحث بين وزارة المياه ووزارة الزراعة ووزارة المالية وبعض المستثمرين السعوديين حول عملية بناء السدود حيث يقوم المستثمرون ببناء السدود ويتقاضون ما دفعوه على أقساط، وعموماً لا بد من البحث عن وسائل جديدة وطرق جديدة للحصول على الاستثمارات الرأسمالية الكافية.
استنزاف
* طيب أبا يارا في الإطار الآخر أو في إطار الزراعة، كثر الحديث عن مشكلة القمح واستنزافه المياه، الجوفية وانتهى، والآن بدأ الحديث عن «النخيل» من حيث كونها تستهلك كميات كبيرة من المياه هل هذه من الأشياء التي يمكن أن تتدخل فيها وزارة المياه لترشيدها أم أنها مرتبطة بوزارة الزراعة؟
الآن هناك نوع من الإجماع بين المهتمين بالقطاع أستطيع أن أقول
عنه: إنه إجماع وطني، أن تجربتنا مع القمح خرجت عن مداها المرسوم لها وأدت إلى استنزاف كبير وهذا الشيء يجمع عليه الكل سواء في قطاع الزراعة أو في قطاع المياه، وبالفعل بدأ تقليصها من قرابة «ستة ملايين طن» إلى الوضع الحالي وهو «مليونا طن».
هناك أيضاً إجماع على أن بعض المحاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه ووزارة الزراعة مقتنعة بهذا الأمر وبدأت تتجه مثلاً إلى تصنيع الأعلاف بدلاً من زراعة الأعلاف.
خلاف
* إذن الخلاف« المستقبلي» وارد بين الوزارتين؟
أنا لا أريد أن يصور الأمر على أن هناك صراعاً بين وزارة الزراعة ووزارة المياه، أعتقد أن هناك نواحي لا نختلف فيها إطلاقاً، وهي ضرورة الترشيد والبحث عن وسائل جديدة لترشيد المياه، والبحث عن المحاصيل الملائمة، هذه الأشياء تهمني بصفتي مواطناً كما تهم وزير الزراعة، وهناك استثمارات ضخمة في قطاع الزراعة ومشروعات كبيرة ولدينا مواطنون بنوا آمالهم ومخططاتهم على دعم معين، طبعاً لا أستطيع أن ألغي هذا كله، حتى لو استطعت لا أريد، فلا أتصور أن هناك بالضرورة صراعاً «حتمياً»، بل أعتقد أن النظرة في كثير من الأمور تكاد تكون واحدة، وأنا قلت كلاماً استغربه البعض قلت: إن 90% من المياه يستهلك في الزراعة و10% للاستهلاك السكني، وهذه حقيقة تنطبق على جميع دول العالم الثالث فما بين 75% إلى 95% من المياه تستهلك في القطاع الزراعي، بل إنه في الهند أكثر من 95% أو 96% من الماء يذهب للزراعة، وكذا في جميع البلاد العربية فأرجو ألا يسبب ذلك ذعراً لنا.
خوف
* كل هذا.. ولا نخاف يا دكتور؟
عندما قلت: إن المياه 90% منها يذهب للزراعة فإن هذه حقيقة في جميع بلدان العالم الثالث وهي من طبيعة الأمور، فالزراعة تستهلك أكثر من السكن فأرجو ألا يفهم من هذا أنه لكي نوفر ينبغي أن نقضي على قطاع الزراعة أو نوقف ال90% أو نحولها بأكملها إلى الشرب لا أعتقد بأن هذا هو المقصود.
طلبات
* د. غازي، قيل: إنه كانت لك بعض الطلبات عندما كلفت بالوزارة من بينها ربط المصالح بالوزارة وتحويلها إلى فروع لها، ومن بينها أيضاً تعميم عدادات المياه لجميع المواطنين.. هكذا يتحدث الناس؟
الحقائق واضحة من فكرة إنشاء وزارة للمياه إذ نشأت بمبادرة من مجلس الشورى قبل 5 أو 6 سنوات، والمناقشات موجودة والبحث موجود وانتقلت من مجلس الشورى إلى المقام السامي وأحيلت إلى عدة لجان شارك فيها وزير الزراعة والمياه وانتهت إلى تأييد الفكرة، وبعد ذلك كلفت «اللجنة العليا لإعادة التنظيم الإداري» التي يرأسها سمو الأمير سلطان بدراسة الموضوع، وشكلت لجنة فرعية قامت بوضع تشكيل الوزارة كما رأيناه بأن تكون وزارة واحدة وتربط بها مصالح المياه، وتعدُّ فروعاً للوزارة وكذا أعدت خطة عمل الوزارة، كل هذا أقر قبل سنة ونصف من تعييني فعندما أتيت كانت الأشياء هذه كلها جاهزة وموضوع العدادات هذا مشروع بدأ في وزارة الزراعة منذ فترة طويلة وبدأت فيه المصالح من فترة طويلة كذلك، فكما قلت لك: تاريخ المياه لا يبدأ من وزارة المياه.
شروط
* إذن.. أنت لم تشترط شيئاً؟
الإنسان عندما يطلب منه أن يتولى عملاً «وهذا ينطبق على أي عمل» إما أن يقبل، وإما أن يعتذر، أما قصة أشترط كذا، أو أشترط كذا، فلو طلبت من إنسان أن يعمل معي وقال: أشترط عليك لرفضت الشروط وهذا تحدٍ، إما أن تجد نفسك قادراً على المواجهة وإما أن تعتذر وفي الخلاصة لم تكن هناك شروط.
الشهداء
* أيضاً مما يدور في المجالس بين الناس الربط بين قصيدة الشهداء وتركك للسفارة وتعيينك وزيراً للمياه.
البحث المبدئي عن تعييني وزيراً للمياه بدأ قبل أن تنشر القصيدة بأشهر طويلة فكيف يكون هناك ربط بين الاثنين؟، وزارة المياه أنشئت بقرار مجلس الوزراء قبل تعييني بأكثر من سنة ونصف السنة، والقصيدة نشرت في أبريل، وكان هناك بحث معي في موضوع وزارة المياه قبل نشر القصيدة، والصحافة يروق لها وبخاصة الصحافة الغربية أن تنمق الأشياء، طبعاً هي قصة مثيرة، يقال: إن بريطانيا طلبت منه الخروج والمملكة تداركت الموقف بتعيينه وزيراً وهذا بالتأكيد لم يحدث إطلاقاً.
استدعاء
* ما دمنا قد دخلنا في موضوع السفارة وحتى ننهيه يا دكتور سمعنا حديثك مراراً حول أنه لم يكن هناك أي استدعاء لك من وزارة الخارجية البريطانية أو من الحكومة البريطانية لمناقشتك حول القصيدة بخلاف ما تقوله الصحافة.. فما هي الحقيقة..؟
وزارة الخارجية البريطانية ذكرت في تصريح نشرته الصحف أنها تختلف معي حول العمليات الاستشهادية وأنها سوف تبلغني ذلك، هذا الكلام نشر في الصحف.
وأنا كلمت وزير الدولة للشؤون الخارجية وهو صديقي وقلت له: إنني قرأت في الصحف تصريحاً حول أنكم تنوون إبلاغي بشكل رسمي، فقال إن كل ما قلناه لهم: إننا نختلف معك في الرأي، ولكن ليس هناك شيء نبلغك إياه فقلت له: وأنا كذلك أختلف معكم في الرأي، هذا الذي حدث، وبعد هذا كان هناك تصريح مشوه نقلته وكالة «رويترز» ثم اعتذروا عن تشويهه حيث كنت أتحدث عما يدور في الأرض الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقلت: إنه أشد أو أسوأ من الاحتلال النازي لأوروبا،وكنت أتكلم عن الاحتلال ولم أتكلم عن اليهود، ولا عن محرقة اليهود ولا الأشياء الأخرى التي ارتكبتها النازية، لكن نشر الخبر بطريقة توحي أنني أقول: إن إسرائيل عملت الأشياء نفسها التي عملتها النازية وأنا لم أقل هذا.
أساطير
* وماذا تم حول هذا الموضوع؟
أيضاً صدر تصريح من وزارة الخارجية بقولهم: نحن لا نتفق معه في الرأي، أما ما قيل: إنني استدعيت وبعض الصحف قالت وُبِّختُ، وبعض الصحف قالت إنه طلب مني المغادرة، كل هذه أساطير يروج لها «اللوبي الصهيوني» لكي يثبت أن لديه قدرة على أن يفعل ما يريد وعلى إسكات أي صوت وعلى إخماد أي رأي وكما نشر في الصحف فقد حدث العكس، الأمير تشارلز أقام حفلاً «وداعياً» وهذا عمل غير مسبوق مع أي سفير آخر، رئيس الوزراء استقبلني وهذا عمل غير مسبوق مع سفير آخر، فأنا يؤسفني ما قيل، وأنا كنت أريد أن أخرج من لندن خروج الأبطال ولكن في الواقع خرجت من لندن خروجاً عادياً.
الإداري
* أنا لا أزال أتحدث عن «غازي القصيبي الإداري» وفي هذا النهج فلا شك أن كتاب «حياة في الإدارة» مثَّل قيمة كبيرة في الواقع للإداريين الجدد ولكنه مثل صدمة للإداريين القدامى وأنا التقيت مجموعة من الوزراء القدامى دعني أختر نموذجين فقط.
د. سليمان السليم تحدث في حوار معي وقال: إن الدكتور غازي أيام أزمة الاسمنت استعان بالنجدة وأتى بالشرطة لحل هذه المشكلة !هل يمكن أن تدار الأمور بهذا الشكل « يادكتور »؟
وهذا «المثل» يشار فيه إلى شدة وصرامة الدكتور غازي بعكس ما يتبادر للآخرين عندما يقرأونه شاعراً أو روائياً أو حتى متحدثاً؟
هذه قصص قديمة تطرقت إليها في كتاب «حياة في الإدارة»، كانت هناك صيانة دورية لمصنع الأسمنت وكان واضحاً أن الصيانة تستغرق أسبوعين أو ثلاثة، وواضح أن توقف الإنتاج مؤقت، ولم تكن في البلد أزمة، أسمنت بل أزمة مصطنعة، وعندما استغل بعض التجار الموضوع ورفعوا الأسعار بشكل غير معقول كان لا بد من عمل رمزي لإعلامهم أن الدولة لن تسمح بهذا الاستغلال.
وكل ما عملته أنني أخذت سيارة نجدة، كان قد صدر قرار بتسعيرة درستها وزارة التجارة وفجأة ارتفع السعرمن 15 ريالاً إلى 40 ريالاً، وكان المواطنون يبنون بيوتاً ومن غير المعقول أن يكون سعر كيس الأسمنت 40 ريالاً مع أن الأسمنت متوفر فصدر قرار من مجلس الوزراء أن يكون السعر 20 ريالا فمشيت مع السائق لأول محل وسألناه بكم تبيعون الأسمنت قال ب45 ريالاً قلت له: صدر قرار من مجلس الوزراء بتحديد السعر ب20 ريالاً ثم ذهبت إلى المحل الثاني قال: نبيعه ب40 قلت له: صدر قرار مجلس الوزراء ب20 ريالاً، وذهبت إلى المحل الثالث قال: نبيعه ب20 ريالاً والمحل الرابع قال نبيعه ب20 ريالاً قلت {كّفّى پلَّهٍ پًمٍؤًمٌنٌينّ پًقٌتّالّ} رجعنا وانتهت المشكلة حيث لم تكن هناك مشكلة أساساً، الأسمنت متوفر لكن بالتأكيد هذه العملية منعت محاولة للربح السريع غير المشروع على حساب المواطن هل كانتْ هناك طريقة أفضل من هذه. قد يكون، يمكن لو ذهبتُ لهم وقلت: الله يرحم والديكم ارحموا المواطن! قد ينفع هذا لكن أنا أعتقد عموماً في المسلك البشري، الردع يمثل جانباً مهماً من أجل بث السلوك المأمول، فأنت لا تستطيع أن تضع مع كل مواطن شرطياً كما لا تستطيع أن تحاكم كل مواطن أخطأ، عندما يخطئ إنسان ويعرف الآخر أن إجراء اتخذ سوف يكون لذلك أثر كبير جداً، قد يختلف الناس معي في هذه النظرة إنما أنا أعتقد أن هذه هي الطبيعة البشرية.
تشهير
* هل ستلجأ إلى هذه الطريقة في وزارة المياه؟
بالتأكيد، أنا أعطيك مثلاً حياً معاصراً، فوزارة الزراعة والمياه من فترة تغرم الذين يعبثون بالمياه والذين لا يتقيدون بشروط الحفر أو الذين يلوثون الآبار وتُحصّل منهم غرامات لكنها لم تكن تنشر ذلك، أنا الآن نشرتها في رمضان، وتم نشر دفعة ثانية في الأيام الماضية، أنا لم أخترع هذه الشيء ولكن إذا كان المواطن لا يعرف أن هناك عقوبة وأن هناك أنظمة تعاقب على العبث بالمياه حتى الذين يحفرون الآبار قد لا يعرفون أن هناك عقوبات، لماذا لا تنشر لإيضاح حدود الصحيح من الخاطئ؟ الناس يقولون: هذا تشهير، أنا لم أذكر اسم إنسان في حياتي إذاً التشهير غير وارد أو يقولون إنه أسلوب شديد، أنا أعتقد العكس: يجب أن يعرف كل مواطن أن المسؤولين ساهرون على حماية حقوقه، ويجب أن يعرف كل إنسان في الدولة أن هناك تشريعات تحمي المياه وهناك تطبيق لها، إنما كيف يعرف المواطن ذلك؟ هل كنت تعرف ذلك يا إبراهيم؟ أنت لم تكن تعرف، أنا لم أكن أعرف، لذلك عندما وقعت القرار قلت لهم أعتقد أنه من المناسب أن ينشر، قد يختلف البعض معي في هذا الأسلوب ولكني أعتقد أنه أسلوب فعال في التعامل مع المشكلات.
الميدان
* النقطة هذه تقودنا إلى عملية الإدارة الميدانية يعني أنت كان بإمكانك أن تستعين بأحد يقوم بهذه المهمة حول الاسمنت، في وزارة الكهرباء أيضاً كنت تزور القرى والهجر، وفي وزارة الصحة أيضاً كنت تزور المستشفيات، أي أن الإدارة الميدانية تمثل شيئاً مهماً لك لا أن يكتفي الوزير بالجلوس في مكتبه، وأنا أذكر لك محاضرة في معهد الإدارة استشهدت فيها بحكاية عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز وأحد ولاته حول أمر شبَّهه بذبح شاة والتردد في ماهيتها ونوعها ولونها على طريقة {إنَّ اللهّ يّأًمٍرٍكٍمً أّّن تّذًبّحٍوا بّقّرّةْ}
فهل الإدارة الميدانية الآن لا تزال قابلة للتطبيق؟
نعم وبالتأكيد، وأنا أعطيك مثلاً بسيطاً جداً عندما عينت في المياه كنت أقرأ مصطلح «متر مكعب» من المياه ولا أتصور ما هو «المتر المكعب» فقلت للإخوة في مؤسسة التحلية: من فضلكم احضروا لي «متراً معكباً» من المياه حتى أعرف ما هو المتر المكعب لأنني ببساطة لا أعرف ماهيته.. وهكذا فعندما يقال: إن هناك مشكلة مجار أو مشكلة طفح فإن التقرير قد يكون حقيقياً لكن الوقوف المباشر يعطيك فكرة أصدق من التقرير.
صلاحية
* وهل يصلح هذا النمط من الإدارة.. أو يمكن تطبيقه دائماً؟
ليس في كل المجالات، وفي مجال المياه مثلاً لا تستفيد شيئاً من وقوفك على بئر أو وقوفك على محطة التحلية ولكن الجولات الميدانية ترفع معنويات العاملين عندما يرون أن المسؤول الأول معهم، وحينما تقف على معاناة الناس على الطبيعة كما يرونها فأنا أتصور أن الزيارات والإدارة في الميدان عمل أساسي وضروري في كل زمان وفي كل مكان.
توثيق
* سأعود إلى وزير آخر له رأي في كتابك وهو الدكتور محمد الملحم.. وفي الحقيقة لم أستطع أن أستنطقه ولكنه قال فقط: «من قال لك إن كتاب غازي القصيبي كتاب موثق»؟
حاولت أن أعرف منه شيئاً أكثر ولكني لم أستطع؟
رأيت المقابلة وطبعاً الذي يقصده الدكتور محمد الملحم وهو صديق عزيز وكلامه صحيح أنه لا توجد في الكتاب وثيقة واحدة بمعنى أنه كان يمكن أن أضع 500 صفحة أخرى فيها قرار تعييني وزيراً وقرارات مختلفة في الصناعة والكهرباء والصحة.. وغيرها فبهذا المعنى رأيه صحيح فكتابي ليس كتاباً وثائقياً ولم أزعم ولم أحاول أن أجعله كتاباً وثائقياً، وعندما قرأت هذا اللقاء وأشخاص كثيرون اتصلوا بي قلت هذا صحيح، كلامه صحيح، هذا ليس كتاباً موثقاً بالفعل، أنا ليست عندي مشكلة مع رأيه.
قصد
* طبعاً هو لا يقصد ذلك بل يشير إلى «الدقة» و«الصحة» و«الحقائق»؟
أن يقول أحد: إن كتاب حياة في الإدارة ليس كتاباً موثقاً أقول له: بكل تأكيد، ولكن هناك فرق أن تقول: إن هذه المعلومة صادقة أو هذه المعلومة موثقة، مثلاً الآن أنت تعرف يا إبراهيم أني وزير المياه، صحيح أم لا؟
* صحيح.
هل رأيت الأمر الملكي بتعييني؟
* لا.
اذن عندما أقول: إنني عينت وزيراً فأنا أعطي معلومة صادقة ولكن لا أعطي معلومة موثقة، كثير من الأشياء على هذا النحو، لا توجد علاقة بين الصدق والتوثيق يعني قد تكون الوثيقة مزورة وكاذبة وقد يكون الكلام صادقاً بلا وثيقة. وما جاء في الكتاب في مجمله حقيقة ولم يكذبني أحد في أي جزئية.
نقلة
* انتقلت من السياسة أكاديميا متخصصاً إلى السكة الحديد وأشرت في قصيدة قديمة أذكر منها:
إن السياسة فاعلمن
في كل ميدان تفيد..
واليوم من السياسة «أيضاً» إلى الماء، وثم نقطة تتعلق بالعمل السياسي أو الدبلوماسي فهو عمل يحتاج إلى شيء من المجاملة والعمل الإداري يحتاج إلى شيء من المكاشفة والشفافية والصراحة.
هنا تناقض كيف ترى ذلك؟
التناقض مصدره نظرة خاطئة للعمل الدبلوماسي، أنا دائماً أقول: إن الدبلوماسية تستخدم بعدة مفاهيم ودائماً في الاستعمال اليومي أو الاستعمال الدارج : الدبلوماسية تعني المجاملة وقد تعني الكذب، فالإنسان عندما يتهرب من السؤال يقال هذه إجابة دبلوماسية أو أنت دبلوماسي في إجابتك.
وأنا في رأيي أن هذا التعريف خاطئ للدبلوسية، والدبلوماسية الحقيقية، والدبلوماسية الناجحة هي التي تنقل الحقائق بكل صدق، أنا كنت أقول وما زلت أقول: لا يوجد ما هو أخطر من الدبلوماسي الكذاب أو الدبلوماسي غير الأمين أو الدبلوماسي غير النزيه وكنت أقول: إن السفير بالذات هو عبارة عن مرآة انسانية ويجب أن يكون مرآة يعكس موقف الدولة التي أرسلته للدولة التي استقبلته بكل صراحة بكل وضوح، بخيرها وشرها، وأيضاً يعكس موقف الدولة التي هو فيها إلى الدولة التي أرسلته بنفس الوضوح، إذا قامت مشكلة بين البلدين وطلب مني إبلاغ رسالة إذا نقَّحتُها أو خففت منها أو غيرت فيها سأكون خائناً للأمانة وبالعكس أضر بالعلاقات، الدبلوماسي بقدر ما يكون صادقاً يكون ناجحاً، أما التناقض بين الدبلوماسية والشعر والتناقض بين الدبلوماسية والإدارة فمبني على مفهوم خاطئ أو تعريف خاطئ للدبلوماسية، بالعكس العمل الدبلوماسي قد يضطرك إلى أن تكون عنيفاً وأن تكون مواجهاً وأن تكون هجومياً، قد تتطلب منك مصلحة وطنك أن تتخذ مواقف حادة يجب أن تتخذها. لا يمكن أن تكون هناك أزمة بين البلدين وأذهب وأقول: أطمئنكم كل شيء على ما يرام، لو فعلت هذا لعقّدت العلاقة بين البلدين.
ارتباط
* النقطة الأخرى يا دكتور غازي هي عملية الربط بين «الكهرباء والماء» كما هو موجود في بعض الدول هل لديكم شيء من التوجه في هذا الإطار؟
في الواقع أن الذي حصل في كثير من الدول حول موضوع المياه والجهة التي تتولى الإشراف عليها له علاقة بظروف وملابسات تاريخية في كل بلد فليس هناك وصفة عالمية لموضوع المياه، في بعض البلاد العربية «المياه والري»، في بعض البلاد العربية الارتباط بين الري والزراعة، في بعض البلاد تفصل الزراعة عن المياه، وفي الخليج لأن الجزء الأكبر من الكهرباء يولد في محطات التحلية كما في الكويت وفي الإمارات أصبح من المنطقي وجود جهة واحدة مسؤولة عن الكهرباء وعن المياه أما في المملكة فلم نبدأ بهذا الشكل.
* كيف؟
- المياه كانت جزءاً من مديرية الزراعة، ثم أصبحت جزءاً من وزارة الزراعة عام 1965م حيث تحول اسم وزارة الزراعة إلى وزارة الزراعة والمياه وإلى الآن فإن التحلية لا توفر إلا 50% من احتياجات مياه الشرب والاستخدام السكني، ومن ثم فلا يوجد مبرر منطقي للربط بين الماء والكهرباء، والآبار الجوفية ليس لها علاقة بالكهرباء، الآبار السطحية ليس لها علاقة، فالمنطق الذي يجعل من وزارة الكهرباء والماء في الخليج شيئاً ضرورياً لا يوجد عندنا، حتى الإخوان الذين كتبوا يطالبون بهذا أرسلت لهم رسائل شخصية وقلت لهم ليس هناك أي أساس منطقي للربط في الوقت الحاضر، قد يكون في المستقبل إذا أصبحت الكمية الكبرى من الكهرباء ومن الماء تأتي من التحلية فيمكن إعادة النظر لكن حالياً توليد الكهرباء ليس مرتبطاً بالتحلية، جزء منه مرتبط لكن الجزء الأكبر والشريحة الكبرى من الإنتاج الكهربائي لا علاقة لها بالمياه.
تعرفة
* سؤال ملح آخر يتداوله الناس حول تعرفة المياه وزيادتها قريباً.. هل قررتم شيئاً؟
أول ما عينت وجدت دراسات جديدة حول «التعرفة» وضرورة زيادتها، وحين أحيلت لي هذه الدراسات المتعلقة بالتعرفة الجديدة كان من رأيي - مع احترامي للجهود التي بذلت فيها - أنه ما دمنا بصدد وضع خطة وطنية شاملة تتطرق إلى مختلف نواحي المياه فأن الوقت الحاضر ليس الأنسب لوضع تعرفة، لابد أن ننتظر حتى تتكون لدينا صورة أوضح ومعلومات إحصائية أدق وفكرة أكثر عن التكلفة، وعندما تتوافر لدينا هذه الأشياء نتوجه للمواطن بالمعلومات وبالحقائق وأعتقد: إذا تطلب الأمر رفع التلكفة ورفع الشرائح سوف يتقبلها المواطن لكن لا أستطيع أن أقول لأن هناك وزارة جديدة أو لأن هناك حاجة للمال سأرفع التعرفة، أعتقد أن هذه نظرة خاطئة.
تغيير
* متى تتوقع تكامل هذه المعلومات؟
أحاول جهدى أن تكون نظرتي علمية، وأن نعرف الاستثمارات المطلوبة، وما هو الجزء الذي يمكن أن تقوم به الحكومة وما يشارك فيه القطاع الخاص، وإذا جمعنا المعلومات الدقيقة سوف نكون في وضع يمكننا من أن نتحدث عن التعرفة.
ولكني أحب أن أقول على المدى القريب خلال السنتين أو الثلاث القادمة لن يكون هناك تغيير في التعرفة، أما بعد ذلك فيجب أن يكون هناك تغيير في التعرفة، وهذا التغيير سوف يكون متدرجاً بحيث تكون هناك كمية بسعررمزي أو حتى مجاني وشرائح لا يتضرر منها إلا الذين يستعملون كميات هائلة من المياه، وحتى مع هذا كله لا أعتقد أنه سوف نصل بالتعرفة إلى حد تغطية جميع التكلفة وسوف تستمر الدولة بتحمل جزء منها.
تفرقة
* توجيهات سمو ولي العهد الرسمية وهي منشورة في الصحف تشير إلى عملية الشمولية في تعميم احتساب التعرفة في كل المجالات ومنها المياه وبالتالي التأكيد على عدم وجود استثناءات؟
هذه قرارات اتخذت ولا أعتقد أنه ستكون هناك استثناءات والتعرفة حينما تصدر سوف تكون شاملة للقطاعين الزراعي والاستهلاك المنزلي، طبعاً الزراعي له وضع خاص فالآبار ملكية خاصة، والاستهلاك حجم كبير وهناك دول بدأت بفرض تعرفة على القطاع الزراعي ولكن لا يمكن أن تكون نفس تعرفة الاستهلاك المنزلي وإلا ستقتل الزراعة، يجب أن يدفع الجميع جزءاً من تكلفة المياه، في الوقت الحاضر وجدت أنه من السابق لأوانه أن أضع تعرفة قبل أن تكون عندي معلومات وثيقة وموثقة عن الأوضاع في الدول المماثلة، وقبل أن أدرس ما هو تأثير التعرفة على مستوى دخل الفرد وقبل أن أدرس تأثير التعرفة على إنتاجية القطاع الزراعي.
التعرفة عمل مهم وله أبعاد اجتماعية واقتصادية ويشمل مختلف أنواع التأثيرات فلا ينبغي أن نستعجل فيه، نحن نقوم الآن بالدراسة وقد اتفقنا مع وزير المالية أن يكلف بها «البنك الدولي» فلديه خبرة في المياه تشمل جميع دول العالم ولذا طلبت منهم في أثناء إعداد الدراسة أن يأتوني بالوضع في الدول الأخرى المماثلة. البنك الدولي لديه اتصال بمشاريع المياه في العالم كله فستأتي التعرفة أولاً مستفيدة من تجربة الآخرين ثم تأتي «بقدر الإمكان» مبنية على معلومات دقيقة بدلاً من أن تكون مبنية على اجتهاد يمكن أن يصيب ويمكن أن يخطئ.
مقر
* بالمناسبة هل تم اختيار مقر للوزارة؟
والله نحن سنستأجر المبنى ونبحث الآن في أمره، والموضوع يمثل أولوية لدي..
توقف
* حينما عُينت وزيراً للمياه كتبت إلى الصحف مخبراً عن توقفك عن الكتابة وأنك لن تنشر، وأنك سوف تعتذر عن عدم الكتابة، ما نلاحظه أنك لا تزال تنشر، هل هذه الكتابات قديمة أم أن ما قيل لم يكن صحيحاً.
الذي حدث فقط هو في المجلة العربية، كتبت للصديق حمد القاضي عن التوقف لأنه يصعب عليَّ أن ألتزم بزاوية... أنا آخذ التزاماتي كلها بجدية وعندما ألتزم بزاوية لا يمكن أن آتي وأقول والله أعذروني هذا الشهر، وقد وجدت أنه قبل أن أستقر في العمل وأعرف طبيعته لا أستطيع أن ألتزم بزاوية ثابتة، ولكني لم أقل شيئاً غير هذا، لم أقل إني سوف أنقطع عن الكتابة، ولا أني سوف أنقطع عن النشر وكل ما هنالك أني قلت: إني لن ألتزم بهذه الزاوية فقط.
حصار
* يعني آخر زاوية كانت حول «حصار الثلج» في عدد شوال من المجلة العربية؟
نعم
زاوية
* وبالنسبة لزاوية «بيت» في «الوطن» التي جمعتها مؤخراً في كتاب؟
في ذهني منذ ابتدأتها أنها ستأخذ 100 حلقة، وقد وجدت أنها وصلت إلى شيء قريب من 90 حلقة، ومنذ فترة طويلة قررت أن أقف بها عند هذا الحد..

والمواجهة مستمرة الأحد القادم

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved