Thursday 6th february,2003 11088العدد الخميس 5 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مع فلبي في كتابه «الربع الخالي» مع فلبي في كتابه «الربع الخالي»
أ.د عبدالعزيز بن محمد الفيصل

إذا كان الخيال العلمي يقود إلى اكتشافات عظيمة في هذا العصر فان الخيال الأدبي يرشدنا إلى ما نعجز عن اكتشافه، والمكتبة العربية في ماضيها هي أعظم مكتبة على وجه الأرض، باعتراف القاصي والداني، فالمستشرقون يعترفون بذلك.
وإذا كانت كنوز المكتبة العربية متنوعة فان الخيال الأدبي في «ألف ليلة وليلة» يرشدنا إلى ما عجزنا عن تعليله، ألا وهو اسم «الربع الخالي» من أين جاء ومتى عرف؟! لقد تناول اسم «الربع الخالي» كثير من الباحثين الذين لهم اهتمام بأسماء المواضع ولم يتوصلوا إلى شيء في أمر تسمية الربع الخالي، وآخر ما سمعت من بعضهم أن هذا الاسم أطلقه المكتشفون الغربيون الذين طافوا بسواحل الجزيرة العربية في العصر الحديث. ولكن لنعد إلى ألف ليلة وليلة، ونقرأ في الليلة «974» فنجد الآتي: «فلما رأى معروف ذلك أيقن بالهلاك وسوء الارتباك فبكى وقال يا أبا السعادات إلى أين أنت رائح بي؟ فقال أنا رائح أرميك في الربع الخراب يا قليل الأدب، من الذي يملك رصداً مثل هذا ويعطيه للناس يتفرجون عليه! لكن تستاهل ما حل بك، ولو لا أني أخاف الله لرميتك من مسافة ألف قامة فلا تصل إلى الأرض حتى تمزقك الرياح، فسكت وصار لا يخاطبه حتى وصل به إلى الربع الخراب ورماه هناك ورجع وخلاه في الأرض الموحشة» فنلحظ أن الربع الخراب ورد أكثر من مرة في هذه الليلة.
وفي الليلة «975» يرد «الربع الخراب» في سياق الحديث عن الوزير ومعروف والملك «وأما ما كان من أمر الوزير فانه بعدما شتت معروف والملك قام وخرج من البستان، وأرسل إلى جميع العسكر وعمل ديوانا وأخبرهم بما فعل مع معروف والملك، وأخبرهم بقصة الخاتم، وقال لهم ان لم تجعلوني سلطاناً عليكم أمرت خادم الخاتم أن يحملكم جميعاً ويرميكم في الربع الخراب، فتموتوا جوعاً وعطشاً ويتتابع ورود ً«الربع الخراب» في الليلة «976» في الحديث عن الوزير وان الأمر قد آل به إلى سجن الغضب «فقال احمل هذا الكافر وضعه في السجن وثقل قيوده، فأخذه وسجنه في سجن الغضب، ورجع وقال لها قد سجنته، فقالت له: أين ذهبت بأبي وزوجي؟ قال: رميتهما في الربع الخراب، فقالت: أمرتك أن تأتيني بهما في هذه الساعة. فقال سمعاً وطاعة، ثم طار من أمامها ولم يزل طائراً إلى أن وصل إلى الربع الخراب».
ومن خلال هذه النصوص نعرف اسم الربع الخالي، وانه قديم، فقد كان معروفاً لمؤلف أو مؤلفي ألف ليلة وليلة أي قبل ثمانية قرون من زمننا «القرن الخامس عشر الهجري» ويدلف فلبي إلى الربع الخالي عن طريق بوابته الشمالية الشرقية «يبرين» ومعه ثلة من الأدلاء، من بني مرة، والعجمان، هم: علي بن صالح بن جهمان من بطن الغفران من مرة، وهو من أحذق الأدلاء في شمال شرق الربع الخالي، ومحمد بن حميد من بطن الغفران من مرة، وسالم بن سويلم من بطن الدمنان من مرة، وسويد بن هادي العزمة من الدمنان من مرة، وحسن خر الذيب من بطن آل جمعة من العجمان، وفالح أبو جعشة من بطن العرجة من العجمان، وفراج من بطن العرجة من العجمان. ويسير الركب من يبرين متجهاً إلى الجنوب عن طريق منظومة من الآبار هي: بئر القليبة على بعد مسافة نصف يوم لسير الإبل من يبرين، ثم بئر ابن جهيم على مسافة يوم من القليبة، ثم بئر مقينمة، ومن بئر مقينمة إلى بئر فاضل 55 ميلاً قطعتها الإبل المحملة في يومين، وبعدها بئر النميلة، وعمقها 23 قامة، وبعدها آبار الطويرقة، ثم بئر فرجة القريبة من وبار، ثم بئر أم الحديد، وبعدها بئر ترات وماؤها عذب وعمقها 8 قامات وتليها أم القراين، ثم معشية ثم منجورة الهادي، وبعدها بئر قدير، ثم حاذ فارس، وبواح، وبنو جلاب، ثم عنسلة، وبعدها نيفة، ثم الزقرت، ثم بئر شنة. وهذه الآبار تطمرها الرمال، ولكن الأدلاء يعرفون مواضعها، ثم يزيحون الرمل عنها، وبعد إزالة الرمل يزيحون الجلود التي توضع على البئر أولا فتبعد ثم تبدأ عملية السقي، وعندما تشرب الإبل وتملأ القرب ويحين وقت مغادرة الماء تعاد الأخشاب والجلود إلى وضعها على فوهة البئر، وتطمر بالرمل لتبقى البئر سليمة. وهذه الآبار التي تنتظم الجزء الشمالي الشرقي من الربع الخالي لآل مرة، ويساكنهم في هذا الجزء المناصير، والعوامر، وبنو كثير، كما يجاورهم الصيعر من الناحية الجنوبية، أي جنوب شنة، والطريق الذي ينتظم الآبار من يبرين شمالاً إلى شنة جنوباً، ومن شنة إلى حضرموت معروف لبني مرة، فهم يجتازون الربع الخالي إلى حضرموت عن معرفة تامة فسيف بن طناف رئيس قبيلة المناهل سلك هذه الطريق من حضرموت إلى الأحساء عندما جاء يقدم ولاءه للدولة السعودية. والجزء الشرقي من الربع الخالي يعرف بأسماء تميز أجزاءه، فالجزء القريب من يبرين يعرف بالرملة، والجزء الجنوبي الشرقي يعرف بالخيران، ويحتوي على آبار مالحة، والجزء الأوسط من شرقي الربع الخالي يعرف بالسنام، ويحتوي على آبار صالحة للشرب، وقسم يطلق عليها الطويل، وهو مجاور للسنام، ومن أسماء أجزاء الربع الخالي في وسطه وشماله: شقة الخلفات، وهي سهل بطول عشرة أميال وعرض ثلاثة أميال، وسلسلة بني ناصر، والقطارات، ومنطقة حاذ القعاميات، وحاذ القطا، وخلة الحوايا، وشويكلة، أما المناطق الواقعة جنوب السيل فمنها: شويكلة، وبنو معارض، وأبو بحر، والرميلة، وريدة.
ومن أجزاء الربع الخالي وبار، وقد بحث عنها فلبي فقال الدليل «عَلِيّ» أنا أعرفها، وقاد الحملة إلى وبار التي يعرفها البدو، ولكن فلبي قال إن هذه الفوهات بركانية وليست بناء صنعه الإنسان. وعندما نعود إلى ياقوت الحموي نجده يحدد وبار بين يبرين واليمن، ويقال إنها بلاد عاد، وإذا كان فلبي لم يهتد إلى وبار فان العرب تقول: إن أرض وبار لا يدخلها إنسي إلا ضل، وهذا الفرزدق يستشهد على الظلال بأرض وبار في قوله:


ولقد ضللت أباك تطلب دارقا
كضلال ملتمس طريق وبار

وبلاد وبار وعموم الربع الخالي كانت مزدهرة، وبها أنهار، وقد جفت تلك الأنهار في حدود سنة «5000 ق م» ويرى فلبي أن وادي الدواسر كان نهراً يجري، وأن الآبار الموجودة في شرقي الربع الخالي، ومنها عدرج، وعنسلة، ونيفة، والزكرت، تكون دلتا لوادي الدواسر ، ويقول إن البحر في القديم يمتد من سلوى إلى يبرين، وأن المنخفضات الموجودة مثل منخفض السكك، الذي ينخفض عن سطح البحر ب «20 قدما» ، ونباك أقل من مستوى سطح البحر ب « 5 أقدام» دليل على أن البحر كان يغمر هذه الأماكن وغيرها، بل إن البحر يمتد إلى مقينمة التي تقع جنوب يبرين بمسير يومين لسير الإبل.
وقد انحسر البحر وجفت الأنهار فمجتاز الربع الخالي من الشمال إلى الجنوب يجتاز ألف كيل من الرمال، بعضها مرتفع وبعضها لين تغوص فيه أيدي الإبل المدربة على السير في الرمال، ورمال الربع الخالي تختلف في تركيبها عن رمال الدهناء، فالكثبان على هيئة حدوة الفرس، فهي مقوسة، وفتحة القوس من الناحية الجنوبية الغربية، وتحدث الريح في هذه الرمال أصواتاً غريبة تحدث بعد الزوال إلى الساعة الرابعة والنصف، ويطلق فلبي على هذه الرمال في «نيفة» في وسط الربع الخالي الرمال المغردة، كما يطلق على الصوت المنتظم «حفلة الرمال الموسيقية»، ويقول إنها تدوم أربع دقائق، وتحدث بسبب انزلاق حبيبات الرمل من أعلى الكثيب إلى أسفله، ويعتقد البدو أن تلك الأصوات هي أصوات الجن. ويكثر الوضيحي في وسط الربع الخالي في أيام الخصب، أما أيام الجفاف فلا تتيح له المرعى، فعندما اجتاز فلبي المنطقة من شنة إلى السليل وهي منطقة يصدق عليها الربع الخالي لعدم وجود الآبار في هذه المنطقة لم يجد الوضيحي.
كنت خطة فلبي الانطلاق من شنة إلى قبر هود، فحضرموت، وكان يعتقد بوجود البدو من الصيعر، ليأخذ منهم أدلاء، ليجتاز ما بقي من رحلته وقد بقي في شنة، وبعث البعوث إلى الجنوب للبحث عن قبائل الصيعر، فعادت البعوث مخبرة فلبي بأن البلاد خالية من الصيعر، وعند ذلك عزم فلبي على تعديل خط رحلته، فانطلق من شنة إلى السليل، مارا بالقطارات، فحاذ القعاميات، فهلال الحمراء، فمنطقة عبل الخادم، فالحوايا، فالشويكة، فالسحماء، فسلاسل الأوارك، فسلاسل بني معارض، فمنطقة «أبو بحر»، فريداء، وقد ظهر العجز على بعض جمال الرحلة في منطقة «أبو بحر» فقد قطعت الجمال 48 ساعة بدون طعام، مع أنها تسير محملة، أما الماء فلم تشربه بعد منهل «نيفه» القريب من شنة، ولتتابع السير بركة ناقة سويد «أحد رجال الرحلة» طالبة الماء، فملأ سويد فمه بالماء ونفخ به في أنف ناقته، فالماء في تلك المهامة نادر ولا يمكن التفريط به. ويدلف الركب بعد تنشيط ناقة سويد إلى الرميلة، وهي امتداد الدهناء من ناحية الجنوب، وبعد الرميلة رمال القونس، فسهل الجدة، ويفصل رمال القونس عن سهل الجدة كثيب مشيمخ، وهو دعص مرتفع، ومعلم بارز للقادم من السليل.
لقد بحث فلبي عن «قرية» قرية الفاور فلم يجدها، وقد اكتشفها عبدالعزيز السعدون في سنة 1389هـ وهو أحد منسوبي وزارة الداخلية، ثم تولى قسم الأثار بجامعة الرياض «جامعة الملك سعود» الحفر والتنقيب بعد ذلك.
وصل فلبي إلى السليل في 7 ذي القعدة من سنة «1350هـ» الموافق 14 مارس من سنة 1932هـ واستقبله فرحان الروية أمير قرية آل محمد، حيث كان العشاء عنده، وامتدت ضيافة فلبي في السليل إلى عبدالله بن نادر وابنه سالم بن عبدالله بن نادر في قرية الحنيش.
ومن خلال قراءتي لرحلة فلبي بدت لي بعض الملحوظات على هذه الرحلة:
منها أن فلبي لم يستطع تنفيذ خطته لاجتياز الربع الخالي من الشمال إلى الجنوب، بسبب وقوف رجاله ضده في شنة، وخوفهم من قبائل الجنوب «المناهيل والصيعر» إذ لم يتوصلوا إلى أخذ ضمانة المرور في أرض المناهيل والصيعر، ثم إن فلبي لما عزم على المسير إلى السليل بسبب تلك المعارضة اضطر إلى إعادة نصف حملته إلى الأحساء، وفقدان الدليل الماهر «علي بن صالح».
الأمر الآخر أن الكتاب لا يخلو من أخطاء، فقد ورد في ص 138 أن الفرزدق ولد وعاش في يبرين، وهذا غير صحيح، فالفرزدق ولد وعاش في بلاد بني مجاشع وهي الفلج «حفر الباطن» وفي ص 171 يذكر فلبي أن الرحلة من مقينمة إلى الأفلاج تستغرف اثني عشر يوماً، وهذا غير صحيح فالرحلة من مقينمة إلى الأفلاج تستغرق أربعة أيام، أما الرحلة التي تستغرق اثني عشر يوماً فهي الرحلة من مقينمة الى السليل. وعلى الرغم من أن الدكتور فهد بن عبدالله السماري أمين عام دارة الملك عبدالعزيز قد راجع هذا الكتاب إلا أن الأخطاء تفلت أحياناً من العين مع الحرص على اصطيادها.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved