Thursday 6th february,2003 11088العدد الخميس 5 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حسن صيرفي حسن صيرفي
قراءة في (جغرافية) إنسان..! (2-2)
محمد الدبيسى

فهو.. المنسوج بتلك الوشيجة العظمى.. للحياة.. والإنسان بداخله.. والإنسان في الآخرين..
ويدرك تماماً.. أنه بقوة داخلة.. وعنفوان حيويته الإنسانية الباذخة.. والتي لا يزيدها الزمن إلا وهجاً.. ويحيا لحب الآخرين ويمتزج بهم.. ويحبه الآخرون..
باحثون من مختلف الفئات والتخصصات.. يأتون ليسألوه في تاريخ المدينة.. أو الحركة الأدبية فيها..
أو عن علم من أعلامها..؟
يعطيهم من وقته ونصحه.. وتوجيهه.. بامتنان بالغ لهم..!
دونما إشارة إلى صنيعه ذلك.. أمام الآخرين..!
فهو من أزهد الناس في الحديث عن نفسه..!
وقد عاصر تاريخ المدينة الحديث وتحولاته.. ومفاصله المهمة..!
فصار مرجعاً مهماً له
وراصداً يقينياً لكثير من تفاصيله..
في بداية شهر رمضان.. لم أجد العم حسن..
وجدت.. مركازه.. (الكرسي الحديدي)
الجالس بهيبة وحزن.. على دكة منزله..
وعلمت أن ينقطع عن الناس.. حيث يقضي
كل الشهر في الحرم النبوي الشريف..
ولايخرج إلا ليلة العيد..!
وذكر لي (الصديق) نايف فلاح.. أن
العم حسن.. قد درَّس الفقه المالكي
بالحرم النبوي قبل.. سبعين عاماً..!
وهو ما لم يذكره لي العم حسن.. ولن يذكره..
لظنه.. أن في ذلك إشارة
إلى علوّ (أناه).. وخصوصية ذاته..!
فعن كل شيء يتحدث العم حسن إلا عن ذاته..!
ويعد مؤرخو الأدب السعودي (حسن صيرفي)
من جيل الرواد في الشعر المعاصر..
وإذا ما سألته قال:
(هي مجرد محاولات..)
ويوهم من حوله بأنه قد أخذ حقه الأدبي حضورا..
وشهرة.. واحتفاء إعلامياً..!
بالرغم من زهده المبكر بكل ذلك..
فحضوره الإنساني.. وتركيبة فضائه التعاملي،
تشغل عن شعره وتجربته الأدبية..
كل من يقترب منه أو يتعامل معه..!
(العم حسن).. ؟ هويته التي تعارف عليها محبوه وأصدقاؤه.
وصارت العهد الذهني.. الحاضر في تداعيه..؟
كلما لاح شخصه أو ذكره..!
مثقفون وشعراء.. ووزراء.. ورجالات دولة في
مناصب قيادية.. من أبناء المدينة.. يأتون لزيارته..
في أوقات متفاوتة.. يقبِّلون جبينه.. ويلاطفهم ويلاطفونه..
يتحدثون إليه بأدب جم.. وإكبار واضح..
استثبت فيهم (حسن صيرفي) جذراً للعلاقة الأبوية.. غير جذرها النسبي..!؟
للحد.. الذي يعلم فيه العم حسن.. تواريخ ومناسبات ولاداتهم..
فكان أن أينع نبته فيهم الوفاء.. الذي هو أصله..
بسطاء ومتسولون.. يغشون منزل العم حسن
وكلهم يجد مراده لديه..!؟
لم يحظَ العم حسن بأضواء
إعلامية.. ولا بوميض فلاشات.. ولم يحتج إلى
ملاحق دعائية احتفائية..؟!
انصرف عنها مختاراً..
وتعالى عليها، لأنه يجد سمو ذاته في قرارات
نفوس من حوله..
فقضيته الأولى (الإنسان)
وذلك الوهج المضيء.. في نفوس كل من حوله..
يسعد معهم.. بجلسة لدقائق أو ساعات.. ويندلق
معهم بعفويته.. وهو
يستقرئ احتفاء دواخلهم.. بوجوده وحضوره..!
في ندوته الثلوثية.. اعتبار متسام
للثقافة بمعناها الشمولي..
ودلالتها الاجتماعية..
أدباء وشعراء.. وأنصافهم.. وشداة
معرفة ومدَّعون.. وعلماء.. ومتعالمون..
كلهم يتحدثون..
شيوخ.. وصغار سن..
وكلهم يتكلمون..!
إلا العم حسن يستمع..
وإذا ما تحدث..
جعل حديثه.. في إيقاع الاحتمالات.. لا القطع والتأكيد..!
وإذا ما أخطأ .. أحدهم.. التف العم حسن بمهارة
مربٍ.. وتواضع مدرك.. ليصحح له..!
ولم أجد من يمتاز بهذه الميزة الراقية في الحوار
فيمن عرفت إلا أستاذنا (عبدالرحمن المعمر)
يبجل (العم حسن) في مجلسه أصحاب المعالي.. والسعادة..
بنفس القدر.. الذي يندلق من روحه النقية لغيرهم..
من العامة من الدهماء...!
تبدو تركيبته النفسية.. كما تعكسها تصرفاته.. عفوية مطلقة..
تجسد تسامي الذات.. في أخلاقياتها السلوكية..
حتى تتلاشى في أفق ذلك التسامي.. تحتيات الفروق الفردية
المعلنة بين الناس..
وليكوّن العم حسن بانوراما
نادرة.. لنموذج إنساني.. بهذه التركيبة..!
يحرق العم حسن في تعامله عوامل التاريخ.. والسن.. والتجربة..!
ليحس كل من يتعامل معه.. بألفته.. وحميمية روحه..!
(العم حسن) بكل ذلك الوقار المتعالي..
و(العم حسن).. بكل ذلك العمر البهي..
و(العم حسن) بكل تلك التجربة الثرية..!
لست أدرك سبباً لإحساسي بهيبة
حديثه.. وتقاطع ملامح وجهه.. وإيحاءات
عينيه.. وحركة يديه..؟
لألمّ بثراء مايقول..!
أدرك بعدها يقيناً.. أن هذا الشيخ
وبجلال عمره الطويل..
قد أوغل في فهم الحياة.. وفنيات
التعامل معها..
حتى راقت روحه.. وحواسه..
بالمعنى الأسمى.. لصفاء الإنسان..
وبراعة الفنان..
ومروءة الرجال..
في هذا الكون الحافل بالكثير من أنداد
العم حسن سناً..!!
... أستثنيه إنساناً.. يصوغ
لحياتنا.. قانوناً آخر.. يحتفي بالنبل..
ويتدرع بالطهارة..
ابتنى وجوده الضخم في الآخرين.. باعتبارات ذاتية..
.. تنبع من ذاته العلية..!
ولم يبتنيها وجاهة.. في حضرة أصحاب
الحيثيات..!
فلا تجده في مآدب الكبار وظيفياً..!
ولا في مسامرات ثقافة البيروقراط!!
فعظمة خبيئته.. أهّلته لأن يحض
بتبجيل واحترام كل أولئك..
فهو (حسن مصطفى الصيرفي)..!
و(العم حسن) علامة متجذرة في تاريخ
المدينة.. ورائحة فارهة
لحاضرها.. مجموعة أُناس.. في إنسان واحد..!
ونسيج نادر ومختلف
في هذا الواقع.. المتدني عن فضائل
لا تستند إلى إعلان.
و(العم حسن) وإن وهن بصره.. فلم تهن ذاكرته.. وبصيرته..
وإن (لانت قواه)
فلم تلن شيمه ومبادئه..
هو.. كما الأشجار المدينية.. التي تغنى
بها شعراً..
رواء.. وحياة.. إنجاز.. وتطلع
إذ تعضد جسارته.. وحيويته الجسدية..
فاعلية روحه الغنية.. ومكونات سريرته
الداخلية.. لتنهض الروح المتسامية..
بانعكاسات الزمن السلبية على الجسد..؟
لتلين أمامه كل إكسسوارات ومظاهر الإكبار المصطنع من الآخرين..؟
نفوسهم.. تنشد إليه بمقومات ذاته.. (الرمز والعنوان)..!
فهو .. ذلك الوجود الإنساني الذي تجد في بعضه.. (الرمز) الحلم..
و(العنوان) المبتغى لإنسانية.. قلّ وجود نظيرها..؟
أما (كله) العصي على التأطير..!
والمتأبي على التسطير والتحبير..؟
فمناخات عدة.. تجد انعكاساتها بتصرفات.. تمثل قيم
(المفقود) في حياتنا..!
واستجاباتها (للمهمل).. في حركة الحياة المتسارعة..
فذلك (اللص) الذي سرق منزله.. يمتثل لإرادة العم حسن في أنه
لولا اضطراره للسرقة وقلة الحيلة لما سرق..
فما كان منه.. إلا أن قال له: (حلال عليك.. بس انتبه لنفسك
ياولدي.. الناس يمكن مايعرفوا ظروفك..)
أو اقتناءه لخمس سيارات.. جعلها وقفاً اختيارياً لمن
يريدها من الجيران..!
أو احتفاءه بدعوة أصدقائه لجلسة (سمر) وكلهم لم يتجاوزوا
الثلاثين من العمر..؟
أو إصراره على مصافحة الآخرين.. كباراً.. أم صغاراً
وهو جالس..!
والقيام لهم من المقام الاعتباري لذواتهم..؟
في شعره المبعثر في
الصحف.. والدوريات..
وأدراج مكتبه.. ومحفوظ
أصدقائه ومحبيه..
عناية بالإنساني البسيط..
وروحنة الموجودات والمشاهدات..
كتب عنه عبدالعزيز الربيع في عام 1381هـ..
(وحسن صيرفي.. يكتب الشعر منذ ربع قرن..)؟؟
ولايجد العم حسن.. حرجاً في أن يقول:
(أهو.. لسا بنحاول!)؟؟
والعم حسن.. لمحبيه وعارفيه..
صائح محكي..
والمدينة الصدى..
المدينة.. التي أنجبته.. وأرضعته توت مائها..
ولونت ملامحه.. بوضأة طينها..
وشكلت في تضاعيف وجهه.. بعض
من زوايا رواشينها..
وأصالة معمارها المشرئب للسماء..
فصار.. تزاوجهما في الذاكرة..
تداعياً.. يفرزه ذهن كل
يند له ذكر حسن صيرفي..
وتلازمهما ذلك.. يمزج
بين وجود المدينة.. والشخص..؟
ما أسمى ذلك التكوين الذي
ترسمه جغرافيا المدينة/ حسن صيرفي..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved