Sunday 2nd february,2003 11084العدد الأحد 1 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لكم مناهجكم ولي منهجي لكم مناهجكم ولي منهجي
د.موسى بن عيسى العويس/ إدارة تعليم منطقة الرياض

هممت بادئ الأمر ان أجري مقالي بلسان أحد أبنائنا الذين تشتد عليهم في هذه الأيام من كل صوب وطأة التغيير، أو كما يقول بعضنا على سبيل المبالغة نزعة التغريب، وبخاصة فيما لو استمر هذا الزخم من معطيات حضارات الأمم في اكتساحه للمجتمعات التي بدأت تشعر للأسف بالانهزامية الثقافية، أو فقدان الهوية، لكني صرفت النظر عن ذلك حينما أدركت أننا في هذه البلاد لسنا بدعا من الأمم والدول في هذا الاتجاه، بل زادني ثقة في المشاركة صلابة المجتمع بقياداته السياسية والفكرية والتربوية، ووقوفه أمام كل من يحاول ان يمس مناهج التعليم في هذه البلاد التي لها خصوصيتها بوصفها مستمدة من مصدرين عظيمين لايعتورهما القصور، أو يتسرب إليهما الشك.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة وما تبعها من انقلابات عنيفة في سياسات الدول أننا بأمس الحاجة إلى الثبات أمام وثبات الآخرين، لاسيما وقد ثبت بما لايدع مجالا للشك ان هذه المناهج من أمضى الأسلحة التي لا يمكن ان نساوم على التخلي عنها، بعد ان تراجعت أو كادت أسهم الأدوات الأخرى التي كان لها ثقلها فيما مضى على المستوى السياسي.
أمام تلك الوثبات الآثمة من الغرب تنامى شعور المسؤولين في وزارة المعارف، فسعوا جاهدين نحو التحديث والتطوير والتقويم للمناهج بمفهومها الواسع، فاستطلعت آراء المختصين، وعقدت اللقاءات والندوات في سبيل الحفاظ على أعظم الكنوز التي استأثرنا بها دون غيرنا، حين تهالكت مقومات الحضارات الأخرى المادية، وأدت بمجتمعاتها إلى دوامة من الانتكاسات الاجتماعية. ومما يؤسف له أن يكون المقياس المادي محورا تدور عليه دوافع التطوير للمناهج عند البعض، متناسين المخرجات السلوكية المحمودة التي أجزم أننا على الرغم من عدم الرضى عنها لسنا أسوأ من غيرنا، ولكن كما يقال زامر الحي لا يطرب.
في خضم هذا الجدل الثقافي المحموم الذي يدور على أكثر من محور في هذه الأيام قفزت بي الذاكرة إلى ذلك الجدل الفكري الذي نشب في مصر مطلع القرن العشرين حول مستقبل التعليم فيها إبان الانحسار السياسي الاستعماري عنها وبقاء بذوره، وذلك على إثر الدعوة التي وجهها الدكتور طه حسين يوم أن كان وزيراً للمعارف بضرورة التغيير والتطوير والانفتاح، لاسيما وقد رأى أوروبا التي كانت بنهضتها العلمية مدينة للعرب والمسلمين في بعض سني تطورها لم تستطع أمته مجاراتها حاضراً أو الدنو منها.
ومن غريب الصدف ان يكون تعلم اللغة الانجليزية ومدى جدواه في التعليم العام، ومحاولة غرس الوطنية بمفهومها الأوروبي في مناهج التعليم والمحاذير الدينية، هي مثار الطرح والحوار بين أصحاب الاتجاهات الفكرية المختلفة في ذلك القطر. هذا الأمر يفرض تساؤلا واسعاً على قارئ الواقع الذي نعيشه نحن في هذه الأيام. هل بدأنا في دراسة مناهجنا من حيث انتهى الآخرون؟ هل لازلنا نعيش في عصور التقليد؟ أليس من الأولى الإفادة من تجارب الآخرين، لاسيما وأن تلك الأطروحات كانت في بلد نتفق معه جنساً ولغة ودينا إلى ما هنالك من أواصر. كل هذه تساؤلات زاحمت الأفكار سأعرض عنها، رغم جدارتها بالوقوف عندها وإشباعها، وهو ما سأتناوله في مقالات لاحقة إن شاء الله.
ورغم اختلاف التربويين في هذه البلاد على محاور التطوير إلا أنهم لا يملكون إلا الإشادة بنهج الوزارة في عصف أفكار الميدان التعليمي والتربوي، حيث إنها لم تقف مكتوفة الأيدي، ولم تعصب أعينها عن منافذ التطور، فطرحت العديد من التجارب والمشاريع التربوية في سنوات معدودة، وجهدت في التماس الأصلح منها،وما لا يتعارض مع الدستور الذي قامت عليه هذه البلاد، أو لا يتفق مع أخلاقيات المجتمع، وسعت إلى فتح باب النقد على مصراعيه، ورحبت بكل طرح علمي وتربوي جاد مبني على أسس علمية مدروسة، فحينما طرح مشروع تدريس التربية الوطنية لم يكن القائمون على إعداد مقرراتها غافلين عما أفضت إليه الاتجاهات الوطنية في بعض الدول التي تتلاشى فيها الروابط الأخرى من نكبات، فسعى القائمون على تأصيلها وفق المنهج الشرعي حتى تبلورت على هذه الصورة ولله الحمد. صحيح أننا لم نأخذ في الحسبان حين طرحها دراسة جدواها اقتصاديا أمام ماهو أولى، إذ ربما عاد بنا هذا التفكير إلى التراجع أو التأني في صياغتها، مع أنني أجزم ان قيادات الوزارة تمتلك من الجرأة والثقة مايدعوها إلى سبكها ضمن المواد الشرعية واللسانية والإنسانية التي هي وعاؤها الحقيقي والمصدر الذي انطلقت منه بعض مفرداتها، لاسيما وقد صيغت المناهج المدرسية صياغة حديثة مبنية على التكامل تحولت معها المادة إلى ممارسات من خلال الوسائل والأساليب الحديثة بعد ان كانت قوالب نحفظها دونما فهم حقيقي.
وليست اللغة الانجليزية في المرحلة الابتدائية التي تتبنى الوزارة هذه الأيام دراسة جدواها تمشياً مع التوجيهات السامية ببعيدة عن ظروف المقرر الذي أشرت إليه آنفاً.
ذلك أن اللغة لأي أمة من الأمم جزء من هويتها وتشكيلها الثقافي، بل ومصدر من مصادر اعتزازها ومن حق الأمم ان تدافع عن كيانها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا لكنني أعتقد ان الجميع يتفق على الحاجة إلى إيلاء اللغات الأجنبية عندنا مزيدا من الدرس والاهتمام، بعد ان هدمت حواجز كبيرة بين الأمم والدول، ولكن يبقى الاختلاف محصوراً في مرحلة تدريسها ومظنة أثرها السلبي على النشء.
اختلاف لايضير في نظري متى سمت الأهداف، وما على الوزارة إلا ان تمضي قدماً في هذا المشروع وغيره آخذة بما تثبت الدراسة ملاءمته وجدواه، وما يخدم حضارة هذا المجتمع ويحقق أهدافها، رغم أنني اختلف مع بعض من ينبري لتدريسها أو يندفع دونما تروٍ أو إعمال نظر، فتدويل اللغة الانجليزية التي تتخذ حجة، والإشادة بتجربة المستشرقين حين عكفوا على تعلم اللغة العربية ودراسة آدابها، والتعمق في حضارة العرب والمسلمين وتاريخهم وتحقيق مآربهم الاستعمارية ليست أدلة دامغة، إذ لا يعدو هذا الانسياق في نظري كونه تكريساً للانهزامية والتبعية التي استحكمت علينا حتى خبت الأصوات التي كانت ولازالت بالمحافل تنادي بتدويل اللغة العربية. أما تجربة المستشرقين فمن الطبيعي ان يكتب لها النجاح، لأنهم أغاروا على حضارة أثرى من غيرها فوظفوها لخدمة حضارتهم. أما حضارتهم في معطياتها للإنسانية فهي أقل من ان نلتمس الأسباب لاستيعابها، وكم كنا نتمنى كما يقول الدكتور محمد محمد حسين ان يكون لنا من الاكتشافات العلمية ما يحمل الآخرين على المطالبة بتدويل لغتنا. ويقيني ان الوزارة وعلى رأسها معالي الوزير في طرحها الجاد لهذه القضية ستظهر بأفكار أخرى حيال هذا المشروع على نحو يحقق أهدافها، حتى ولو اضطرت إلى فتح مسارات أخرى لتدريس اللغات الأجنبية في المراحل العليا من التعليم العام، أو تبنت إنشاء معاهد عليا لتأهيل الراغبين، إذ ربما كان ذلك أخف ضرراً، وأقل مؤنة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved