Thursday 23rd January,2003 11074العدد الخميس 20 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل تقوم الحرب؟ هل تقوم الحرب؟
احتمال الحرب أو حتمية الحوار
د. فوزية عبدالله أبوخالد

أولاً: لابد ان اقر بحجم القلق المستفز الذي تساورني به في حلكة النهار وبياض الليل كمواطنة عربية مسلمة من عروق النخل وعناصر الهواء والتراب بالمملكة العربية السعودية احتمالات الحرب وتداعياتها الفادحة على المنطقة ككل مواطني بلدي والمواطنين الاحرار من المنحازين للعدل والسلام في كل مكان.
وبقدر لا يقل عن هذا القلق لابد من الاقرار بذلك الخجل الذي يعتريني وغيري من الاباء والامهات في المنطقة من كم وكيف التركة الباهظة الموجعة التي سنورثها للاجيال القادمة سواء في حال نشوب الحرب حقا او في حال الاكتفاء بتطويق المنطقة داخلياً وخارجياً بهذا العدد والعتاد الهائل من الجيوش الاجنبية والقواعد العسكرية في منطقة الخليج والمناطق المجاورة والمتاخمة. اذ انني لا اجد في تلك التحليلات السياسية والتطمينات التي تحاول ان تستبعد احتمال قيام الحرب إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فأي طمأنينة لنا او للاجيال الجديدة بعد ان تعود المنطقة كمطلع القرن الماضي مرتعاً للقوى الاجنبية فيصبح عدم وقوع الحرب ليس بأفضل من عدم وقوعها.
ثانياً: لابد من المصارحة ان جزءاً لا يستهان به من القلق والخجل الذي يقض مضجع ومقعد العرب والمسلمين اليوم في المنطقة قاطبة ليس مرده فقط التقاطر العسكري الخارجي على المنطقة والتهديد الامريكي بالحرب ولكن ما هو انكى من ذلك وأشد فجيعة هو هذا المشهد السياسي السلبي الذي تتخذه معظم قيادات المنطقة من هذه التحركات الأمريكية، ناهيك عن تورط بعضها المتعمد في تسهيل ان لم يكن تعزيز هذه التحركات وتبريرها، اذ وان كان التخلص من النظام العراقي خلاصاً للشعب العراقي، وهو مطلب سري او علني منطقي ومبرر لقيادات وشعوب المنطقة معاً فان ذلك لا ينفي ان كل هذا الحشد الحربي لهذا الهدف هو كمن يمحو جبلاً ليصطاد فأراً كان من الممكن القضاء عليه دون هذا التغيير الجائر لمعالم الارض. فأي موقف عقلاني يمكن ان يبنى او يقتنع بان المراد من وجود كل هذه الآلية العسكرية الضخمة هو فقط رأس صدام حسين والاطاحة بنظامه، هذا فيما لاتكف الحملات الاعلامية والخطاب السياسي الامريكي عن شحن المناخ بسيناريوهات غامضة وعداوات سافرة تشير الى اهداف ابعد.
ومما يزيد المشهد ظلمة هو انسحاب او سحب ذلك المشهد السلبي لقيادات المنطقة من احتمال وقوع الحرب لا محالة على الشعوب من النخب المالية والمثقفة الى قاع الشارع، فبينما تندلع التظاهرات السلمية في الغرب وفي امريكا نفسها ضد قيام الحرب في الخليج وبينما يثار هناك الجدل حول جدواها ومدى ارتباطها بالهدف المعلن او استبطانها لاهداف اخرى مضمرة في مختلف المؤسسات المدنية من الجامعات الى الجوامع والتجمعات السياسية المختلفة فإن العالم العربي باستثناءات محدودة ينعم برعب الاستعداد لوقوع الحرب على ارضه في صمت يغلب «صمت الحملان» في ذلك الفيلم الامريكي الفظيع.
ثالثاً: علينا ان نعترف ان بعض التحركات الدبلوماسية الاخيرة لعدد من القيادات التي اخذت تلوح في افق المنطقة كالزيارة السورية لايران وزيارة الرئيس المصري للمملكة وكذلك الجولة التركية الرسمية السابقة لهما على عدد من العواصم العربية قد تكون كلها جاءت متأخرة بالمقارنة للتزايد المتسارع لحجم الحشود العسكرية في المنطقة.
وكذلك بالمقارنة للخطوات العملية التي تتخذ في رسم الخريطة الحربية للهجوم المتوقع على العراق، فالاخبار تشير الى ان اجتماع الرئيس الامريكي برئيس الوزراء البريطاني في السابع والعشرين من هذا الشهر اي بعد اقل من اسبوعين من بدء التحركات الدبلوماسية على مستوى قيادات المنطقة هو اجتماع للبت في قرار حرب الخليج الثالثة. واذا كان ونستون تشرشل قد قال قبل ما يقارب نصف قرن من الزمان ان الاستراتيجيات الكبرى التي يصعب ان تقررها القوى الصغرى بينما تنفرد بها القوى الكبرى لاتقوم إلا على ركائز متينة من التفوق العسكري والاستقلال السياسي والتقدم الاقتصادي والتقني، فاننا نرجو ألا يؤدي افتقار المنطقة الى عدد من هذه الركائز الى تحييدها تحييدا تاماً حتى من شرف المحاولة للتوصل الى صياغة رؤية مشتركة لما يجري، ولوضع تصور لكيفية التعامل مع تعقيدات الوضع المتفاقم بغير الانحناء الى ما تحت الركب حتى تمر الحرب او بالأحرى العاصفة الثانية للصحراء والتي قد لا تنتهي هذه المرة إلا بعد ان لا تبقي ولا تذر.
رابعاً: عليَّ ان اعلن التثمين الشديد لتصريح سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الأخير في قوله بضرورة الحوار لتجنب الحرب، فهذه الدعوة في رأيي يمكن ان تكون مفتاحا يعيد للإرادة الوطنية بعضاً من زمام الامور في المنطقة التي اخذت تسلب في كل لحظة من ايدينا طوعا وكرهاً.
لقد تسامع الناس اليوم كما تناولت الفضائيات العربية والاجنبية وعدد من الصحف تسريبات اخبارية عن ترجيح قيادي عربي لعقد قمة استثنائية طارئة تكون مهمتها تطوير موقف عربي مشترك ان لم يكن من قرار الحرب التي لايبدو ان في الادارة الامريكية من يقيم وزناً لرأي اهل المنطقة فيها فللعمل على الحد من نطاقها وحصرها بهدفها المعلن أي ازاحة صدام عن السلطة دون تقسيم العراق على أي أسس اثنية او عرقية او مذهبية، وكذلك دون تطويل أمد هذه الحرب او تحويلها الى حصان طروادة لكل دول وانظمة المنطقة، واذا كان تكرر الخيبات في مثل هذه القمم العتيدة قد جعل بعض الناس يتندرون بانها لن تكون اكثر من قمة لاقتسام اضرار الحرب كما كانت تفعل القبائل بالغنائم يوم كان هناك غنائم تقتسم، فإن في الدعوة الى الحوار بعضاً مما قد يرد الاعتبار لأي تحرك قيادي عربي ويعطيه الحد الادنى من المصداقية والفعالية، سواء جاء هذا التحرك على مستوى اجتماع القمة او سواها وذلك ليس في الشارع العربي وحده بل حتى عند الاخرين بما فيها القوى التي تقف وراء قرار الحرب، وهذا لن يكون الا اذا فعلت القيادات العربية الحوار في اتجاهين رئيسين سأتناول كلاً منهما بقليل من التفصيل وهما:
الاتجاه الاول هو الحوار الداخلي، وهذا يعني ان يسبق اي قرارات قيادية في شأن ما تعيشه المنطقة من محنة تاريخية عصيبة في هذه المرحلة الجارحة تحديدا لقاءات لجميع القوى السياسية والمدنية والشعبية المعنية والمشغولة بالشأن الوطني، وذلك لتشارك هذه القوى الاجتماعية قياداتها التفكير في امر هذه المواجهة التي اصبحت تستهدفهما معا، ليكون بالامكان وبموضوعية وعدم مجاملات او جلد للذات تدارس الطارئ والمزمن من العوامل الداخلية والخارجية التي جرت المنطقة الى هذه المنزلة من المهانة على النفس وعلى الاخرين، وللتشاور بشفافية ودون خشية في قول الحق في الحلول البديلة والآليات العملية للخروج على شروط الهزيمة. فلا بد، لابد، لابد من التحزم بارادة الشعوب لابد من عدم المضي في سياسة تهميش دورها والتقليل من شأن رأيها في الامر الذي جعله الله شورى بين الحاكم والمحكوم، «والأمر» هنا يوحي بما يشمل الامر السياسي وما هو سواه وأبعد أو أوسع منه، لقد توالت تصريحات الادارة الامريكية بشأن حرصها على دمقرطة المنطقة، وذهبت في ذلك مذهباً «عملي أولي» بوضع الخطة التي اعلنها وزير خارجيتها كولن باول قبل اقل من شهر في مؤسسة التراث بواشنطن بمسمى «مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الاوسط» وقد كان من اهم بنود تلك الخطة كما جاء فيها العمل على اشاعة الديموقراطية بمشاريع تمكن المجتمع المدني وتحمي حقوق الافراد وتوسع المشاركة السياسية، واذا كانت الادارة الامريكية اليوم تتخذ الدعوى الى الديموقراطية إحدى ذرائع توسيع نطاق الحرب لدول اخرى ان رأت ذلك، وهي في هذا كمن يقول كلمة حق لغير وجه الحق، فان الرد على ذلك من اجل مستقبل مستقر لهذه المنطقة هو التمسك بمطلب الحوار الداخلي لا كمجرد اجراء طارئ تقتضيه الضرورة التي قد تبيح المحرمات الى حين بل كتقليد سياسي جديد ومقنن يعترف بوجود القوى الاجتماعية نساء ورجالاً وبحقها في التعدد في علاقة اكثر تفعيلاً بين القيادة والمجتمع المدني بكل ألوان الطيف في نسيجه الاجتماعي.
الاتجاه الثاني هو الحوار الخارجي، وهذا من الضروري ان يكون في عدة اتجاهات ومع القوى المتعددة في العالم، فكما يقال في الاقتصاد بتنويع مصادر الدخل فلا بد ايضا في السياسة من تنويع العلاقات الدولية فلا يكفي الركون الى القوى الغربية، ففي عالم اليوم هناك قوى دولية تنمو واخرى تنحسر ولا يمكن تجاهل ما يجري حولنا لنقرر مصالحنا في ضوئه، فهناك العمق الافريقي الآسيوي في العلاقات الدولية الذي لم نُفعل الحوار معه بما يكفي بعد، وهناك بطبيعة الحال العمق الاسلامي في علاقاتنا الدولية والذي هو الآخر لا يزال في الحد الادنى من درجات الحوار مع بعضنا البعض، وهناك جانب الحوار الذي اقترحه الأمير عبدالله مع الادارة الامريكية كوسيلة لتجنب اشعال المنطقة بالحرب، وإذا كان ليس هناك سياسة خارجية لا لأمريكا ولا لأي دولة أخرى تطمع بأن تكون دولة قوية ومستقلة يمكن ان تصاغ بعيدا عن الاعتبارات الداخلية ورأي قواها المؤثرة في قراراتها فلابد من التوجه في الحوار الى تلك القوى لتسمع صوت الاعتراض على سياسة بلادها في بلادنا. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved