Saturday 8th february,2003 11090العدد السبت 7 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
«هل الناقد مشروع شاعر فاشل»؟
د. عبدالرحمن بن صالح العشماوي

الشعر موهبةٌ تصقله الثقافة والمِران والدُّربة، وتصقله التجارب التي يمرُّ بها الشاعر في حياته، ويكون لها أثر كبيرٌ في شعوره، وتحريك وجدانه ولا يستطيع من منحه الله موهبة الشعر إلاَّ أنْ يكون شاعراً، شاء أم أبى لأن الشعر، شيء يجيش به الصدر، وتفيض به المشاعر قبل أنْ ينطق به اللسان.
والموهبة في أصل نشأتها لاتُصنع ولا تكتسب، وإنما تُمنح من الله سبحانه وتعالى وتوهَب، ومن هنا كان للشعر وَهَجٌ في قلب صاحبه، وحرارةٌ تظلُّ تُلهب أعماقَه حتى يقول الشعر، وقد أكَّد هذا المعنى الشاعر الصحابي العبَّاس بن مرداس رضي الله عنه حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم مبيّناً طريقة قول الشعر عنده: إني والله يارسول الله لأجد له دبيباً على لساني كدبيب النَّمل، يَقْرُصُ كما يقرص النَّمل، ولا يُريحني منه إلاَّ أنْ أقول الشعر.
هنا وصف دقيقٌ للعمليّة الشعرية للشاعر الموهوب الذي لايمكن أنْ يقاوم الشعر إذا جاشت به المشاعر، واشتعل لهبُه في القلوب، ومن هنا ندخل إلى الإجابة عن السؤال المطروح.
فالناقد إمَّا أن يكون شاعراً موهوباً أولا، فإذا لم يُمْنَح موهبةَ الشعر فلن يكون شاعراً وإن كان من أكبر النُّقَّاد، وإنْ كان على درايةٍ كاملةٍ بأوزان الشعر وحالاته وقوافيه، واذا حاول أن يكتب الشعر فسوف يُخفق مهما حاول، وسيظل شعره ضعيفاً، لا يستطيع مع عدم وجود الموهبة أنْ يراعي فيه أدنى خصائص النقد ومقاييسه التي يؤمن بها، ومن هنا فأنا أرى أنَّ في مقولة: «الناقد شاعر فاشل» تعميماً وتجاوزاً للحقيقة، وأنَّ هذه المقولة يمكن أنْ تنطبق على بعض النقَّاد الذين حاولوا كتابة الشعر فلم ينجحوا لعدم وجود الموهبة بالرغم من قدراتهم الأدبية واللغوية وسعة ثقافتهم، فاتجهوا إلى النقد والدراسات العلمية لأنها لا تحتاج إلى موهبةٍ كالشعر، فهي تحتاج إلى ثقافة وعلمٍ ودرايةٍ بأساليب النقد.
وهؤلاء النقَّاد لايجدون مكاناً لهم في ساحة الإبداع الشعري بالرغم من أن ثقافتهم قد تكون أوسع من ثقافة الشاعر الموهوب الذي يدرسون شعره وينقدونه.
لقد كتب العقاد شعراً كثيراً، وللرافعي شعر كثير، وطه حسين حاول كتابة الشعر، وقبله قرأنا أبياتاً لعلماء أجلاَّء مثل أبي الأسود الدؤلي، وغيره، ولكنَّ شعرهم ظلَّ بعيداً عن الانتشار والتأثير في الناس لعدم وجود الموهبة.
وهنا نؤكد أن الشاعر لايمكن ان يتخلَّف عن الركض في ميادين الشعر بموهبته ويمكن أن يكون ناقداً ناجحاً إذا درس النقد وتمرَّن عليه.
أما الناقد فلا يمكن أن يكون شاعراً إلا إذا كان صاحب موهبةٍ شعريةٍ مهما كان ملمَّاً بأصول كتابة الشعر وقواعدها، ويمكن أن يوصف بأنَّه شاعر فاشل إذا ألقى بنفسه في مَعْمَعَةِ الشعر وهو ليس من أهلها وهنا سيجد النَّقد الذي يجيده هو، له بالمرصاد.
بهذا التفصيل يكون الموضوع أقرب إلى الصَّواب.
إشارة:
ليس حسن الكتاب في الورق المصقولِ لكنْ فيما حَوَتْه السطورُ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved