Thursday 23rd January,2003 11074العدد الخميس 20 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في الاقتصاد في الاقتصاد
وهم الأعمال
د. سامي الغمري

تحيا داخل كل شركة اقتصادية مجموعة من الأوهام تحجب الحقيقة عن العيون وتلمع كالطلاء الزيتي المؤقت الذي يحجب الشقوق الخطيرة في الجدار الضعيف على الثبات فينهار فجأة. تتبلور الأوهام لمعظم العاملين بفكرة ان الآخرين هم من يضعون أولويات وجداول المهام والأعمال، ويحددون معالمها وخططها لهم وقولهم ما علينا سوى الاقتداء بها وتنفيذها حرفيا دون ابداء رأي فيها أو مشاركة بها. والأوهام تتضح أكثر على مستوى الشركات ومؤسسات الأعمال الاقتصادية فقد يتوهم مدير الشركة ان حركة السوق هي التي ستملي أولويات شركته وعليه مسايرة قوى العرض والطلب شاء أم لم يشأ. والحقيقة ان المدير الذكي هو من يفاجىء السوق فاتحا لشركته آفاقاً جديدة لمنتجاته التي لم يعرفها السوق أو المستهلك من قبل. كذلك على صعيد آخر قد يتوهم الموظف العامل ان ينتظر من مديره أولا أن يضع له أولوياته اليومية دون حق له في المشاركة في مجرياتها. لكن الواقع هو عكس ذلك عندما يفيق ذلك الموظف من وهمه الفكري فيكتشف ما لديه من قدرات وطاقات غير مسخرة عاطلة تستطيع بكل كفاءة ان تتعامل مع المتغيرات والمستجدات تمكن له بأن يساهم في نجاح شركته بأفكاره الجيدة ومرئياته البناءة.
نتساءل هنا كيف يمكن ان تحمي شركتك أو وظيفتك من داء الأوهام التي تغمر بعض بيئات ودور العمل الجماعي هذه الأيام؟ إذا لم تكن قد سألت نفسك هذا السؤال حتى الآن، فقد حان الوقت لتأخذ الأمر بجدية. فكثير من المديرين والعاملين يواجهون أوهاما داخلية متزايدة. منها ما نراه من ان مديرا يتوهم ان مشكلة المنتج الجديد ليست في سعره بل في تسويقه، فيقوده هذا الوهم لوهم ثان فيقرر تطوير قطاع التسويق وزيادة المخصصات الممنوحة له. وعندما لا تتحسن النتائج يتوهم ان قسم المبيعات هو السبب، فيقوده هذا الى وهم آخر. فيقرر استبدال مندوبي المبيعات بآخرين أكثر تكلفة. وعندما يفشل هؤلاء، تنفق آلاف من الريالات على استشارات التسويق والمبيعات. وهكذا يدور المدير في حلقة مفرغة من الأوهام المتتالية تؤدي مجملها في النهاية الى زيادة تكلفة المنتج وتخفض معدلات العوائد والأرباح السنوية. ولكن ما هي السبل والطرق المثالية لعلاج الأوهام والتخلص منها؟ كلمة السر تكمن في تحديد الأولويات اليومية نفسها أولا من قبل الفرد نفسه لا من قبل الآخرين. بمعنى ان يشارك الفرد من موقعه الوظيفي حقه في النصح والتعاون البناء وان لا يكتفي بالصمت. فالصمت شيء والموافقة شيء آخر. وان يخلق حالة من التوازن بين الأنشطة الاقتصادية والمهام الشخصية التي يقوم بها بانجازها. فكل منا يجد نفسه أمام كم هائل من هذه الأنشطة المفروضة عليه ونفس هذا الوضع ينطبق على الشركة ككل. وكل خطوة يقوم بها الفرد تدفعه في واحد من اتجاهين: اما في اتجاه شيء ما يصبه أو بعيد عنه وخطأه. وبالتالي فكل قرار يتخذه الفرد لأولوياته اليومية يتولد عنه نوعان من الآثار: اما ايجابية أو سلبية. ومن هنا فإن النتائج الوهمية هي تلك التي تركز على أحد الاتجاهين دون التحسب للآخر. فيأخذ مثلا باعتباره نوعا واحدا فقط من الآثار ويهمل النوع الآخر كلية تاركا لاحتمالات ورود عوارض أو ظهور غير المتوقع حيزا كبيرا فتكون النتائج وخيمة قاتمة. ويعد من أكثر أشكال الوهم السلبي حاضرا انتشارا ما يعرف بقناع السلبية وهو ما يرتديه بعض الموظفين كساء الصمت والموافقة الظاهرية على كل الاقتراحات المقدمة من المدير. وهم بذلك يحجمون عن المجاهرة بآرائهم ومقترحاتهم ولا يقدمون أي مساهمة فعالة للشركة تاركين تيارات الأوهام تسيطر على مخيلتهم على عنانها. وإذا ما بادر الفرد نفسه بتغيير هذه السلوكية في أوانها فقد يكون من القسوة بمكان ان يجد مخرجا لوهمه المتسلط عليه بقية عمره الطويل.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved