Tuesday 11th february,2003 11093العدد الثلاثاء 10 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تموت الزهرة.. ويبقى الضمير حياً تموت الزهرة.. ويبقى الضمير حياً
ماجد التركي

لن ابدأ بتفكيك العنوان وتبسيط المعنى المراد منه، فذلك سيأتي في سياق الحديث دون عناء، ولاسيما انه غير ذي بال خارج سياقه، وسياقه هنا «الوطنية» بمفهومها العملي، وهو المفهوم الغائب بقدر كبير في حياتنا اليومية، فالتباهي بالمخالفات والتجاوزات النظامية جزء من المظاهر الباهتة والتي تمارس في مجتمعنا باسم «النخوة»، وهذه السلوكيات في حقيقتها قتل للمعاني النظرية التي يتلقاها طلابنا في مقررات التعليم عن «الوطنية».
والوطنية ليست مجرد افكار نظرية تدرس للطلاب، فهي قبل ذلك سلوك عملي يمارس في كل وقت وفي كل مجال، ولعلي لا ابالغ اذا قلت إن مفهوم الوطنية في جانبه الشرعي يلتقي مع مرتبة «الإحسان» في العبادة - وحياة المسلم كلها عبادة - وهو أي الإحسان:«ان تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك»، و كذا «الوطنية»، هي مراعاة تامة للأنظمة واللوائح والتعليمات وتطبيقها، وهذا جزء يسير من المفهوم العملي المنشود الذي يتجاوز ذلك إلى الشعور الداخلي بالاعتزاز، والرعاية لمصالح العامة بغض النظر عن مبدأ العقاب او الجزاء، فأين نحن من صاحبة «اللبن» التي تحضها والدتها إلى إضافة الماء لتكثير اللبن، حيث إن «عمر رضي الله عنه» لايراهم فرددت: إن كان عمر لايرانا فإن رب عمر يرانا وصاحبتنا هذه «أعني صاحبة اللبن» لم تتلق جرعات تعليمية من مقرراتنا التعليمية «للوطنية»، ولكنه شعور المسلم بالمسؤولية، وإحساسه عملياً بأنه هو ذاته المعني بأي توجيه وتعليم.
وهنا وقبل أن اعود إلى «الزهرة»، أذكر حادثة لاحد طلابنا الدارسين في الخارج، حيث حمل معه هدية «مميزة» ليقدمها لربة العائلة التي يسكن معها اثناء دراسته، وقدم هديته ولم ينس أن يؤكد على قيمتها مشيراً إلى أنه اخفاها عن أعين موظفي الجمارك في المطار، فما كان من صاحبته الا أن بادرت إلى الهاتف واتصلت بدائرة الجمارك وابلغتهم بذلك ليأتوا لاستلامها واتخاذ الاجراءات اللازمة حيالها.
* واليكم حكاية «الزهرة»، وهي جزء من رسالة إلى «غازي المياه» والمعاناة الكبيرة ليس من شح المياه، ولكن من شح العقول التي تدرك قيمة المياه، ومعنى الترشيد والمصلحة العامة في ذلك، والزهرة اخت لزهرات اعتنت بهن عجوز في احدى الدول الاوروبية، ومشكلتها مع زهراتها توجيهات البلدية لديهم بترشيد استهلاك الماء، وكانت الزهور أحد ميادين الترشيد، فبدأت العجوز تتأمل ذبولهن - والطريف أن الطرف الآخر معها في التأمل احد ابنائنا - فقال لها وما الضير لو اسقيتها؟ فما يمنعك من ذلك وهن قليلات، ثم لن يراك أحد، فقالت: لا إنها المصلحة «العامة، ثم هي مناشدة البلدية لنا جميعاً، ولو تجاهلنا ذلك لما تحققت المصلحة، فلا يمكنني تجاهل ذلك.
فلتمت الزهرة وليبق الضمير حياً.
.. لا تعليق، ولكنني مضطر إلى الإشارة إلى أن «الوطنية» مفهوم عملي متبادل بين الراعي والرعية، بين المؤسسة في أي من اشكالها والمنتسبين اليها، فيشعرون برعايتها لشؤونهم بكل جد واخلاص، ومقابل ذلك صدق في الشعور لدى كل فرد تجاه وطنه دون تكلف، ومن معاني هذا الشعور المتبادل، أن يحس كل فرد - اياً كان - بقيمته داخل مجتمعه، فهذا الإحساس بالرضى يغذي بعمق كل المشاعر الوطنية المنشودة في أجمل ملامحها، وهي التي لا يمكن شراؤها او استجلابها من خارج الوطن، ولا من خلال كتب الوطنية المقررة دراسياً.نعم: فلتمت الزهرة وليبق الضمير حياً.

للتواصل مع الكاتب فاكس/ 4805154-01

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved