Sunday 2nd february,2003 11084العدد الأحد 1 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

واقعنا الثقافي والعولمة.. أولى ندوات الاحتفالية السعودية بمعرض الكتاب واقعنا الثقافي والعولمة.. أولى ندوات الاحتفالية السعودية بمعرض الكتاب

* القاهرة مكتب الجزيرة - شريف صالح:
رغم سخونة الموضوع «واقعنا الثقافي والعولمة الا ان الندوة غلبت عليها روح الود والمحبة والسماحة. شارك في الندوة ثلاثة من أبرز الاكاديميين السعوديين على مستوى الوطن العربي وهم الدكاترة محمد بن عبد الرحمن الربيع وعبد العزيز السبيل وسعد البازعي. والطريف ان الدكتورين الربيع والسبيل تبادلا ادارة الندوة في حين اكتفى الدكتور البازعي بمقعد المتحدث فقط.
وللحق وخلافا للكثير من انشطة المعرض التزم المتحدثون بالوقت المحدد للندوة في البدء والختام. افتتح الكلام الدكتور الربيع مشيرا الى ان العالم اصبح قرية كونية يتبادل التأثير بعضه في بعض وان كان الغلبة للأقوى في خاتمة المطاف.
وبدأ الدكتور سعد البازعي قراءة ورقته البحثية في الموضوع وكانت اقرب الى الخطوط العامة وتسجيل ملاحظات أشار في البداية الى ان هناك ثلاث سمات تشكل ما يسمى بظاهرة العولمة اولها اننا نعيش وضعا غير مسبوق في مجال الاقتصاد والاتصال تحديدا يتسم بالتوحد في نمط بعينه ويبدو من خلاله ان جزءا صغيرا من العالم يفرض هيمنته على العالم.
السمة الثانية ان عملية التوحد الاقتصادي الاتصالي ليست عملية تبادلية وانما هي واحدية الاتجاه يملك التأثير فيها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تحديدا ويبقى القول ان الظاهرة وتلك السمة الثالثة ليست شرا كلها ولا خيرا كلها.
وتطرق د. البازعي الى مستويات التأثير التي تمارسها العولمة على عالمنا العربي والاسلامي مثلما تمارسها على شتى بقاع الارض وهي المستوى الاقتصادي الاتصالي والمستوى الثقافي الشعبي واخيرا على مستوى النخب المثقفة اكد البازعي ان العولمة في مسارها الاقتصادي والاتصالي تحدث قسريا واندماجيا يتجلى ذلك في شبكة الانترنت ومعاملات البنوك والشركات متعددة الجنسيات فنحن هنا ازاء سبل متدفق يفرض علينا ويترك آثارا بعيدة على انماط الملبس والمأكل وما يشيع بين الناس من حديث وانماط ولغات اجنبية وما شابه.
ولأن العولمة ليست نظاما اقتصاديا فحسب وانما هي كيان معقد ومتشابك على مستويات عدة فان ردود الفعل تتباين ازاءها مع استمرار التفاعل والتعولم نظرا لأنها ظاهرة لها اسبابها الموضوعية التي لا يمكن الهروب منها. هذا التعولم قد يكون ايجابيا وبناء يستفيد منها ويقاوم سلبياتها وقد يكون التعولم مشوها على مستوى رد الفعل الثقافي الشعبي نجده متسما بالازدواجية حيث تتجاوز الازياء المحلية والعولمية وتحتفي المطاعم بالمأكولات العالمية والمحلية تتجاوز معا اضافة إلى أن التفاعل معها لا يحدث في أحيان كثيرة على الوجه الصحيح عوامل غير صحيحة ومحاولة انسلاخ من الهوية او التناقض معها.
ولا يختلف الامر كثيرا على مستوى النخبة في محاولاته المتكررة للاستجابة للثقافة الاوروبية فمثلا والكلام للبازعي حين قدم طه حسين لمنهج ديكارت في دراسته للشعر الجاهلي قدم نموذجا حادا في ضرورة تبني الثقافة الغربية وفرض هيمنتها وهو طه حسين نفسه الذي قدم اسلامياته الشهيرة.
واستشهد البازعي بدراسة جورج طرابيش عن مذبحة التراث ونماذج العقاد وزكي نجيب محمود وغيرهما ليؤكد ان هناك موقفا مزدوجا متوترا وقلقا ثقافيا تجاه الثقافة الغربية حتى لدى اكثر المتحمسين لها.
كما اشار الى دراسة باحثة امريكية عن الشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي قدمته كنموذج للحداثة الشعرية العربية حيث تأثرت باليوت في تطوير القصيدة لكنه ايضا كان ناقدا له كما انه اي السياب عاش مقاومة ثقافية للاستعمار من خلال قصائده ومقالاته واستنفاره للتراث ورموزه في عملية المقاومة.
يؤكد البازعي على ان العولمة في مسارها الثقافي شديدة التعقيد ويصعب رصدها وتحليلها فان كانت الولايات المتحدة تمارس عولمة اقتصادية واتصالية تشتكي منها اوروبا نفسها سنجد بالمقابل ان اوروبا ما زالت تمارس على امريكا عولمة ثقافية حتى الآن كما انه لا احد يفرض ثقافة على اخرى بل توجد ثقافة متاحة عن طريق الترجمة او الاطلاع على الاصول وتبقى حاجة الآخرين ورغبتهم في التلبس بما في ثقافة الآخرين من تميز. بهذا المعنى نذهب كعرب الى الادب الغربي ونترجمه لكنه لا يفرض علينا ولا ينفي هذا جدلية العلاقة وتوترها وامكانية النقد والمقاومة باستلهام الهوية وعناصر التراث.
وتحدث الدكتور عبد العزيز السبيل مشددا على دور الهوية في مقاومة مشروع العولمة او الامركة وضرورة تفعيلها في مشروع حداثي بديل وقال ان هناك حالة من الاغتراب في مدننا العربية سواء في العمارة او في المشاكل او في الاماكن. هذه العولمة المكانية امتدت الى مختلف مناحي الحياة مما جعلنا نشعر بأن حياة اليوم ليست كحياة الامس لكننا لم نطرح بعد بشكل حقيقي هويتنا العربية الاسلامية بما لها من خصوصية في المكان وامتداد هذه الهوية على واقعنا الفكري والسياسي والاجتماعي.
واضاف ان المبدأ الذي جاءت به العولمة هو توحيد نمط الحياة من منظور غربي في اغلب الاحوال وهناك اسباب تجعلنا نخضع لهذا النوع من الحياة نتيجة اننا مغلوبون على امرنا ازاء الحضارة الغربية الاقوى وهو ما اكده قديما ابن خلدون.
كما اشار الى ان القوميات التي لا تملك رسالة مهمة يسهل لها الانسياق في مركب العولمة ولكنه حين يكون لأمة مثل امتنا رسالة عظيمة يصبح الامر مختلفاً فالعولمة قادمة وقد فرضت نفسها وهناك من يسير في ركبها دون وعي بما يجري والبعض يتوقع دونها والمتوقع من الفئة المؤثرة ان تعي الواقع واخطاره حتى ثوابتنا الاساسية. فلم يعد هناك مكان مع اغلاق الباب لانه تنفتح ابواب وابواب اخرى اتسع الخرق على الراقع واستدل السبيل بنماذج للمقاومة في مناطق كثيرة في اوروبا وامريكا حيث توجد اقليات تتسم بتجربة ناجحة في المحافظات على ثقافتها المحلية وهذا مع الكثير من الاقليات العرقية. وفي ظل التقارب بين اجزاء العالم الجغرافية نشعر ان العالم الاسلامي بدأ كأقلية في ظل المد الغربي الكبير. من هنا يمكن الاستفادة من نموذج واقع الجاليات الاسلامية في العالم الغربي كنموذج للمقاومة.
وأكد د. السبيل ان احداث ما بعد 11 سبتمبر تؤكد تصميم الغرب على لعب دور في تغيير العالم العربي والاسلامي ولن يجدي بنا الغضب والشجن وانما نحن بحاجة الى رد فعل ايجابي مثمر ينفع الناس ويمكث في الارض وياليت ان يكون هناك مشروع عربي اسلامي موحد وان تعددت صياغاته لكن المحزن ان عدوى السلبية انتقلت من عرب المكان الى عرب المهجر.ان عالمنا العربي بحاجة الى توحيد الجهود للتعامل مع الآخر على الاخذ في الاعتبار ان الغرب ينظر الينا كتكوين واحد ثقافي وديني والتي تعبأ كثيرا بالفروق الجغرافية بين اقطاره لهذا فالجهود الفردية سعودية او مصرية تحقق الكثير. من هنا يجب التخلي عن الخصوصيات الضيقة في مقابل التمسك بأن الافعال اعلى صوتا من الاقوال.
واضاف السبيل اذا كنا نأمل بدور اكثر ايجابية في العالم فيجب ان نعي ان الاسلام لا يطرح نفسه بديلاً للعولمة بمعناها العام لان الاسلام يترك حيزا كبيرا لخصوصية المجتمعات من حيث عاداتها وتسلم حياتها ما دامت لا تتعارض مع مبادئه السامية حتى ان جزءا من الاحكام الفقهية يحدده العرف لكن للاسف الصوت الاقوى في قضايا الامة الاساسية كون لانصاف المتعلمين الذين تنقصهم المعرفة بواقع مجتمعاتنا وما يدور على الساحة الفكرية العالمية وهو لا يتمكن حماسهم الديني على منهج علمي وانما يعتمد على حسن النية وهذا لا يكفي للتنظيم للفكر الاسلامي وتحقيق الحضور في عالمنا.
ان جزءاً ويضيف السبيل من ازمة واقعنا يتمثل في غياب الحوار العلمي الذي يرحب بسماع افراد المجتمع فيحدث الصراع والنزاع مما ينعكس سلبا على تحرك المجتمع للامام شعور الفرد بأنه يعيش حالة من عدم التوازن مع واقعه المعاش. وبدلا من ان يكون الخلاف المجتمعي والفقهي عاملا للحوار مع الذات ومع الآخر لتأكيد التعدد والاختلاف يتحول الى عامل قامع للآخر ومعطل للطاقات.
عدم التبعية:
وأخيرا تحدث د. محمد عبد الرحمن الربيع عن علاقة العولمة بمفهوم التبعية مشيرا الى ان ما قيل سابقا يوفر عليه الكثير ودعا الى عدم التقوقع او الانسحاب والذي بان ازاء الظاهرة وضرورة التفاعل الايجابي معها من خلال شروط ومبادىء عامة اهمها التمسك بالثوابت والاصول فدعم اختلاف البعض حول معنى الثابت والمتغير ولكن مع الاجتهاد في الوصول الى الحق ومقاربته يمكن للمفكرين الوصول الى ثوابت معينة يتفق عليها دون ان ندخل فيها ما ليس منها.
المبدأ الثاني هو القدرة على التكيف الواعي مع المستجدات والمتغيرات وعدم اتخاذ مواقف مسبقة بل يجب بناء استراتيجيات عقلانية ايجابية تتفاعل مع الظاهرة ويحقق مشاركة فعالة وتقيم حوار الانداد لاخطاب الاستعلاء والتبعية معتبرا ان العولمة يمكن ان تكون فرصة ذهبية لتأكيد عالمية الدعوة الاسلامية لو استفدنا منها لانه ليس بالضرورة ان يكون القوي العضلات قويا في الفكر.
عقب ذلك ادار الدكتور عبد العزيز السبيل النقاش مع القاعة وتوجيه الاسئلة والمداخلات ورغم ان حديث القاعة لم يخرج كثيرا عما قاله الاساتذة على المنصة لكن المناقشة اظهرت مدى التفاعل ورغبة الجمهور الكبير في الخروج من المأزق الذي نعيشه اليوم وكان السؤال الذي تردد كثيرا هو كيف نقاوم العولمة وكيف نطرح بديلا. وأكد الجمهور ومعظمه من الاكاديميين في الجامعات المصرية على رفض صور الهيمنة والامركة وتوحيد الصف العربي الا نصبح مثل النكتة التي تقول: ان يحكى في الف ليلة وليلة ان اثنين من العرب اتفقا!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved