Friday 24th January,2003 11075العدد الجمعة 21 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رعاية الحجاج رعاية الحجاج
د. محمد بن سعد الشويعر

لقد اهتمت القيادة في هذه البلاد، والتي شرفهم الله فيها بخدمة الحرمين الشريفين، مرفأ أفئدة المسلمين في كل مكان، حيث تتقاطر جموعهم في مثل هذه الأيام من كل عام، استجابة لأمر الله، بأداء فريضة الإسلام عليهم، وتأدية شعيرة الحج والزيارة للديار المقدسة: {وّلٌلَّهٌ عّلّى النَّاسٌ حٌجٍَالبّيًتٌ مّنٌ اسًتّطّاعّ إلّيًهٌ سّبٌيلاْ} [آل عمران: 97] فهي مرة في العمر، مع الاستطاعة.. وأهم ذلك الأمن وتوفير السبل، وهذا ما حرص الملك عبدالعزيز على رعايته وإراحة ضيوف الرحمن فيه. فالمملكة العربية السعودية، منذ دخل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مكة المكرمة محرماً متذللا لربه، في عام 1343هـ، فهو يسأل ربه، أمام بيته العتيق: بأن يجعله مخلصاً وصادقاً في نيته، لخدمة الإسلام ورعاية الحجاج، وتسهيل ما يريحهم.. يقول ذلك بقلب صادق، أتبعه بإخلاص في العمل، ترسَّم الخطى فيه بنوه من بعده بجهود مخلصة وأعمال بارزة فكان أول هاجس يراود نفسه، تأمين طريق الحج، حتى يسلم الحجاج على أنفسهم وممتلكاتهم، وحتى تطمئن قلوبهم فيؤدوا فريضتهم في راحة نفس، واطمئنان ضمير.
ومنذ بدأت رحلة البناء وتوحيد أطراف البلاد، تحت قيادة واحدة، والملك عبدالعزيز ثم أبناؤه من بعده يولون الحج كلّ طاقاتهم وجلّ اهتماماتهم.. فكان أول بشارة عمّها الملك عبدالعزيز بتلك الرسائل التي بعثها في كل مكان للمسلمين، في عام 1343هـ، عن تيسيره سبل الحج، وتأمين الراحة للوافدين من ضيوف الرحمن، فابتهجت لها القلوب، وعمّت الفرحة أفئدة المسلمين الذين كانوا يعرفون المعاناة في سبيل أداء هذه الشعيرة، لأن الأمن الذي كان عزيزاً، قد أصبح وارف الظلال، ثم بدأت الطرق الميسرة والمواصلات المريحة، تحلّ مكان المعاناة الشديدة، والمشاق التي يتكبدها الحجاج.
لقد كان الحج ذلك الوقت وقبل العهد السعودي، يعني رحلة إلى المجهول، لما يعترض الحجاج من خوف ومصائب، وجوع وظمأ، إضافة إلى الأمراض وتفشي الأوبئة.
فكانت الجهود تبذل لتذليل العقبات، رغم انعدام الموارد للدولة، ومن الأولويات ما كان يوليه الملك عبدالعزيز في خدمة الحرمين، وتيسير الأداء على المسلمين الوافدين: عمرة وحجاً، من أعمال بدأت منذ دخل مكة: للمسجد والمسعى والمشاعر.
فقد بدأ بالاصلاحات في الحرم المكي، وتبليط ورصف المسعى لأول مرة في التاريخ، ثم عمل المظلات لحماية الوافدين لبيت الله الحرام، الذين بدأ عددهم يتكاثر عاماً بعد عام، من حرارة الشمس وتساقط المطر.. فأخذ في اعتباره الاهتمام بكل ما يعود على ضيوف الرحمن بالخير وراحة البال، ليكون لسان الحال يخاطبهم بقول الشاعر:


يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا
نحن الضيوف وأنت ربّ المنزل

فإن كانت الناحية الصحية تقلق راحة الوافدين، فقد أولاها الملك عبدالعزيز عناية جيدة: بالكرنتينة والفحوصات والتحصينات الوقائية، ثم تيسير العلاج وفتح المستشفيات في مكة والمدينة وفي المشاعر، حتى خلت البلاد - بحمد الله من الأوبئة - ونَعُمَ الضيف الكريم بالصحة التي كانت ترعاها - بعد فضل الله - الأعين الساهرة، والقلوب الحانية، والسبل الميسرة.
ثم لئن كان الحجاج أشد ما يعانون في مكة والمشاعر، توفر الماء، فقد بُذلت الجهود، وعملت المساعي حتى جرى التغلب على هذه المشكلة، فمدّتْ شبكات المياه من عدة مصادر، ووفرت أمام كل راغب، هذا علاوة على ماء زمزم، الذي يتطلع إليه كل وافد لمكة المكرمة، لقدسيتّه، ولما ورد فيه من أحاديث وآثار.
ومع الهمم العالية، والنيّة الصادقة في حبّ الخير، بدأت المشروعات، التي عُملت لراحة ورعاية الحجاج والعّمار، تكبر وتتكاثر مع التزايد المطرد، في زيادة الوافدين، إذْ في غضون سنوات ارتفع عدد الحجاج من رقم المئات إلى المليون حاج وأكثر ثم مع الجهود المبذولة، والوسائل الميسرة، والأمن الوارف، الذي لا يعدله شيء بفضل الله، ارتفعت الأرقام، لا في الحج وحده، وإنما في رمضان، وغيره من شهور السنة، بالعمرة المفتوحة، هذه الكثرة المتزايدة، والحشود الوافدة في كل وقت، لقيت من ولاة الأمر الحريصين، على بذل الجهود والدافعين من وقتهم وراحتهم التضحيات من أجل إخوانهم.. فبذلوا الجهود المتتالية في كل شأن يعود على الضيوف براحة البال، والتفرغ باطمئنان للعبادة التي غادروا ديارهم من أجلها، ويرغبون من الله القبول وغفران الذنوب..
هذه الأعداد المتكاثرة والوافدة، يتطلّب وجودها زيادة في الخدمات، وتيسيراً في المهمات، ومضاعفة في الوسائل المعيشية على التفرغ في العبادة..
وكان من فضل الله على هذه الدولة، أن هيأ لها موارد هي من كنوز الأرض، التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبذلت بسخاء في سبيل رعاية الحجاج: طرقاً عديدة تسهّل مسيرتهم منذ تطأ أقدامهم أرض المملكة حتى يؤدوا عباداتهم ثم يعودوا لديارهم، ومواصلات مريحة سريعة للتنقلات، ومياه وغذاء تبرعاً في المبرات العديدة، وتوفراً في كل مكان للشرب نظيفاً ومبرداً، وللوضوء والاستعمالات المختلفة.
ثم جاءت رعاية المشاعر والطرق المؤدية إليها، والميسرة في سهولة الوصول إليها، فُشقّتْ الجبال أنفاقاً، وتكاثرت الطرق تمهيداً وتعبيداً، ووفرت شبكات الاتصالات، التي تطمئن الحاج على أهله وهم في ديارهم، وتريح أهاليهم بسماع أصواتهم والتيقن على سلامة أحوالهم وصحتهم.. وغير هذا من أمور كثيرة بارزة للانظار في كل موقف.
وجاء اهتمام خادم الحرمين الشريفين بتوسعة الحرمين الشريفين: في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، تلك التوسعة التي تعتبر مفخرة للإسلام والمسلمين، بما تحقق من إنجازات جبارة، وأعمال لم يسبق خادم الحرمين إلى مثلها في التاريخ كله.. فمع جمال البناء، وحسن الهندسة، كان الاستيعاب الكبير لما يزيد عن مليون مصل، في كل واحد من الحرمين الشريفين، ومع هذا الجهد الجبّار فهما أوسع مكان للعبادة على وجه الأرض، ولقد استهين بآلاف الملايين التي بذلت في هذا السبيل لأنه مبذول في طاعة الله، ومن أجل راحة من يعبد الله فهنيئاً لهم هذا العمل.
محاولات قديمة:
ذكر المسعودي في مروج الذهب: أن هناك محاولات قديمة وكثيرة، لوصل البحر الأبيض - بحر الروم - بالبحر الأحمر - بحر القلزم - فقد رام الرشيد أن يوصل بين هذين البحرين، مما يلي النيل من أعالي مصبّه، من نحو بلاد الحبشة، وأقاصي صعيد مصر، فلم تتأتّ له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد «الفرما» نحو بلاد تنيس، على أن يكون مصب بحر القلزم، إلى البحر الرومي، فقال يحيى بن خالد: يخطف الروم الناس من المسجد الحرام والطواف، وذلك أن مراكبهم تنتهي من بحر الروم، إلى بحر الحجاز، فتطرح سراياها مما يلي جدة، فيخطف الناس من المسجد الحرام، ومكة والمدينة على ما ذكر، فامتنع من ذلك.
وقد حكي عن عمرو بن العاص - حين كان بمصر - أنه رام ذلك، فمنعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك لما وصفنا من فعل الروم وسراياهم.
وذلك في حال ما افتتحها عمرو بن العاص، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وآثار الحفر بين هذين البحرين فيما ذكرنا من المواضع والخلجان بيّنه، على حسب ما شرعت فيه الملوك السالفة، طلباً لعمارة الأرض، وخصب البلاد، وعيش الناس بالأقوات، وأن يحمل إلى كل بلد ما ليس فيه، من الأقوات وغيرها.
وقد عمل عمرو بن العاص قناة لا تزال آثارها موجودة تمتد من الفسطاط، قرب مسجده، إلى خليج السويس، وكانت الأقوات تنقل معها بالسفن إلى بحر القلزم، ومنها بالسفن إلى ينبع ثم المدينة أيام المجاعة، التي حصلت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (مروج الذهب: 255).

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved