Thursday 23rd January,2003 11074العدد الخميس 20 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تجربتي مع غازي القصيبي تجربتي مع غازي القصيبي
فهيد بن فهد الشريف *

لم اتحدث عن غازي القصيبي الاستاذ والوزير والانسان طيلة علاقتي به التي تمتد من سنوات الجامعة وحتى الآن الا قليلاً ليس قصوراً مني او شحاً في الكلام او خوفاً من شيء ولكن لما لهذا الرجل من مكانة ومقام يعجز التلفظ به اي لسان او يصفه اي بنان - او تخطه ريشة او يراع.
وأذكر المرة الوحيدة التي ذكرته علنا عندما كان الاستاذ محمد الوعيل يعد حوارات اسبوعية في جريدة الجزيرة مع المسؤولين والمشاهير والادباء والمتميزين وكان حواره الثاني في سلسلة لقاءاته مع معالي الدكتور غازي القصيبي وزير الصناعة والكهرباء وكنت موظفاً في مكتبه بمسمى مدير مكتب وأراد ان يكون الحوار شاملاً ومتنوعاً ومتشعباً فلم يجد في ذلك الوقت احداً يشبع نهمه ويعطيه الانطباعات عن الوزير والمسؤول الاول في الوزارة الا هذا المدير الضعيف حيث يحسبه شيئاً، انبرى يسألني اسئلة بدت لي محرجة ولم اكن مهيأ للرد عليها فمن انا الذي استطيع ان اقول شيئاً عن قامة من قامات الوطن وشخصية معروفة حسباً ونسباً وأدباً فلست في وضع يسمح لي ان اتحدث عمن صنع تاريخاً لنفسه منذ صغره وقارع الكبار وتفتقت افكاره وآراؤه انجازات خلدها الزمن وحفرت في ذاكرة التاريخ. ولكن مع اصرار الاخ الوعيل قلت اني لن اجامل او انافق او اتجمل فما اقوله هو الحقيقة والواقع ولا يجب ان يفسر الى غير ذلك فأنا لم اسمع منه منذ عملت معه اي كلمة جارحة او تصرفا يشعرني بأي ضيق او ازعاج او تذمر واذا اخطأت اصلح اعوجاجي بأدب جم وحديث هادئ واذا اراد شيئاً تسبقه عبارات اللطف والاحترام..
يتعامل بنفسه مع من يريد دون ان يفرق بين صغير او كبير لا يؤذي مشاعر اي انسان، يحاول جهده ان يساعد ويقدم الخدمة لمن يحتاجها قدر امكانياته او يعتذر بأدب جم، لا يضجر الا في الحق ولا يكره الا للظلم وعده الاخلاص ولا يقبل ان يتطاول احد على احد. كانت هذه المشاعر والاحاسيس في ذلك الوقت واستمرت حتى يومنا هذا لم يتلون او يختلف بالرغم من تغير الزمن واختلاف الظروف وتلون الناس بكل الوان الطيف وتنكر الكثير لمعارفهم واصحابهم وزملائهم بعد ان تبدلت بهم الاحوال اما هو فظلت مشاعره ومحبته واحترامه للجميع اسلوب حياته والذين يعرفونه يوم كان صغيراً ثم يافعا وطالبا وحتى التحاقه بالجامعة وتخرجه منها لا يذكرونه الا بما نذكره به او اكثر فلم تغيره الشهادة العلمية ولا الوظيفة الاكاديمية ولا الوزارة ولم تؤثر في طباعه وسلوكه العواصف والاعاصير التي هبت يمنة ويسرة. ان الحديث عن غازي في يوم عرسه يعجز القلم عن وصفه والقلب عن طرحه والمشاعر عن سرده - اذكر عندما عين سفيراً في البحرين وزرت المنامة في مهمة عمل وكان واجب الوفاء ان ازوره واهنئه وكم كان كريماً وشهماً بطبعه فاحتضنني والزملاء الذين كانوا معي وتشرفنا في حينها بزيارة لسمو الشيخ عيسى آل خليفة امير البحرين رحمه الله وبعد خروجنا من المقابلة تلقتنا وسائل الاعلام تسأل عن الغرض من الزيارة ونتائج المقابلة وبخلقه الرفيع قال انا لا اصرح فهذا المسؤول هو الذي قابل سمو الامير واسرعت في حينها وكما يقول المثل لا تعلو العين على الحاجب رفضت ان اقول شيئاً يحضره الاستاذ والوزير والاديب والشاعر لا يمكنني التعالي على العظماء - فما كان منه الا ان ابلغ رجال الاعلام بتصريح عن المقابلة وفاجأني في نهاية الحديث ان هذا التصريح يجب ان يكون باسمي انا مما اوقعني في حرج شديد وكم تمنيت لو ان الارض انشقت ولا اكون في هذا الموقف وعندما اخبرته ان هذا لا يجوز قال انت مسؤول وانا سفير والواجب ان اؤدي وظيفتي كما ينبغي اما المحبة والمودة فتظل في شموخها.
موقف لن انساه ابداً خاصة وان الصحف في اليوم التالي ذكرت ان المقابلة مع سمو الشيخ تمت بحضور معالي السفير - ويا عجباً تلميذ يسبق استاذه ولكن تواضع العظماء والكبار. وللمعلومية فهذه اول مرة اصرح فيها عن هذه الحادثة التي سمعها الناس ولم يعرفوا سرها.
لقد كتب الكثير عن هذا الرجل وكم من مواقف حدثت لأشخاص لا يعرفهم ولا يعرفونه ولكنهم شعروا انه انسان بمعنى الكلمة وان تعامله مع اخيه الانسان لا يمليه عليه منصب او قربى او مصلحة بل خلق ومشاعر جبل عليها فأصبح ديدنه الكرم وصيته الخير ومواقفه نصرة المظلوم ومساعدة ذوي الحاجة. قال الاستاذ صالح المعيض في جريدة البلاد لا احد يقدر او يشكك في عظمة الخبرة التي وهبه الله اياها ثم الدراسة والبحث والتقصي التي هي فعلاً اهم مراس توجه القصيبي بما يتمتع به من حكمة وحنكة ودراية شكلت حوله اجيالاً من آثار القصيبي في ذواتهم حب التفاني والعمل باخلاص.
ويضيف: اذكر انه قبل واحد وعشرين عاماً وهو وزير الصحة تطرقت في مقالة صغيرة إلى مفاهيم التبرع بالدم لأجدني مكرماً من قبل معاليه بخطاب وشهادة ما زالت اعتز بها.
ويستمر في حديثه «وفي السفارة السعودية وفي عز شتاء 1996م فوجئت به على مدخل السفارة الخارجي يستقبل ويعرض الخدمات وكأنني به مسوق بارع لكن لخدمات مجانية تساوي آلاف الجنيهات وكل هذا وهو الى تاريخه ربما لا يعرف من انا ولن يفيده ذلك شيئاً.
وكتب غيره الكثير عن انجازاته المختلفة في اي مجال وجمعية الاطفال المعوقين ما هي الا عمل يدل على الحس الانساني والوطني الذي الهمه الله لإقامة هذا المشروع الكبير الذي اصبح رمزاً من رموز الخير والبر والعطاء ومثلاً يحتذى.
لقد لامست عن قرب كيف يعيش هذا الانسان وكيف يتنفس وكيف يتصرف، رائعاً في تعامله فائقا في تصرفه كريماً في طباعه هادئاً في تحركاته لا يثقل على احد ولا يسيء لأحد يحفظ لزملائه واصدقائه كل الحب والمودة الصافية ويعيش معهم وبينهم ولا يتأفف من ملاقاة الناس مهما كانت حالتهم وظروفهم المعيشية فهو يقول دائماً ان الوزارة من الوزر وان الحال لا يبقى على حال وان علاقة الانسان بالآخرين يجب الا تحكمها الظروف والاحوال والمصالح بل الحب وحسن الخلق والتعامل الخلاق.
يقول الدكتور مكي محمد السرحان في كتابه «د. غازي القصيبي» اقول الى جيلنا الناشئ، «إن الدكتور غازي القصيبي غني عن التعريف، فهو شاعر عربي اصيل، بحريني الهوية، سعودي الجنسية، عربي البنية والتكوين، يتجاوز بما افاء الله عليه من ملكة نظم الشعر وفكر ووجدان، الحدود القطرية السياسية العربية، ليحتضن بصدق واخلاص كل زوايا الوطن العربي، والانسان العربي، والقضايا العربية والاسلامية، الى جانب القضايا الانسانية بكل حب وتفان».
ويضيف «بالامس كان الشاعر طفلا، صغيراً ثم شاباً يافعاً.. واليوم رجل سياسة، محنك يكلف بمسؤليات جسام.. عرفه الناس وزيراً نزيهاً..، وسفيراً مهندماً للدبلوماسية السعودية.. وهاموا به شاعراً، مبدعاً، ومحاضراً جاداً، وناقداً متمرساً، وروائياً متطوراً.
ويختم انه اصبح جزءاً مهماً من تاريخ الخليج، وانه رائد شعره المعاصر، والذي لا يشق له غبار.. فاستحق بصدق لقب الريادة فهو الذي انعش الشعر الخليجي، وأعطاه نفحة حياة.. وهو الذي عبر عن جراح امته العربية وآلامها كما عبر عن امانيها وآمالها. وبذلك نقل الشعر العربي الخليجي في اسلوبه المميز ومضمونه الواضح، نقلة مباركة بعيدة المدى وكبيرة الاثر فتخطى بحكنته حدود الخليج.
الا يحق ان يكون هذا الرجل بكل هذه الصفات شخصية العام الثقافية في مهرجان القرين في دولة الكويت.. بل وشخصية كل الاعوام في كل المنتديات..
ان غازي القصيبي تجاوز كل الاحتفاليات والتكريم وأصبح القرب منه شرفاً وتكريماً لأي انسان بل ورمزاً تتطلع اليه رغبات الناس للاستفادة من تجربته وخبرته لتحقيق بعض ما حقق من عمل يبقى ابد الدهر فكما نجح في الوزارة نجح في السفارة والادارة ولكن فوق كل هذا نجح بأخلاقه وسماته الانسانية الرائعة التي استقاها من الدين الاسلامي الحنيف ومن العادات العربية الاصيلة ومن نبل العائلة التي ينتمي اليها ومن جذور هذا الوطن الكريم، حيا الله غازي القصيبي في يوم تكريمه ووفقه الله في مهمته الجديدة لإرواء الوطن من الماء العذب الزلال وليس ذلك على الله بعزيز.

* وكيل المحافظ للانظمة والتعاون الاقتصادي/الهيئة العامة للاستثمار

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved