Friday 17th January,2003 11068العدد الجمعة 14 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في الوقت الأصلي في الوقت الأصلي
كلام عن المثالية
محمد الشهري

كلنا دون استثناء ننشد ونطالب بالتعامل المثالي في كافة مناحي الحياة.. ننشده في الموظف المؤتمن على قضاء حوائج الناس ومصالحهم.. وفي الطبيب المسؤول «انسانياً» عن حياة مرضاه والتخفيف من معاناتهم وآلامهم.. وننشده في رجال الامن والمرور المنوطة بهم قائمة طويلة من الامانات ذات المساس المباشر بأمن وحركة المواطن على مدار الساعة.. ننشده عند القاضي والوزير والمدير والمعلم والكاتب وحتى عند السمكري.
** حتى أولئك الذين لا يجيدون التعامل المثالي او لا يحبون التعامل من خلاله على الاقل من جانبهم لأي سبب من الاسباب وخصوصاً في المحيط الرياضي تجدهم اكثر الناس شغفاً ومطالبة بأن يعاملوا معاملة خاصة من قبل الغير.. اما هم ومن وجهة نظرهم فلا يوجد ما يغريهم او يضطرهم الى الالتقاء مع الآخر المثالي عند نقطة المنتصف إلا بقدر ما تسمح به متطلبات المصلحة الخاصة.. اذ يرون ان ذلك يتنافى مع الثوابت التي ينطلقون منها ويسيرون عليها.. وبالتالي فهم يرون في ذلك تراجعا وانتقاصاً من هيبتهم، ومساساً بصورتهم التي رسموها ورسخوها في اذهان الناس..
يعني باختصار «يموتون» في استثمار مثاليات الآخرين دون ان يقدموا هم شيئاً.
** نعم يريدون من الآخرين التنازل عن حقوقهم في الحديث او الشكوى من اية اضرار تصيبهم، في مقابل احتفاظهم هم بكامل الحقوق في التجني والانتقاص من شأن الغير، ومن منجزاتهم وانتصاراتهم والتشكيك فيها.. فضلا عن حقهم في فرض رؤاهم على الجميع الى حد الاعلان عن ان ما يلج في مرمى فريق اي منهم من اهداف هي اهداف باطلة جملة وتفصيلا، وان اية اجراءات قانونية يتم اتخاذها بحق اي من عناصر فرقهم هي اجراءات تعسفية وربما مبيّتة.. اما ما يحققونه هم من انتصارات، وما يحرزونه من اهداف فانه لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.. اضافة الى التباكي على مجموعة من الجزائيات المزعومة التي لم تحتسب لهم في كل لقاء.. كل ذلك تتم ممارسته من قبلهم تحت غطاء مزاعم فارغة ومتورمة اكل عليها الدهر وشرب كما اكل وشرب على مردديها «؟!».
** كم من شخصية رياضية مرموقة دلفت الى الوسط الرياضي حاملة معها الكثير والكثير من الافكار والرؤى المتحررة من قيود التعصب والتشاحن والتشكيك والتنابز بالالقاب، تدفعها الرغبة الاكيدة في إشاعة جو من الهدوء والتقدير المتبادل، والتفرغ للعمل المثمر، ولكنها غادرت الساحة دون ان تحقق اقل القليل مما كانت تحلم بتحقيقه في هذا المضمار بسبب بسيط جدا.. ألا وهو اصطدام تلك التوجهات النبيلة بصخور التكلسات الفكرية، والتي اضحت عقبة كأداء في طريق اي مجتهد ينشد العمل والتنفس خارج تلك الدائرة الافعوانية «؟!».
** تذكَّروا معي ما كان يمارسه الامير محمد العبدالله الفيصل من مثاليات، وكيف قوبلت توجهاته تلك بسيل من المضادات الى حد حشر دورة الصداقة الدولية بأبها ضمنها، من خلال التلميح تارة والتصريح تارة اخرى الى المكاسب التحكيمية التي تتحقق للأهلي من ورائها.. ثم تذكروا أما قام به الأمير خالد بن طلال بن عبدالعزيز من جهود مضنية في سبيل تغيير الوجه القبيح للكثير من التداولات..
وأخيراً تذكَّروا الاساليب الحضارية التي طبقها الأمير سعود بن تركي في التعامل مع كافة فئات الوسط الرياضي بما فيها تلك التي استغلت حضاريته ونبله لشن حملة غير مسبوقة استهدفت الاساءة للهلال الكيان والتاريخ والجماهير والادارة، والتي تطورت فيما بعد الى ان طالت وأضرت بالكرة السعودية عامة، وما زالت «؟!»..
هؤلاء ثلاثة نماذج فقط اردت التذكير بما حاولوا واجتهدوا لتكريسه من مبادئ راقية فحسب.. ومع ذلك لم ينجحوا «؟!».
** صدقوني: أنا لا امارس اي نوع من التحبيط تجاه اي تحرك مشكور سواء في الهلال او غيره من الاندية بقصد اختطاط منهجية تطويرية او تكميلية لما سبق تطبيقه من قبل على ايدي نماذج ادارية ذكرت بعضها.. ولكنني أتساءل مثل غيري عن مدى وحجم الاستفادة من مجرد هطول الاطراءات والاشادات هنا وهناك على الورق.. ان لم يقابلها عمل وتحرك مماثل، سواء كان ذلك بدوافع ذاتية، او كان من خلال اجراءات إلزامية.. لأنني ارى ان الالتزام بمبدأ المثالية من جانب واحد لا يختلف في معناه عن الحب من طرف واحد.. والرأي لكم.
إنهم يضحكون علينا!
** شيئاً فشيئاً تحولنا الى سوق رائجه لكل اصناف البضائع الرديئة.. ففضلاً عن ان اسواقنا تعج بمختلف المنتجات المقلَّدة والمنتهية الصلاحية والمغشوشة.. ها هي الفضائيات تتنافس على كسب ودنا، والاستحواذ على اعجابنا بشتى الطرق والوسائل، بعد ان تأكدت تماماً من سهولة استدراجنا واسالة لعابنا لأتفه الأسباب «؟!».
** ففي هذا الاطار خصصت لنا البرامج التي تناسب اذواق بعضنا، من تلك التي تتمايل لها الرؤوس والاعطاف.. ولنفس الغرض وفي نفس الاطار اختارت العناصر القادرة على ايصال المضمون مباشرة دون وسيط.. والذي يتمثل في دقة اختيار الوسيلة الموصلة او الناقلة من حيث اكتمال الشروط التي لا بد ان تشتمل على عدة متطلبات اساسية تدخل فيها القدرات المهارية على فنون «الهز والغمز والغنج» وتوزيع الابتسامات المنبعثة من وسط طبقات الطلاء والمساحيق مختلفة الالوان والاشكال.. بمعنى انهم لم يتركوا لنا اي منفذ نتنفس منه بعض الهواء النقي.
** حتى رياضتنا لم تسلم من دس انفوهم في شؤونها، لا حباً في سواد عيوننا، ولا طمعاً في الرفع من شأننا وشأنها.. ولا حتى من قبيل اداء الواجب كما قد يتصور البعض.. وانما بقصد الارتزاق على «قفا» مطافيقنا من عينة عابر القارات «الشايع»، الذي اجزم انه يعيش عالة على غيره، وانه لا يقدر ثمن ما يهدره من مال ووقت على اتصالاته الفضائية «؟!!».
** المضحك المبكي معاً اننا نعلم وندرك انهم يضحكون علينا، وانهم يبتزوننا من خلال ايهامنا بأنهم يناقشون قضايانا الرياضية، وتلمس الحلول لها.. بينما هم في واقع الامر يعقدونها اكثر واكثر، وذلك باستقطاب الغوغاء والرعاع واعطائهم المجال الفسيح مدفوع الثمن «هاتفياً» لتشويه اكبر قدر ممكن من الصورة الزاهية للانسان السعودي رياضياً وسلوكياً دون ان يساهموا بطرح الحلول الممكنة لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
فضفضة


حدتني الدنيا على غير شفّي
خلتني أمشي درب ما قد مشيته
حدتني أرمي في لظى النار كفيّ
ماهوب طبعي غصب عني وطيته

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved