Monday 27th January,2003 11078العدد الأثنين 24 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
فقدان التوازن
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

الأمة كائن حي، لها روح تتكون من أصناف البشر الذين ينتمون إليها، فهي من أجل ذلك تقوى وتضعف، وتعلو وتنزل، وتنتصر وتنهزم، وتثبت وتهتزُّ، ولكل حالة من هذه الحالات التي تمرُّ بها الأمة أسبابها ونتائجها، ووسائل علاجها حينما تكون الحالة سلبية.
الأمَّةُ جسد كبير يتكون من أعضاءٍ كثيرة، فهي بسبب ذلك معرَّضةٌ للانطلاق أو التوقف، وتحقيق التوازُن بين أعضاء جسدها وروحها، أو فقدانه، ولكل حالة أسبابها ونتائجها ووسائل التعامل معها، ولا شك أن «فقدان التوازن» في الأمة من أخطر الأمراض التي تضعفها، وتجعلها فريسة سهلة لأعدائها.
ونعني «بفقدان التوازن» الاضطراب والحيرة مع الخوف والقلق في مواجهة الأحداث، ولا تقع الأمة في هذا إلا بعد مرحلةٍ من التراجع، والانهزام النفسي، والجمود العقلي، والجفاف الروحي، تظلُّ تهز جسد الأمة الكبير حتى تفقده توازنه في مواجهة المواقف والأحداث.
هل فقدت أمتنا المسلمة توازنها في هذا العصر؟؟
سؤال يقفز جوابه إلى الذهن جلياً واضحاً قائلاً: نعم، ولذلك بدا عليها هذا الاضطراب والضعف أمام أعدائها الذين يكشرون عن أنيابهم في هذه المرحلة المهمة من مراحل الصراع بين الحق والباطل.
ما السبب في ذلك ؟
هنالك جواب عام سريع يخطر في أذهان الجميع يقول: السبب هو بعد الأمة في مجملها عن التطبيق العملي الصحيح لتعاليم دينها الحنيف، وهو جواب عام سريع يحدد المعالم الكبرى للحالة التي ساقت أمتنا المسلمة إلى هذا النفق المظلم من الشعور بالضعف أمام الأعداء.
نعم ابتعدت الأمة المسلمة عن مصادر «الحق» فوقعت في الباطل، وانصرفت عن منابع الخير فوقعت في براثن الشر، واستخفَّت بدينها وعلمائها ومصلحيها، وبالغت في ذلك، فاستخفَّ بها الأعداء إلى درجة تحقِّق قول الشاعر العربي:


ويُقضى الأمر حين تغيب تَيْمُ
ولا يُستأْمرون وهم شهودُ

وألقت بنفسها بين يدي أعدائها مخدوعة بسراب وعودهم، غافلة عن مخططاتهم التي ينفذونها عن طريقها بأسماءٍ مختلفة، واتجاهات متعددة مصحوبة بدعاوى التقدم،والتطور، و«العصرانية»، و «الديمقراطية» و«الحداثة والعولمة» وغير ذلك من العناوين الخادعة التي تخفي وراء بريقها ليلاً من المؤامرات ليس له آخر.
هنا «فقدت الأمة توازنها»، أصاب تفكيرها ما يشبه الشلل، وكأني بأمتنا في هذا الوقت وهي في حالة «التائه الذي فقد التوزان»، تنظر إلى أساطيل الأعداء وأسلحتهم وعتادهم وجنودهم، وإعلامهم نظر العاجز اليائس الذي رضي أن يجلس «القُرفضاء» وقد وضع رأسه بين ركبتيه ينتظر ضربة العدو، وغاية جهده أن يتساءل متى وأين وكيف؟، وربما تساءل من باب الحسرة على الحال «ولماذا»؟
كأني بأمتنا في هذه الحالة تشبه إلى حد كبير حالة المسلمين في بغداد حين داهمها التتار حيث يروي المؤرخون أن الرجل من التتار كان يجمع عدداً من الناس في مكانٍ واحد ويطلب منهم عدم الحركة حتى يذهب ويأتي بسيفٍ ليقتلهم، فيستسلمون وينتظرون، الفرق بين الحالتين، أن حالة المسلمين في وقت التتار كانت على مستوى الأفراد، أما في وقتنا هذا فهي على مستوى الأمة.
«فقدان التوازن» حالة انهزامية مرضية يجب أن نسعى جميعاً لعلاجها وازالتها بإيقاظ وعي الأمة النائم، وبعث شعورها الذي كاد يموت، وإعادة الثقة إليها لرفع معنويتها، فالأمة ما تزال بخير كثير.
لا ننسى أن المسلمين بعد تلك الذلة أمام التتار قد انتصروا نصراً حاسماً على عدوهم في عين جالوت، لأنهم ارتقوا إلى درجة الوعي بما جرى، وأحسنوا اللجوء إلى الله الذي وعد عباده المؤمنين بالنصر.
اشارة:


إن للحقَّ جولة ستُرينا
كيف يطوي بساطَه الطُّغيانُ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved