Friday 31th January,2003 11082العدد الجمعة 28 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

منافع العبادات منافع العبادات
د. محمد بن سعد الشويعر

إن تعدد مواسم العبادة، مع تجديدها النشاط عند الإنسان، فضل من الله له تخفيف على نفسه الضعيفة، حتى لا تمل أو تسأم، إذ يجب أن يتجدد بذلك شكر العبد، فيرتبط قلبه بخالقه عقيدة، ويتقوى بدنه بشرع الله الذي شرع سبحانه لعباده: عبادة وعملاً..
وقد اقتضت حكمة الله ان كانت السنّة كلها مواسم متتابعة: وجدانية وبدنية، نفسية وخلقية، حتى لا يمل أو يسأم، فيتعبد المرء خالقه فيها بقدر طاقته، وما يتجدد معه نشاطه المفيد لجسمه وعقله.. فالصلاة عبادة وموسمية ثابتة في اليوم والليلة خمس مرات، وقد علم الله ضعف العبد، ونسبة قدرته، فخففها عليه وأعظم أجرها، ثم يسّر أمرها حسب طاقته، بحيث لا تشغله عن متطلبات الحياة، حضراً أو سفراً، ولا تؤثر في طاقته العلمية، بل تزيده نشاطاً وحيوية، ففيها نشاط بدني، وصحة في المفاصل والعظام، وهمة وجدانية وهي صلة بين العبد وربه، ومحبة بين المتجاورين.
أما الشهادتان: الوحدانية مع الله بالربوبية وفي العبادة، وأن محمداً نبي مرسل لجيمع الثقلين فيجب طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وهذا ما يسمى عقيدة التوحيد، الذي هو عبادة ملازمة للإنسان في سكناته وحركاته، وهي مرتبطة بالعبادات الأخرى في كل موقف، وحاجز للإنسان عن الكفر والشرك، وأخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها ثقيلة في ميزان العمل عند الله.ولئن كانت خفيفة في المحل، فإنها مع الصدق والإخلاص، عميقة الأثر في الوجدان والدلالة، حيث تجعل القلب المتيقن لا يتعلق بغير الله ولا يصرف أي نوع من العبادات إلا لله سبحانه، فتفيد الإنسان الالتزام وراحة القلب والقضاء على الوساوس والمؤثرات«ألا بذكر الله تطمئن القلوب »
أما الزكاة فإنها تعني شكر الله على ما أفاء على العبد من مال، وهو عنده وديعة لأنه مال الله ممتحن فيه، ماذا يعمل فيه؟ وبأي مصرف يؤديه؟ هل يكون معيناً على طاعة الله، أم يدفع صاحبه للمعاصي، وبذله فيما يعود عليه بالضرر صحياً ونفسياً واجتماعياً.. فيجب أن يعرف صاحب المال، أنه وديعة عنده، مسؤول عن مداخله ومخارجه.. فيكون من منافعه أن يوسّع على نفسه ومن تحت يده من ولد وأهل بالحسنى، دون تقتير أو إسراف، ودون بخل أو تبذير، لأن الله يحب الوسط ويحب من عبده إذا أنعم عليه أن تظهر آثار نعمته عليه.. ومن منافع الزكاة أن يحرص صاحبها على تنقية ماله وتطهيره بإخراج حق الله فيه لأصحابه الثمانية الذين ذكرهم الله في سورة التوبة، بطيبة نفس، وإخلاص لله، لأن في ذلك تكافلاً اجتماعياً، وجبراً لخاطر الفقراء والمحتاجين، وإزالة لسخيمة قلوبهم، وتوطيداً للألفة والمحبة بين أفراد المجتمع.
أما موسم الصيام الذي لا يأتي في السنّة إلا مرة واحدة، فهو من أنفع العبادات، وأحبها إلى الله، لأن خلوف فم الصائم أحب عند الله من ريح المسك.. وهو موسم سنوي يتجدد فيه نشاط الجسم صحياً ونفسياً، «صوموا تصحوا»، حيث يؤدي فيه المسلم ركناً من أركان الإسلام المكينة، بعبادة بدنية خالصة لله ولعظم أجر الصيام، الذي هو سرّ بين الإنسان وربّه، هيأ الله للصائم ما يعينه على هذه العبادة، فالشياطين تصفد، والسحور فيه بركة، وللصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ويتولى الله سبحانه جزاء الصائم، لأنه ترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجل الله، واستجابة براحة نفس، وطواعية للخالق، ومن يتولى الله جزاءه فقد فاز وأفلح، ذلك أن لكل عبادة تجديداً وتنشيطاً، بحسب الموقف، ولها تعظيم وأجر، بحسب شرف الزمان وشرف المكان، إذ جعل الله لكل موسم من مواسم العبادات، مكانة ومنزلة، ولذة في الأداء، ونشاطاً على العمل بما يتلاءم مع قدرة البدن، وما يتوافر من أسباب تعين على التحمل والعبادة، ولا يكلف سبحانه إلا ويعين: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها».
وفي مثل هذه الأيام من كل عام، يستبشر المسلمون بموسم الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، مرة واحدة في العمر إذا توافرت شروطه التي تعني الاستطاعة: بدنياً ونفقة وأمن طريق.
وكل مسلم تشرئب عنقه إلى بيت الله الحرام، مع دخول أشهر الحج، ويتطلع إلى المهمة الكبرى التي أرادها الله في حكمة تشريع الحج، وما يتحقق من وراء هذا المقصد الكبير الذي من منافعه الظاهرة:
اتحاد أهداف المسلمين ومسيرتهم جماعياً لكل شؤون مشاعر الحج، مما يعنى أهمية الوحدة ونبذ الخلافات فيما بينهم حتى يكونوا يداً واحدة على عدوهم اليهودي الجاثم على أرضهم، الظالم للضعفاء والأبرياء المنتهك للحرمات.
ويتوحد لباسهم ومظهرهم مما يشعر بالتواضع والخضوع لله، حيث جاؤوه من أطراف الدنيا، شعثاً غبراً، حاسري الرؤوس، خاشعين لربهم، لأن من تواضع لله رفعه، ومن جاء معترفاً بذنوبه غفر له.كما يعنى الالتباس بالإحرام: الانقطاع عن ملذات الدنيا، وحفظ اللسان عن الرفث والفسوق، والامتناع عن محظورات الإحرام بحبس النفس، وتعويدها القمع عن الشهوات، مما يقوي العزم على كبح ما تتطاول إليه النفوس من ملذات ورغبات. يتساوى في ذلك الغني والفقير، والشريف والطريف، ويذكرهم هذا الموقف، بالمحشر يوم القيامة، عندما تجتمع الخلائق في ذلك لرب العالمين: لا مظاهر ولا مناصب، إلا من أتى الله بقلب سليم، وعمل صالح مرضي عند الله.
وإن الحاج عندما يذهب مع بقية الوافدين لبيت الله الحرام، لرمي الجمرات في أيامها وأوقاتها، فإنما يعطي انطباعاً عما يجب على المسلمين، من تنظيم لأنفسهم وتوحيد لصفوفهم ضد عدوهم، فالإسلام لم ينتشر إلا بعدما فرض الجهاد، وما جاهد المسلمون طمعاً في دنيا، أو تلذذاً بمكسب ولكنه أمر الله، حتى ينتشر دينه، وحتى تقوم الحجة على من سمع فلم يستجب، ومن دعي لدين الله ولم يرغب فيه، ذلك أن مجاهدة الشيطان، تقود إلى مجاهدة النفوس.
وذكر الله وتكبيره سبحانه منفعة عظيمة للنفس البشرية، بل للمجتمع كله، حيث ان تكراره في كل لحظة من لحظات الحج، وفي كل موقف من مواقفه، يعطي الإنسان أهمية، بتواصل الرابطة الوجدانية مع الله سبحانه، لأنه مسبب الأسباب ومجزل النعم، يعطي عباده الكثير، ولا يطلب منهم إلا القليل، فيرضاه منهم، ويجزل لهم العطاء والرضوان..
وهل هناك منفعة أكبر وثواب أجزل، مما يحصل في يوم عرفة، حيث يباهي سبحانه الملائكة بعباده الواقفين في ذلك المشهد الخاضعين فيه لربهم، فيشهد جل وعلا ملائكته أنه قد غفر لهم، حتى ان الشيطان ليحثو على نفسه التراب ويدعو بالويل والثبور على خسارته بالمعصية، وحسده لهؤلاء الذين يرجعون من حجهم، برضوان الله ومغفرته.
فما أجزلها من تجارة يعود بها الحاج لأهله بعد انتهاء مناسكه، التي أعانه الله عليها بحسن الأداء وكمال الطاعة.
رؤيا أثمرت عدلاً:
ذكر ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية في حوادث عام 448هـ: أنّ البساسيري جاء إلى الموصل، ومعه نور الدولة دبيس في جيش كثيف، فاقتتل مع صاحبها قريش، ونصره قتلمش بن عم طفر لبك، وهو جدّ ملوك الروم، فهزمها البساسيري، وأخذ البلد قهراً، فخطب بها للمصريين، وأخرج كاتبه من السجن، وقد كان أظهر الإسلام ظناً منه أنه ينفعه، فلم ينفعه فقتل، وكذلك خطب للمصريين فيها بالكوفة وواسط وغيرها من البلاد، وعزم طفر لبك على المسير إلى الموصل لمناجزة البساسيري فنهاه الخليفة من ذلك لضيق الحال وغلاء الأسعار، فلم يقبل.
فخرج بجيشه قاصداً الموصل بجحافل عظيمة، ومعه الفيلة والمنجنيقات، وكان جيشه لكثرتهم ينهبون القرى، وربما سطوا على بعض الحريم، فكتب الخليفة إلى السلطان ينهاه عن ذلك.
فبعث إليه يعتذر لكثرة من معه، واتفق أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فسلّم عليه فأعرض عنه، فقال: يا رسول الله لأي شيء تعرض عني؟
فقال: «يحكّمك الله في البلاد، ثم لا ترفق بخلقه، ولا تخاف من جلال الله عزّ وجلّ». فاستيقظ من نومه مذعوراً وأمر وزيره أن ينادي في الجيش بالعدل، وأن لا يظلم أحدٌ أحداً.
ولمّا اقترب من الموصل فتح دونها بلاداً، ثم فتحها وسلمها إلى أخيه داود، ثم سار منها إلى بلاد بكر، ففتح أماكن كثيرة هناك، ونشر بها العدل (البداية والنهاية 12:93 - 94).

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved