Saturday 1st march,2003 11111العدد السبت 28 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في سياق أنشطته المنبرية في سياق أنشطته المنبرية
النادي الأدبي بالرياض يستضيف الناقد القحطاني في ورقة حول الرواية
د. القحطاني: لم يتكافأ النقد مع الإنتاج الروائي حتى الآن

* تغطية عبدالحفيظ الشمري:
ضمن أنشطته المنبرية لهذا الموسم استضاف النادي الأدبي بالرياض مساء الثلاثاء الماضي 24/12/1423هـ الناقد الدكتور سلطان القحطاني في محاضرة نقدية جاءت بعنوان «الرواية السعودية ومنهجية الخطاب النقدي» فكانت على هيئة ثلاثة محاور.
قدم المحاضر الدكتور عبدالله الحيدري حيث رحب بالضيف والحضور ثم تلا ورقة تعريفية مختصرة تتناول مسيرة المحاضر الدكتور القحطاني ومن ثم قدم فارس الأمسية ورقته على هذا النحو.
المحور الأول: ملخص المحاضرة:
الرواية فن المدينة لغة عصر الصناعة والتقنية والمشاكل الناتجة عنهما، هكذا عرفت الرواية في أوروبا، بعد الثورة الصناعية، حيث انحسر الشعر المعبر عن الطبقات العليا لتحل الرواية بدلا منه. فكيف ظهرت الرواية في مجتمع الجزيرة العربية، الذي تشكل الأمية فيه النسبة الكبرى من طبقات المجتمع. في بداية القرن العشرين ؟؟؟ هذا السؤال الضخم جعل الدارسين يؤمنون بأن الجزيرة العربية بلد شعر وليست بلد رواية، وتردد السؤال الساذج، هل عندنا رواية؟ وأحياناً يأتي الجواب سريعاً جاهزاً على طريقة ضارب الودع أو مفسر الأحلام «ليس عندنا رواية وهناك عدد من الاحتمالات حول ظهور الرواية، في الثلث الأول من القرن العشرين.
الاحتمال الأول: ضعف النتاج الشعري، وتقليديته. الاحتمال الثاني: دخول القصة المترجمة إلى العالم العربي الإسلامي، وما فيها من تجاوزات. الاحتمال الثالث: ظهور الرواية في بعض البلاد العربية وإعجاب الأدباء بأساليب كتابها. قد تكون كل هذه الاحتمالات واردة. فالشعر كان يعاني من الضعف الشديد، ودخول القصص المترجم ترجمة سقيمة أخذ في الازدياد ليملأ الفراغ الناتج عن عدم القصة العربية. وتأثير الروايات العربية كان ضعيفاً لعدم الاعتراف بالقصة كفن حديث. فتأثير أول رواية كتبها فرانسيس فتح الله المراش في حلب عام 1865م بعنوان «غاية الحق» ثم كتب بعده عدد من الروائيين، منهم: فرح أنطون والمويلحي في فن المقامة الجديدة، وجرجي زيدان في روايات الإسلام، وأولها رأس المملوك الشارد، وسخرية أحمد فارس الشدياق، في كتابه المقامي الجديد «الساق على الساق» كل هذه الأعمال وغيرها بدأ تأثيرها واضحاً على عبدالقدوس الأنصاري أول كاتب رواية في المملكة العربية السعودية، حيث كان الأنصاري يتردد على بلاد الشام ومصر بكثرة ويدمن قراءة الأدب الحديث، وهو التراثي في الوقت نفسه، حتى أنه كان ينشر أفكاره الحديثة حول مستقبل الثقافة العربية وتهديدها من قبل الغرب، بعد نهاية الحرب الكونية الأولى في مجلة المرشد العربي السورية، وبالرغم من انصراف الأدب عن الرواية، وأنها فن الصبيان والعجائز وشغل من لا شغل له، وأن كبار الأدباء يترفعون عن كتابتها، حتى أن المازني ينصح صديقه الذي هم بكتابة رواية، بأن هذا الفن لا يناسب مقامه. فان الأنصاري يقول اهتمامي ينصب على القصة من ناحيتين: الأولى: أنها فن حديث. والثانية: أن أدبنا يخلو منها. لكننا نود أن نعود إلى الأسباب التي جعلت الأديب السعودي يتقبل هذا الفن على ما فيه من التشويه الثقافي، ولا بد أن يكون هناك بعض العوامل التي جعلت الأديب يقبل على هذا الفن..
1 وجود مصادر الثقافة الحديثة حيث ظهر العديد من الثقافات الأخرى التي نافست الآداب العربية في الجزيرة العربية من أمثال التركية والفارسية.
2 وصول المطبوعة العربية إلى مدن الحجاز من مصر والشام والمهجر..
3 ظهور جريدة القبلة في العهد الهاشمي.
ثانياً: وجود الأدب التقليدي الضعيف «شعراً ونثراً» وشعور الأديب بالحرج أمام الآخرين عندما يقارن ما يصله من البلاد العربية بما يجده في أدب الجزيرة العربية، من التقليد الخاوي، فالشعر انحدر إلى النظم والتندر وحل الألغاز النحوية والمنظومات الفقهية والنحوية. كقول أحدهم:


إني رأيت وكم في الناس من عجب
شيخ وجارية في بطن عصفور

أو منظومة الشيخ محمد سعيد العمير التي نظمها على غرار ألفية ابن مالك وقدرها سبعمائة بيت من النظم النحوي، أو نظم سليمان بن سحمان، وهذه مقطوعة من نظمه:
أكتب ككتبي كتباً كنت أكتبه
كتباً ككتبي لذاك الكتب في الكتب
أما المقطوعات النثرية فكانت أسوأ حالاً من الشعر، فهذا الشيخ محمد بن خليل الأحسائي قاضي الطائف يطلب من الوالي التركي حذاء، فيجيب الوالي طلبه ويرسل الحذاء إليه. وعندما استلمها فرح بها فرحاً عظيماً، وكتب إلى الوالي هذه المقطوعة النثرية يشكره فيها على الهدية، يقول: «وصلت المطية حمراء الوبر، التي لا تشرب الماء ولا تأكل الشجر، فهي زينة في الاحتفال، وسلاح عند النزال، فقبلها المملوك وقبلها، وأتعبها بعد أن قبلها، شكر الله سعيكم، ولا حرمنا طولكم، والسلام». ويختصر عبدالله عبدالجبار كل هذا في قوله عن أدب تلك المرحلة «سقم في المعنى وركاكة في الأسلوب».
ثالثاً: شجاعة كل من محمد سرور الصبان، ومحمد سعيد عبدالمقصود وعبدالله بالخير. فالأول قام بجمع شعر ونثر الشباب الحجازي، في كتابين، المعرض، وكتاب أدب الحجاز، أما الآخران فجمعا الشعر والنثر في كتاب «وحي الصحراء» وتميز الكتاب الثاني باختيار النصوص تحت إشراف وتحكيم لجنة مختصة.
رابعاً: تأثر الأدب الحجازي وأدب شرق الجزيرة العربية بالمدرسة المصرية الحديثة، والمدرسة المهجرية، والعودة إلى التراث العباسي حتى أعضاء المدرسة المحافظة المجددة، وزعيمها عبدالقدوس الأنصاري..
خامساً: ظهور القناة الثقافية، بظهور جريدة أم القرى، وريثة جريدة القبلة، لكن النقد الذي كان له دور في التعريف بالرواية كان دور جريدة «صوت الحجاز» التي ظهرت مع مسمى المملكة العربية السعودية سنة 1932م.
المحور الثاني: الرواية الفنية
لقد ظهر بين الفترتين، الفنية والتعليمية عدد من القصص الطويلة، عدها بعض الدارسين من الرواية لم يوجد فيها شيء من شروط الرواية، مثل سمراء الحجازية، والمجيدي الضائع، والانتقام الطبعي، والزوجة والصديق، وغربت الشمس، والأرقاء، والطريق إلى غرناطة. ومجموعة قصص طويلة على نمط واحد لسميرة بنت الجزيرة. صدرت هذه الأقاصيص قبل وبعد صدور الرواية التي غيرت وجهة الرواية من التعليمية إلى الفنية، رواية «ثمن التضحية» لحامد دمنهوري، سنة 1959م، والدمنهوري متأثر بالأدب المصري من خلال دراسته في دار العلوم وجامعة الإسكندرية، وخاصة رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل الصادرة سنة 1913م. لكن الدمنهوري خيب الأمل عندما أغراه نجاح تلك الرواية فكتب رواية ثانية، بعنوان «ومرت الأيام» سنة 1963م، وكما تأثر الدمنهوري بالأدب العربي الحديث في مصر من خلال دراسته، فإن الكاتب الثاني الذي هضم الأدب الحديث،، وأكمل دراسته في القرية النجدية «الزبير» في العراق، ذلك هو ابراهيم الناصر، كتب روايته «ثقب في رداء الليل» سنة 1960م، ولم تكن رواية على مستوى رواية الدمنهوري الأولى، حيث كانت رواية بداية، وهذا هو التطور الطبيعي، فالدمنهوري نزل من الأعلى والناصر بدأ من الأسفل، لكن تطور الناصر لم يظهر إلا في روايته الثانية «سفينة الموتى» 1969م، بعد وفاة الدمنهوري بسنة واحدة. وبما أن هذين الكاتبين قد غيرا وجه الرواية من التعليمية إلى الفنية، فإن الفترة لم تنتج غير هذين الكاتبين إلى سنة 1980م، عندما ظهرت الدماء الجديدة في كتابة الرواية. فكان يعاصر هذين الكاتبين عدد من الكتاب التقليديين، مثل محمد زارع عقيل، المتأثر بجرجي زيدان في اللغة والبناء. أصدر عقيل روايتين وهي أشبه بالقصة الطويلة «ليلة في الظلام»، و«أمير الحب» 1960م، عن دار الهلال.
وأصدرت هند صالح باغفار قصة طويلة على شكل سينمائي، بعنوان «البراءة المفقودة» سنة 1972م، وأصدرت عائشة زاهر أحمد رواية بعنوان «بسمة من بحيرات الدموع» سنة 1979م، وأصدر غالب حمزة أبو الفرج أقاصيص إخبارية، حسبها بعض الدارسين على الرواية ظلماً وبهتاناً.
المحور الثالث: الرواية المضادة
عرفت الرواية المضادة في أوروبا، كمصطلح ثقافي مضاد، وهو مصطلح اجتماعي سياسي غربي تم استخدامه في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، للدلالة على خصوصية الثقافة، وقد ظهر في أوروبا كثقافة للمهمشين في الأرض، وهي حركة ترفض قيم المجتمع الصناعي الرأسمالي، وهي الحركة التي ظهرت في فرنسا، في مطلع سنة 1968م، وقادها الفلاسفة، جان بول سارتر، والبير كامو وآخرون.
وقامت على هامشها حركة ضد الحداثة ثارت على نظرية ألن بارت في صيف العام نفسه.. وقد استعرنا هذا المصطلح بعد ظهور الرواية المضادة للقيم في المجتمع العربي وقد تنوعت وتفرعت هذه الاتجاهات على هذا النحو:
1 وجود دار نشر مهاجرة، ليس لها أي تحفظ ما دام المؤلف يدفع، أو له شهرة في الترويج.
وهذا يعود بنا إلى ما ظهر في فرنسا، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث ظهرت الرواية المضادة هناك ولم يجد كتابها من ينشر لهم أعمالهم، حتى أسس شاب مغامر اسمه «جان جيرون لندون» أسس داراً اسمها دار منتصف الليل، ومنتصف الليل يعني دلالات كثيرة، منها: أن منتصف الليل يعني قدوم الصباح بيوم جديد. ومنها: أن منتصف الليل يعني فعل ما لا يعلم به إلا الله.. لكن تلك الأعمال لم تجد قبولاً مرضياً في فرنسا بشهادة أحد من تعامل معها «نتالي ساروت» والذي شجع على هذه الأعمال رواج أعمال بن جدو بو علال الشكري، الذي سمي فيما بعد محمد شكري، وهو يروي سيرته غير العطرة لبول بولز وتصاغ له بالعربية واللغات الأخرى. وبالرغم من أن ما ذكره هؤلاء الكتاب موجود بالفعل، إلا أنه لا يمثل الحياة بشكلها العام، وحياة الإنسان لا تجزأ.
2 التفات الغرب إلى الشرق بحصول أكبر روائي في العالم العربي على الجائزة العالمية «نوبل» حيث لم تمنح لأي فرع من فروع الأدب غير الرواية، وإن لم يطمع البعض فيها فانه يطمع أن يكون زميلاً لحاملها.
3 عدم قدرة الشعر، أو أي فرع من فروع الأدب على إيصال صوت المبدع إلى الجماهير، ما عدا الرواية، التي يجد فيها المتلقي كل ما يريد معرفته، وحسب رأي أحد النقاد، الذي يقول: «إذا أردت أن تعرف مجتمعا من المجتمعات فاقرأ روايته، فإن الناس يتكلمون من خلف الأقنعة».
خامساً: ظهور التوثيق الاجتماعي: وهي رغبة بعض الكتاب في توثيق الخطاب الاجتماعي والعادات والأصول. ومنه ما كتبه سليمان الحماد، وسعد العفنان، وعبدالكريم الخطيب كما كتب الرشيدي سيرة الملك عبدالعزيز، وفهد ناصر الجديد في سيرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومحمد ناصر أبو حمرا رواية اجتماعية.
وهناك من كتب الرواية بدم جديد، واستطاع أن يوظف المعطيات العلمية والفنية في خدمة النص الروائي، مثل أحمد الدويحي، وعبده خال وناصر الجاسم، ورجا عالم وعلي الدميني، لكن تغلب عليهم السريالية واللغة الحداثية.
ومن هذا الرعيل من تعامل مع طبقات المجتمع بلغة سهلة، فلمس جراح المتلقي وشاركه هم الحياة، مثل، قماشة العليان، صالح العديلي، عبدالله المعجل، عبدالله التعزي، عبدالرحمن الدرعان، عبدالحفيظ الشمري..
ويبقى السؤال قائماً، هل استطاع النقد أن يتعامل مع هذه الأجناس من الفكر الروائي من خلال منهجية علمية تكون وسيطاً بين المبدع والمتلقي؟.
من المؤسف جدا أن النقد لم يتكافأ مع الإنتاج الروائي، فما يزال النقد نظرياً لم يستطع إعادة صياغة النص الروائي من جديد بصيغة نقدية حديثة سهلة، فما زالت بعض الألفاظ تكرر في كل نص، مثل الشعرية، الأنا، الآخر، العالم السفلي، العالم العلوي .... ولم يفرق الناقد بين السيرة، والذكريات، والمذكرات اليومية.
في نهاية محاضرة الدكتور سلطان القحطاني كان هناك عدد من المداخلات من كل من الدكتور حسين المناصرة، والدكتور علي حسين محمد، والدكتور صالح معيض الغامدي ..
ثم تلا مدير الأمسية الدكتور الحيدري العديد من الأسئلة والمداخلات المكتوبة من الحضور.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved