Tuesday 25th february,2003 11107العدد الثلاثاء 24 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الدور.. حين يكون الموت انتظاراً..!! الدور.. حين يكون الموت انتظاراً..!!
د. محمد الحضيف

تعلمت من الأمريكيين، أثناء فترة دراستي هناك، أشياء كثيرة.. لو طبق الأمريكيون بعضها الآن، لوفروا على أنفسهم، ولوفروا علينا.. كثيراً من العناء. واحد من هذه الأشياء.. قولهم: Too little.. Too late..!
«قليل جداً.. ومتأخر كثيراً..!»..
تذكرت هذه المقولة، لما قرأت خبراً عن نية الإدارة الأمريكية تأسيس قناة تلفزيونية فضائية، تهدف إلى (تحسين) صورة أمريكا في العالم الإسلامي، تعمل جنباً إلى جنب، مع المحطة الإذاعية العاملة الآن..!!
يقوم مفهوم العملية الإعلامية الأمريكية، الموجهة إلى المنطقة الآن. من خلال المؤسسات الإعلامية الأمريكية، أو عبر (وكلائها) في المنطقة، على (الإيحاء).. بأن أمريكا لا تريد شراً بالمسلمين، وليس لديها موقف عدائي من الإسلام، ولا تطمع بثروات الخليج، وليست منحازة لدولة اليهود!!
تعتمد الحملة الأمريكية، في جزء منها، على إبراز هذه (المعاني)، من خلال حوارات مع مواطنين أمريكيين مسلمين، من أصول عربية، ومن خلال استكتاب (وكلاء) في المنطقة.. يتحدثون عن أمريكا الديمقراطية، الجميلة، (الطيبة).. ضحية (الإرهاب)..!
تعتمد السياسة الأمريكية (الموجهة).. كذلك، على آلية (الإبهار).. بإحداث نوع من الصدمة والدهشة لدى المتلقي.. حيث لغة الخطاب (مخاتلة) وعمومية، وبأعلى درجات ضبط النفس.. في أجواء متوترة.
تتبنى تلك السياسة أيضاً.. وهي امتداد لحملة علاقات عامة، أطلقت في رمضان الماضي.. ثم أوقفت لفشلها. تتبنى خلق شعور ب(الدونية) لدى المتلقي. من خلال (إبهاره) بمستوى التقدم المادي الذي حققته أمريكا. إحساس المتلقي بتفوق أمريكا التقني والإداري، يتم عبر أساليب (الإيحاء)، وليس من خلال عملية (الحقن) المباشر، التي تعتمد لغة الدعاية البدائية.. الفجة: (نحن نملك.. نحن لدينا).. ثم تجول (كمرة التصوير) على مشاهد مصطنعة.. تخفي وراءها تاريخا (عريقا) من الفساد والتخلف (!!).
يتشكل الشعور لدى المتلقي، بهيمنة أمريكا و(فوقيتها)، من خلال العرض (العفوي).. غير المقصود، لثقافة منتجة، تعتمد (التعددية)، واحترام الآخر، ولأسلوب حياة مدني، يحترم حقوق الإنسان، ومتقدم مادياً وتقنياً.. المتلقي محروم منه..!
يتم توظيف الشعور ب(فوقية) أمريكا و(تفوقها)، لتبرير ممارساتها وحملاتها العدوانية في المنطقة، وفي العالم بشكل عام.. على أنه (فعل حضاري) لأمة متقدمة، يهدف لخير الشعوب، وحمايتها من الدكتاتوريات، ويمنحها الفرصة (التاريخية) لمراجعة ثقافتها المتخلفة..!
من نافل القول التأكيد، على أن الحملة متهافتة وسخيفة، ولا تعدو أن تكون (تسويقاً) رخيصاً لتفوق تقني.. ولتعددية ثقافية، وتسامح أمريكيين.. كانا موجودين..!
الموقف (التصالحي) مع ما يسمى الإسلام (المعتدل)، وهو ما تحاول الإدارة الأمريكية التظاهر به.. مقابل حربها وحملتها على ما تسميه (الإرهاب)..
سقط بين أشلاء الأطفال والنساء، في القرى التي دكتها الطائرات الأمريكية في أفغانستان..
وأمام وحشية الحصار وحرب (التجويع)، التي حصدت أكثر من مليون طفل عراقي.. كما انشكف زيفه.. في حربها السافرة، ضد كل ما هو إسلامي:
ابتداءً من محاصرة العمل الخيري الإسلامي، مروراً ب(مشاريع) التغيير القسري.. الثقافي والإجتماعي، لمجتمعات المسلمين.. ثم اعتقال رموز العمل الإسلامي.. ووصمهم بالإرهاب، كما حدث مع المؤيد، القيادي الإسلامي اليمني..!
حملة (تحسين) الصورة الأمريكية، موجهة للمسلمين (خارج) أمريكا، من خلال الحديث عن أمريكا.. وعن أفراد مسلمين (داخل) أمريكا. لكن.. ماذا تصنع أمريكا بالمسلمين (خارج) أرضها، وماذا يلاقي المسلمون داخل أمريكا..؟
هل أمريكا جادة في (تحسين) صورتها..؟
وهل ما تفعله في حملتها (المذكورة)، يتسق وأبجديات عملية صناعة (الصورة الذهنية) التي هي عماد أي حملة علاقات عامة، تهدف إلى خلق مواقف إيجابية..؟!
الأمريكان أساتذة في أساليب الدعاية والإقناع، وآليات تغيير (الصورة الذهنية).
وقديماً.. ساق لنا أحد أساتذتنا البارزين في الإعلام، قصة تلخص قاعدة في هذا المجال.
صياد اصطاد عدداً من الطيور، في يوم شديد البرودة.. مثل أيامنا هذه..!! وبدأ يذبحها واحداً إثر الآخر.. كانت عيونه أثناءها تدمع، من شدة البرد، أحد الطيور، الذي ينتظر في الدور، همس لصاحبه قائلاً: انظر لقد رق لحالنا.. إن عيونه تدمع..! أجابه صاحبه: لا تنظر إلى دموع عينيه.. انظر إلى فعل يديه..!!
قصة (الصياد) و(الطيور)، ليست فقط تعبيراً صارخاً عن التناقض بين الشعار والممارسة، بل تصوير مفزع لحال (العجز).. من خلال التزام (الدور)، بانتظار (الموت)..!
كل (الطيور) تعرف أنها في صف.. وأن العراق أول الصف..!
إن شعارات أمريكا.. و(دموعها) حيال واقع العراق، لا تلغي حقيقة أن (السكين) الأمريكية مرفوعة على الجميع.. كل الذين في (الصف).!
ليس لأنها فقط.. طيور (متماثلة).. بل أيضاً، لأن (الصياد) الأمريكي صرح بذلك في أكثر من مناسبة.. ملغياً أي فرصة للاحتمال، أو الافتراضات..!!
لم يفكر الطائر في الصف أن يحلق، ولم يهمس في أذن صاحبه بخطة انقاذ له، ولبقية أصحابه. كان يراهن على (دموع) الصياد.. على زعمه، على دعاويه، على حملاته الإعلامية لتحسين صورته.. بإشاعة الديمقراطية، ونزع أسلحة الدمار الشامل..!
حد السكين كان أكثر وميضاً.. ووضوحاً من الدموع.. لكن (الطائر) آثر أن يبقى في (الصف)..
بانتظار الموت..!
في شتائنا (السبتمبري) الطويل، تتقنَّصُنا أمريكا (طيوراً هزيلة).. شعوباً ودولاً، وتدمع.. من خلال حملاتها الإعلامية..
بيننا.. هناك من يصفق.. أو ينتنظر، ولا ينظر إلى (فعل يديها)..!
غير مسموح أن (نتهامس)، فيما يجب أن نفعله لاتقاء (السكين)..!
غير مسموح أن نرف بأجنحتنا.. لكي لا نتهم بالجهاد والإرهاب..!
بيننا أيضاً.. من يحوم حول جراحاتنا و(جثث) أهله.. وينعق، يستدعي العقبان الأمريكية.. لتنهش في الأجساد المثخنة.
كتبت مرة عن (وهم الصورة الذهنية)، أن ما ننفقه.. أو نطالب بإنفاقه، على (حملات إعلامية)، لتحسين صورتنا الذهنية في الغرب، أنه مجرد (وهم)، لن يعود علينا بطائل، ولن يغير من موقف (القوم) منّا.
ويوم كتبت عن (وهم الصورة الذهنية). اختلف معي البعض..!
ها أنذا أكتب عن حملة أمريكا.. أو حملاتها، وإنفاقها لتحسين صورتها.. وأقول:
- وهم ما تفعلون..!
ستنفقونها، ثم تكون عليكم حسرة.. ثم تغلبون..!
لقد نما بين المسلمين وبينكم برزخ من الكراهية.. من فعل أيديكم..!
تُحسّنون صورتكم بإنشاء محطات إذاعة وتلفزيون.. ورائحة الدم والبارود تملأ فضاءنا:
Itصs too little... .too late!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved