Tuesday 11th february,2003 11093العدد الثلاثاء 10 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أحكام النيابة في الحج أحكام النيابة في الحج
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي/ الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

خلق الله سبحانه وتعالى الجن والإنس لعبادته. قال الله تعالى:{وّمّا خّلّقًتٍ الجٌنَّ وّالإنسّ إلاَّ لٌيّعًبٍدٍونٌ}. والعبادة هي الطاعة بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، مع إخلاص العبادة له وحده، كما قال تعالى:{فّأّقٌمً وّجًهّكّ لٌلدٌَينٌ حّنٌيفْا فٌطًرّتّ اللَّهٌ تلّتٌي فّطّرّ النَّاسّ عّلّيًهّا لا تّبًدٌيلّ لٌخّلًقٌ اللَّهٌ ذّلٌكّ الدٌَينٍ القّيٌَمٍ}. .
وقال تعالى:{بّلّى" مّنً أّسًلّمّ وّجًهّهٍ لٌلَّهٌ وّهٍوّ مٍحًسٌنِ فّلّهٍ أّجًرٍهٍ عٌندّ رّبٌَهٌ وّلا خّوًفِ عّلّيًهٌمً ولا هٍمً يّحًزّنٍونّ}. فالمطيع لله وحده الذي يعمل بشريعة الله في العبادات وفي المعاملات، فهو عابد لله مطيع له فيما شرعه، والعبادة حق لله تعالى على عباده كما في الحديث الصحيح المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ، يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله، فقال معاذ، الله ورسوله أعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً». فالعبادة حق الله وأعظمها وأساسها وأصلها وأوجبها وأفرضها على الأمة توحيد الله والإخلاص لله والشهادة له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، ثم يلي ذلك بقية أركان الإسلام، فهو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهو من أفضل الطاعات وأجل القربات التي توصل إلى دار السلام، ولكن الله تعالى وهو الرحيم بعباده اشترط لوجوبه الاستطاعة فقال تعالى:{وّلٌلَّهٌ عّلّى النَّاسٌ حٌجٍَ البّيًتٌ مّنٌ اسًتّطّاعّ إلّيًهٌ سّبٌيلاْ} وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام». ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أكل عام يا رسول الله، فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه». وهذا من رحمة الله وإحسانه إلى عباده حيث لم يوجب الحج إلا مرة واحدة على المستطيع، ومن رحمة الله بعباده أن شرع النيابة في الحج على لسان رسوله لأصناف من الناس، في أحوال لهم يتعذر أو يشق عليهم مشقة كبيرة أداء الحج بأنفسهم.
الصنف الأولى:
العاجز عن الحج وأداء الفريضة ببدنه لهرم أو مرض مزمن بحيث لا يستطيع الثبات على المركوب، فتشرع النيابة عنه في هذه الحالة، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم». وذلك في حجة الوداع، هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: قالت: يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج، وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فحجي عنه.
الصنف الثاني:
الصبي الذي دون البلوغ سواء كان مميزاً أو دون التمييز حتى ولو كان طفلاً في المهد، فإن حجه صحيح ومنعقد يُثاب عليه، وإن كان لا يخرجه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعاً، وثواب الحج للصبي، ولوليِّّه أجر المعونة والسبب، لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم لقى ركباً بالروحاء فقال: «من القوم قالوا: المسلمون فقال من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبياً. فقالت: ألهذا حج؟ قال نعم ولك أجر». وحينئذ إن كان الصبي مميزاً أحرم بإذن وليِّه، وأمره بالتجرّد من المخيط إن كان ذكراً، وإن كان غير مميز أحرم عنه وليُّه لتعذر النية منه فينوب عنه وليُّه في نيّة الإحرام، فيصير محرماً بذلك ويجرده من المخيط إن كان ذكراً، لما روى سعيد في سننه عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجاً ومعنا النساء والصبيان، فأحرمنا عن الصبيان. وإذا عجز الصبي عن الطواف فإنه يطاف به محمولاً أو راكباً، فإن كان مميزاً فإنه ينوي الطواف بنفسه بإرشاد وليه، لأنه قادر على النية، وإن كان غير مميز، فتعتبر نية الطائف به، فينوب الطائف عنه في نية الطواف لتعذر النية من غير المميز، وعن أبي إسحاق أن أبا بكر طاف بابن الزبير في حرقه» رواه الأشرم. وينوب الولي أيضاً عن الصبي فيما يعجز عنه كرمي الجمار، لما روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: كنا نرمي عن الصبيان، وروى ابن ماجة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: «حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم». وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل ذلك، فكان يحج صبيانه وهم صغار، فمن استطاع منهم أن يرمي رمى، ومن لم يستطع أن يرمي رمى عنه، وبهذا قال عطاء والزهري ومالك الشافعي وإسحاق، وقال الإمام أحمد: يرمي عن الصبي أبواه أو وليُّه، وقال ابن المنذر: كل من حفظت عنه أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي. وكل ما أمكن الصغير فعله بنفسه لزمه فعله، ولا ينوب عنه غيره فيه كالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمنى ومزدلفة، وغير الصغير من باب أولى، وكذا المريض والكبير العاجز، إذا عجز عن الطواف والسعي فإنه يطاف به راكباً أو محمولاً، ولكن لا بد أن ينوي هو عن نفسه، فلا ينوي عنه الطائف به، لأنه قادر على النية، فلا ينوب عنه غيره فيها، والنية لا بد منها في صحة العمل، لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
الصنف الثالث:
الحاج غير الصبي إذا عجز عن الرمي، رمي الجمار جاز له أن يستنيب، وذلك كالمريض، والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، والمرأة الحامل، إذا عجزوا عن الرمي بأنفسهم جاز لهم أن يستنيبوا من يرمي عنهم لأنهم عاجزون عن الرمي بأنفسهم فجاز لهم أن يُنيبوا غيرهم دفعاً للحرج والمشقة والله تعالى يقول في كتابه العظيم:{وّمّا جّعّلّ عّلّيًكٍمً فٌي الدٌَينٌ مٌنً حّرّجُ}، ويقول:{فّاتَّقٍوا اللّهّ مّا اسًتّطّعًتٍمً}، ويقول:{لا يٍكّلٌَفٍ اللَّهٍ نّفًسْا إلاَّ وٍسًعّهّا}، ويقول:{لا تٍكّلَّفٍ نّفًسِ إلاَّ وٍسًعّهّا}، ويقول:{لا يٍكّلٌَفٍ اللَّهٍ نّفًسْا إلاَّ مّا آتّاهّا} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولأنه إذا جازت الاستنابة في جميع الحج للمعذور كالهرم والمريض المزمن فجواز الاستنابة في رمي الجمار للعاجز من باب أولى. ولأنه جازت النيابة عن الصبي المميز في رمي الجمار بالنص، كما سبق آنفاً في حديث جابر رضي الله عنه أن الصحابة لبُّوا عن الصغار ورمَوا عنهم، والكبير العاجز عن الرمي حكمه حكم الصغير العاجز، فهو في معناه، فجازت النيابة في حقه. قال في المغني: إذا كان الرجل مريضاً أو محبوساً أو له عذر جاز أن يستنيب من يرمي عنه، قال الأثرم: قلت لأبي عبدالله: إذا رمى عنه الجمار يشهد هو ذاك أو يكون في رحلة؟ قال: يعجبني أن يشهد ذاك إن قدر حين يرمي عنه، قلت: فإن ضعف عن ذلك، أيكون في رحلة ويبعث من يرمي عنه. قال: «نعم».
الصنف الرابع:
الحج عن الميت الذي وجب عليه الحج ولم يحج وكذا العمرة فإنه يجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يُحج به عنه ويُعتمر، أوصى به أو لم يوص، وسواء فاته الحج بتفريط أو غير تفريط في أصح قولي العلماء، ويحج النائب عن الميت من حيث وجب عليه الحج، إما من بلده أو من الموضع الذي أيسر منه، لأن القضاء يكون بصفة الأداء وعلى وفقه، وإن ضاق ماله حج به من حيث بلغ، ويسقط عنه الحج بحج أجنبي عنه، وإن مات في الطريق حج عنه من حيث مات، وكذا إن مات نائبه استنيب من حيث مات لذلك.
لأن الحج دين لله على الميت الذي وجب عليه الحج فوجب قضاؤه كدين الآدمي ومن الأدلة على ذلك ما رواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنها أمها ماتت ولم تحج، أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها قال: نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها، ألم يكن يجزئ عنها، فلتحج عن أمها». ولما روى النسائي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رجل يا رسول الله: إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه، قال: أرأيت لو كان على أبيك دين، أكنت قاضيه، قال: نعم، قال: «فدين الله أحق». وروى الدارقطني في سننه عن عبدالله بن الزبير قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرَّحْل، والحج مكتوب عليه، أفأحج عنه؟ قال أنت أكبر ولده قال؟ نعم، قال أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه، أكان ذلك يجزي عنه؟ قال: نعم، قال: «فأحجج عنه».
الصنف الخامس:
الحج عن الميت الذي نذر أن يحج فلم يحج، فإنه يخرج من ماله لمن ينوب عنه في قضاء الحج الذي نذره لأنه دين الله فوجب قضاؤه، لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما ان امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته قضوا الله، فالله أحق بالوفاء» ولما روى النسائي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما ان امرأة نذرت أن تحج فماتت، فأتى أخوها النبي فسأله عن ذلك، فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه، قال نعم، قال: «فاقضوا الله، فهو أحق بالوفاء».
الصنف السادس:
الحج عن الميت نفلاً، فإنه تجوز النيابة عن الميت في حج النفل ويكون الثواب للميت، لما روى أبو داود وابن ماجه وابن حبان والبيهقي وقال إسناده صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال حججت عن نفسك، قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة» وبَوَّب ابن ماجه على هذا الحديث: «باب الحج عن الميت» ووجه الاستدلال من هذا الحديث على جواز النيابة عن الميت في حج النفل، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل هذا الرجل ولم يستفصل عن حجه عن شبرمة هل هو حج نفل أو فرض، فنزل منزلة العموم، استناداً إلى القاعدة الأصولية المعروفة عند أهل العلم وهي: أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال وروى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحج عن أبي؟ قال: نعم، حج عن أبيك، فإن لم تزده خيراً، لم تزده شراً» قال البوصيري في الزوائد إسناده صحيح. والحج فضله عظيم لمن أخلص لله واجتنب الرفث والفسوق ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، إذا ناب المسلم عن أخيه أو قريبه أو والده الميت فإن الله يأجره على إحسانه إلى أخيه أو قريبه، فمن أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا سيما إذا كان قريباً أو والداً فإن هذا من برِّه بعد موته. نسأل الله التوفيق والإعانة على العمل الصالح الذي يرضيه ونسأله التوفيق للقبول، ونسأله الإخلاص في الأعمال والصدق في الأقوال إنه جواد كريم وهو على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله نبينا وسيدنا وإمامنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved