Saturday 1st march,2003 11111العدد السبت 28 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من ينهي رحلة معاناة مرضى الثلاسيميا والمنجلية..؟ من ينهي رحلة معاناة مرضى الثلاسيميا والمنجلية..؟
الفتوى أم القرار..!
عبدالعزيز السماري

الكلمة في أحيان كثيرة، لا تعجز عن تبليغ رسالة ما، لكنها في كارثة الانيميا المنجلية او الثلاسيمية، اعلنت عن يأسها وانسحابها من الساحة، واقرت بفشلها الذريع في مهمة توصيل مدى الحاجة لتنظيم عاجل لمأساة ازدياد نسب امراض الدم الوراثية الى صاحب القرار..
فالمصاب بفقر الدم المنجلي او الثلاسيمي يمثل ابلغ صورة مجسدة للإنسان الذي خلقه الله في كبد، خلال رحلة الحياة من المهد الى اللحد، والتي يضيف اليها عدم توفر العناية الصحية المناسبة احياناً، بعداً مأساوياً آخر.. هو بالفعل رواية مشحونة بالالم، تبدأ اهم فصولها في الاشهر الاولى، بتكسر متكرر لكريات الدم الحمراء في اعضاء الجسم الحيوية، وهو ما يؤدي الى فقر دم مزمن، تجعل من المصاب في رحلة مستمرة للبحث عن نقل دم سليم، قد يخفف من المعاناة، لكنه بالتأكيد لا يعد علاجاً شافيا من المرض، ولا يؤثر على عواصف الالم الشديد وغير المحتمل في العظام والمفاصل عند المصابين بالانيميا المنجلية، ولا يقلل من احتمالات الالتهابات البكتيرية، بل يزيد من احتمال الإصابة بالالتهابات الفيروسية كالإيدز ومرض الفيروس الكبدي بنوعيه.
وقصة هذه المأساة يكمن وراء فصولها المتعددة، خلل جيني وراثي في مادة الهيموجلوبين، يحدث بسبب زواج شخصين ناقلين للموروث المعتل، او شخص مصاب مع آخر ناقل للموروث، فالشرط في ظهور الموروث الجيني المسؤول في المولود الجديد، هو وراثته من كلا الوالدين، وتصل نسبة احتمال الاصابة بالمرض الى 25% ، والى 50% في حالة نقل الموروث المعتل، اما في حالة سلامة احد الوالدين من نقل الموروث الجيني المصاب، لا تحدث الحالة المرضية في المواليد، وهنا تكمن اهمية الوقاية المثارة على صفحات الجرائد منذ مدة، و المطالبة المتكررة بفرض الفحص قبل الزواج، وهو الاجراء الذي كان خلف قصص النجاح المذهلة عن انخفاض معدلات الاصابة بهذين المرضين في دول عديدة، كانت تعد سابقاً، ضمن الدول ذات النسب العالية في الاصابة بهما.
اما على المستوى المحلي، فآخر الاحصائيات عن مرضى فقر الدم المنجلي والثلاسيمي، حسب علمي، اجريت عام 1992م..!، واظهرت نتائجها ان نسب الاصابة بالموروث الجيني المعتل عالية جداً في بعض المناطق، فكانت مثلاً نسبة الاصابة في بعض مدن وقرى المنطقة الشرقية كالقطيف «30%»، وفي منطقة جازان «20%» ، والقنفذة «18%»، وخيبر «14%» ، والعلا «13%»، وهي ارقام تتحدث عن نفسها، وتنذر بكارثة حقيقية خلال الاعوام التالية للاحصائيات، ونظراً لعدم توفر احصائيات حديثة، سيصعب معرفة ما اذا كانت الكارثة وقعت بالفعل؟، ولكن اثارها واضحة في ابعادها المتعددة، فمنها البعد الانساني والصحي في المجتمع، وايضاً التكاليف المادية العالية لتوفير عناية صحية مناسبة للاعداد المتزايدة من المصابين بأمراض الدم الوراثية، بالاضافة الى اعبائها المالية على برامج الضمان الاجتماعي، فنسب عالية منهم، غير قادرة على العمل والكسب المادي.
الجديد في هذه القضية الكارثية، ان المجتمع هو من يطالب بضرورة الفحص الالزامي قبل الزواج لهذين المرضين حسب الاستبانات التي اجراها مشروع مكافحة امراض الدم الوراثية بالاحساء عام 1421هـ بنسب وصلت الى 97%، و 95% عام 1422هـ، كما اكدت نتائج الاستفتاء الذي قامت به جريدة الوطن على هذه النتيجة، فكانت نسبة المؤيدين له 9 ،82% على مستوى المملكة. ويذكر ايضاً ان نسبة 60 طبيباً سعودياً قدموا طلباً لفرض الفحص الالزامي للمقدمين على الزواج من المناطق ذات النسب العالية.
وانطلاقا من الايمان بأهمية الفحص قبل الزواج، اقر مجلس الوزراء الموقر يوم الاثنين 4 محرم 1423هـ تنظيماً لفحوص ما قبل الزواج احتياطاً ضد الامراض المعدية والوراثية، ووزارة الصحة من جهتها تعلن تكراراً عن توفر امكانيات الفحص الضروري في مختبرات المستشفيات الحكومية، ولكن يبدو للمتابع للقضية ان هناك امراً ما، ربما يعيق اعلانها المتوقع عن البرنامج الوطني للتوعية عن خطر اصابة المواليد الجدد بالمرض في المناطق ذات النسب العالية، وتبني الحل الوحيد، وهو اقرار إلزامية الفحص قبل الاقدام على خطوة الزواج، وتوفير اجراءات عملية لتنفيذه، ولعل قلة المعلومات والاحصاءات المستجدة عن حجم المشكلة هو العائق المحتمل، ولكن احصاءات عام 1992 كانت تحمل النذير الكافي عن حجم الكارثة، والمتوقع في الوقت الحاضر هو زيادة نسب الاصابة، نظراً لزيادة السكان المطردة.. فلماذا إذن التردد..؟
إذن لابد من مانع، ولنا ان نتساءل عن العائق الحقيقي وراء عدم البدء في تطبيق الفحص الالزامي.. هل هي الفتوى ورأي علماء الدين؟، ام هي بيروقراطية قرار اداري، اعتاد ان يأخذ مجراه الروتيني؟
في الصفحة 43 من كتاب الفقه المقرر للاعوام الدراسية من 1421هـ - 1423هـ، للصف الثالث من المرحلة الثانوية للبنات، ظننت انني عثرت على «اجابة»، حيث ورد السؤال التالي:« ارغب في الزواج من بنت عمي، ولكنها نصحتني وكذلك نصحني بعض المقربين بعمل كشف طبي قبل الزواج حتى نطمئن على جينات الوراثة، فهل هذا فيه تدخل في قضاء الله وقدره؟ وما حكم الدين في هذا الكشف وفقكم الله؟.. وكان الجواب لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: انه لا حاجة لهذا الكشف، وعليكما ان تحسنا الظن بالله، والله سبحانه يقول:« انا عند ظن عبدي بي» كما روى ذلك عنه نبيه صلى الله عليه وسلم، ولان الكشف قد يعطي نتائج غير صحيحة»، انتهى.. الفتوى منقولة نصاً من فتاوى اسلامية 3/108،109..
فهل هذه الفتوى.. هي التي منعت اصدار القرار..! وهل يعني ادراجها ضمن المنهج المدرسي، نفاذ حكمها، وضرورة الالتزام بها ضد اي خطوة جديدة؟.. وهل يمكن الاخذ بها كحقيقة صالحة لكل زمان ومكان، بدون ادراك ظروفها، وهل توفر للسائل والمسؤول معلومات صحيحة عن الامراض الوراثية، وعن دقة نتائج فحوصاتها التشخيصية، وهل اطلع سماحة الشيخ رحمه الله واسكنه فسيح جناته على منافع الفحص قبل الزواج للمصابين بموروثات الثلاسيميا والمنجلية؟! تلك تساؤلات اتركها لذوي الاختصاص من اهل العلم الشرعي، ولنا ان نتساءل ايضاً عن المستقبل، فهل يجب ان يستمر تدريسها كقاعدة شرعية ضمن المنهج الدراسي في حالة اعلان وزارة الصحة عن برنامجها التوعوي والوقائي المتوقع ضد «وباء» امراض الدم الثلاسيمية والمنجلية.
ولكن المفارقة اللافتة للنظر، ان تلك الفتوى الشرعية التي تنهي عن الفحص الوراثي قبل الزواج، لم تمنع وزارة الصحة من اصدار تعليماتها باجراء الفحص الضروري لامراض فقر الدم المنجلي والثلاسيمي لطرفين مقبلين على الزواج، احدهما سعودي والآخر اجنبي، وذلك في التعميم رقم 1911/6/21، والصادر في 9/9/1415هـ.. اذن ما المانع الحقيقي وراء التأخير في بدء الحملة الوطنية للحد من ازدياد نسب المصابين بأمراض الدم الوراثية؟، وماهو السبب وراء تأخر صدور قرار الفحص الالزامي في حالة زواج طرفاه سعوديان من المناطق ذات النسب العالية؟..
سؤال..! ستعجز بلاغة الكلمة عن وصف مدى حيرته، وستظل محاولات اجابته غامضة، ولكن لأمد غير طويل، لايماني العميق ان الشعور بالمسئولية الوطنية، وعامل الزمن كفيلان بالكشف عن موقعه على خارطة الواجب الوطني.. اللهم اني بلغت.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved