Thursday 30th January,2003 11081العدد الخميس 27 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أنا إنسان إذن أنا مفقود.... أنا إنسان إذن أنا مفقود....
عبدالله بن ثاني

ما سر تحجر النظام العالمي كما لو أن ميدوزا الإغريقية التي تحول كل ما تراه إلى حجر قد حدقت فيه، ليتحول إلى مستنقع طغت على سطحه الطحالب والفطريات في ظل حاضنات نموذجية لإفراز العفن السياسي بكل سلالاته السداسية عندما تعطل الحوار والدبلوماسية والأرقام التي تحمل القرارات الأممية وتؤمن بالأسطول السادس والنجوم السداسية والحرب السادسة والقارة السادسة التي تهدد البشرية بالنفي والتهجير إليها، وبكل أسف فهؤلاء عندما يتفشون في الذاكرة الأممية فإن ذلك يؤدي إلى فوضى تقلب المعيار ويصبح القرار أشبه بالأبجدية الإغريقية المقلوبة رأساً على عقب وعلى طريقة ميدوزا التي حكمت على الآخرين بالإقامة في المنتصف بين المهد واللحد، بين الأوطان والمنافي وأخيراً بين أولئك.. وبين أولئك الذين يصدرون الديمقراطيات المزيفة في صورة ساذجة ورخيصة تعد العالم بالاستقلال والسيادة والمروج الخضراء في ظاهرها وفي باطنها تهيئهم للوراثة وفرض الوصاية عليهم بعد القمع وسلب الإرادة عن طريق اقتلاع مبدأ ديكارت «أنا أفكر إذن أنا موجود» من ذاكرتهم وغرس مبدأ كاريكا توارت الكولونيالية مكانه «أنت إنسان إذن أنت مفقود».
يستوي عندي الجميع حتى أولئك الذين خطفوا الصغار من آبائهم في أوروبا باسم الخلافة الإسلامية على يد العثمانيين ليكونوا الفرق الانكشارية في الجيش العثماني ولم يدركوا أنهم غرسوا الحقد بين الحضارات إلى الأبد، وكذلك الذين تركز في ذاكرتهم أن الفردوس المفقود الأندلس سيعود يوماً معرضين العالم الإسلامي لعداء شعوب مستقلة في صورة لا تختلف عما يؤمن به الصهاينة في فلسطين المحتلة، فمرورك بأرض طارئا قبل آلاف السنين لا يعني أنها ملك شرعي لك، ولو شئت أن استسلم للتداعيات حول هذا الموضوع لما انتهيت وربما هو السبب الذي لم ندركه بخصوص ما يجري لنا في قراءة الآخر الخاطئة عندما لا يفرق بين الإسلام والتاريخ الإسلامي الذي شوهت بعض شخصياته البائدة والحاضرة، الحضارة الإسلامية ومقوماتها الأساسية عندما وظف الإسلام وتعاليمه ونصوصه الإنسانية، في سبيل الحصول على الذهب الأصفر والشعر الأشقر.
نعم يستوي الجميع حتى أولئك الذين أكدوا عودة نظام الرق من جديد وعهود الاستعمار البائدة على طريقة العسكرتاريا فلا سيادة ولا خصوصية ولا ثقافة ولا حضارة تحترمها سفنهم الحربية وجنرالاتهم، وربما الفرق الوحيد بين العهدين أنهم استبدلوا السفن الشراعية ببارجات وطائرات وكاسحات ألغام، وتجاوزوا هذه المرة الزنوج في أفريقيا إلى بقية سكان العالم المشحون إلى القارة السادسة على ظهر «تايتنك» الحالمة التي تجاوزت هي أيضاً كل جبال الجليد لترتطم بتمثال الحرية هناك، ليؤكدوا قول برناردشو «إن الرجل الأبيض حرم الزنجي من كل شيء، ورماه إلى الرصيف ليمسح الأحذية ثم أمسك بأيدي الزائرين، وقال لهم انظروا إنه لا يصلح إلا لهذا».
وماذا سيقول لو نظر إلى العالم المتناقض وهو يدعي الديمقراطية والحرية ويحرم القوي فيه الضعيف من حقوقه الشرعية على يد أساتيذ يوزعون على الناس المتخلفين في نظرهم دروس الدمقرطة ليستحقوا دخول القرن الجديد معارضين أبسط أصول الديمقراطية في تدخلهم بشؤون الآخرين من خلال الانسياق الكامل في حملات التجييش والتشويه التي تعطي نموذجا سيئا للاستخفاف والازدراء لأن ممارسة الدمقرطة الحقيقية تنبع من الإرادة الشعبية وأي تجاوز لهذه الإرادة يعني تجاوز الديمقراطية التي يريدون تعميم نموذجها.
ومن ينعم النظر في سياسات التشويه والتصدير يجدها لا تخضع لرغبة الاستطلاعات الشعبية في تلك المجتمعات التي ترفض الحرب والحشود وهذه المجتمعات التي ترفض الآخر الطارئ والدليل على ذلك التظاهرات الشعبية العارمة التي تجتاح العالم، فأي ديمقراطية هذه التي يتحدثون عنها ويتشدقون بها ويريدون تصديرها فيما الأساتيذ يقدمون النموذج الأسوأ، وكما قالوا فاقد الشيء لا يعطيه.
ولم يقتصروا على ذلك بل حكم عليهم بالعمى والصمم وهم يمارسون حوارا ليس فيه أبجديات الحوار، بل هو من أجل فرض السيطرة في ثنائية أشبه بحوارية الإسكندر والفيلسوف ديوجين الذي رفض أن يلعب دور الأعمى فسجنه الإسكندر بحجة واهية مثلما سجن طغاة الأسبان المكتشف كولمبوس بحجة أنه لم يستطع أن يوقف بيضة الدجاجة على أحد طرفيها.
ولم يدرك ذلك العالم أنه يمارس سياسة العقاب الجماعي ضد شعوب بأسرها بحجة أن بعض أفرادها المجانين قد مارس جنونه على الآخر في ظل غياب العقل والحكمة والمصلحة العامة.. صدقا مسكين ذلك العالم عندما يحاسب الآخر على أخطاء يمكن علاجها بالحوار والدبلوماسية ويشترك في مؤامرة القضاء على الكائنات التي تعيش على ظهر هذا الكوكب عندما يسمح لنفسه بتصنيع ما يزيد على 125000 رأس حربي نووي تتعدى القوة التفجيرية لمعظمها قنبلة ليتل مان (Little Man) التي دمرت هيروشيما، بالإضافة إلى إجراء تجارب تزيد عن 2000 تفجير نووي وحتى الآن فإن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية المبرمة في عام 1970م والتي تضم حاليا 188 دولة لا تكفي لحماية مستقبل البشرية، لأن أي عقل مجنون قد يتصرف بما يضر ما دامت موجودة في مخازنها دون أي التزام أخلاقي، وبكل أسف أيضاً ما زلنا نسمع من يهدد بالانسحاب منها نتيجة خلافات يمكن أن تحلها الدبلوماسية، بل إن معاهدة تخفيض الأسلحة الإستراتيجية «ستارت الأولى» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي التي دخلت حيز التنفيذ عام 1994م قد حققت خفضا في المخزون إلا أن معاهدة ستارت الثانية في عام 1993م تم التخلي عنها تماماً بعد رفض مجلس الشيوخ الأمريكي لها عام 1999م، وبناء على ذلك أعلنت روسيا رفضها للمعاهدة رسميا في 14 يونيو/ حزيران سنة 2002م مما شكل انتكاسة في الجهود الدولية وقلقاً لمستقبل بشري مظلم وبخاصة في ظل التهديدات الباكستانية الهندية من جانب وإسرائيل والعرب من جانب آخر، وأخيراً انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وتهديدها بإشعال حروب كونية ثالثة، والعالم ينظر بعين الأسى لمجريات الأحداث وتداعيات المواقف ويراقب نقاط التوتر في بعض أجزائه دون تدخل لنزع فتيل الحرب والمواجهة وتطبيق مواد تلك المعاهدة بوعي وإدراك أممي يرى ضرورة مراقبة النشاط النووي ومفاعلاته والتأكد من استعمالها للأغراض السلمية.
ماذا يريدون بعد؟ وقد تحققت أهدافهم بنسبة عالية في مسلسل أشبه بالعرائس الخشبية الروسية التي توضع كل واحدة منها في جوف الأخرى إلى ما لا نهاية، فقط يؤمن في حلقته الأولى بالأطروحة الغربية الشهيرة ما من عدو دائم، أو صديق دائم، وقد يكون مقبولاً بحق الذين لم يبلغوا رشدهم، ويجب أن تفرض عليهم الوصاية من الراشدين وليس مقبولا في حق الراشدين الذين يقدمون الحلول الدبلوماسية والشرعية الدولية في كل قضية من قضايا المجتمع الدولي، وهذا ما يجب أن يفهمه نظام العسكرتاريا العربي والأجنبي على السواء بنظرياته الفولاذية والذي يجري تجاربه على الإنسان ويستخدم في معامله ومختبراته القوة في إثبات معادلاتها، متجاهلاً المحصلة النهائية التي تساوى فيه العصر الأوردوفيشي البائد بديناصوراته المنقرضة بعصر العولمة الحاضر بشبكاته العنكبوتية ونسيجها الإلكتروني، ولو أطل علينا التاريخ بزرقاء اليمامة التي تحذِّر قومها من طلائع الآخرين لاستعصت عليها الرؤية في هذا الوقت لأن القادم كبير، وبناء على الدور الأعمى سيبقى المستقبل مجهولاً على العقلاء في هذا العالم.... والله من وراء القصد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved