Monday 3rd march,2003 11114العدد الأثنين 30 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يحيى الألمعي.. أديب يبوح الواقع بمنجزه والشعر بأحاسيسه يحيى الألمعي.. أديب يبوح الواقع بمنجزه والشعر بأحاسيسه
أنور بن محمد آل خليل(*)

تعثر الكلام في فمي وانا اصطحب زائري الى مكتبتي فلم اعرف هل ارحب بالرجل ام اعاتبه ام ألتمس لنفسي العذر؟ هكذا كان الحال مغرب احد ايام العيد عندما فاجأني علم من اعلام الثقافة والادب قادماً بهامته السامية للزيارة والمعايدة..! يا لها من لحظة احتقرت فيها انشغالي وسني وصحتي امام مبادرة عملاق كريم كالاستاذ يحيى بن ابراهيم الالمعي، وهو حال لا امتاز به دون غيري فالمشاغل اخذت مساحة كبيرة من حياة الناس على حساب العلاقات الانسانية.
جلست اليه بل الى ما هو مثقل به من الايام ماثلة امامي تبوح بتاريخ الرجل الحافل بالعطاء، وكلما اصغيت اكثر نثر زمانه على مسمعي المزيد من تجارب العمل في الصحافة والثقافة والادب والعمل الاجتماعي والاداري.
كيف لا وقد كان مداد قلمه يسيل على صفحات جريدة اليمامة والندوة والجزيرة وعكاظ وغيرها شعرا ونثرا، في وقت كانت فيه بعض الاقلام تعاني من الجفاف، وكان الالمعي امد الله في عمره بتلكم الريادة مدرسة استنشق عبير منهجها معظم اصدقاء الكلمة والحرف من ابناء جيله والاجيال اللاحقة في منطقة عسير.
سرحت ذاكرتي وضيفي يسرد تجاربه المفترشة نحو نصف قرن توكأ خلاله على القلم، لأستعيد ما كان يرويه في مؤلفاته المطبوعة امثال كتاب «رحلات في عسير» الذي يعد من اهم ما دون حول فترة ما قبل النمو الحضاري المعاصر. وموسوعته «الامثال الشعبية في المنطقة الجنوبية» وهو عمل رصد فيه جانباً من الارث الثقافي المحلي الذي افرزته تجارب الانسان والمكان على مدى قرون طويلة من عمر الزمن.. كما لاح في خاطري مع ما سبق ديوانا اديبنا:« عبير من عسير» و «من روابي عسير».
وكنت اخشى ان الاستاذ الالمعي وهو يوشك ان يطوي من عمره المديد بإذن الله سبعين عاما، قد مل مصاحبة القرطاس والقلم، فإذ به يقدم لي آخر منجزه الادبي ديوانه الجديد «احاسيس شاعر» ولقد احسن شاعرنا بهذه التسمية فالاحساس المرهف سمة ميزته وابناء الرعيل الاول امثال الاستاذ علي علوان رحمه الله والاستاذ احمد مطاعن وغيرهما، مما اكسبهم في القلوب مكانة ادبية واجتماعية رفيعة.
وهذا الديوان الجديد يختال بست وثلاثين قصيدة ما بين وطنية ووجدانية وعاطفية ورثاء واخرى جارى بها الشاعر قصائد عربية مشهورة لعنترة بن شداد ويزيد بن معاوية ومحمد اقبال. ترغمنا على ان نرتشف من عذوبة ما كتب الالمعي جمال الاحاسيس وصدق المشاعر.
ومع اقراري المسبق بعدم إلمامي بالشعر وعروضه، حيث ان ما يربطني به هو رابط التذوق للقصائد التي يتفاعل مع جمالها الوجدان الانساني.. فإنني لن انصب نفسي ناقدا او محللا ولهذا سأترك ذلك لأهل الاختصاص.
الا ان هذا لا يمنع ان ابوح بما خالج وجداني ولامس احاسيسي وأثار مكامن الحزن عندي من بعض القصائد التي اصابني جانب من مصابها كقصيدته «طود هوى» التي رثى بها علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر وقصيدة «رثاء في الشهيدتين» التي يرثي فيها زوجة شقيقه ووالدتها، حيث كانت الاخيرة بالنسبة لي في مقام والدتي رحمهم الله جميعا، وفيهما كان الالمعي يتمثل الصبر ويستجدي السلوان مع هول المصاب، مع تدفقها بالاحاسيس الوجدانية والمشاركة الانسانية لاهل المصاب.
وتجلى خشوع الشاعر لربه وايمانه بخالقه عز وجل في قصيدتيه «ابتهال» و «دعاء مستغفر» اللتين ختم بهما الديوان.
واذا كان شاعرنا قد فضل تقديم ديوانه في هذا التوقيت بما يحمله من حب وقصائد للوطن واخرجه الى النور بنفسه، بعد ان استجمع من اجل ذلك قواه المادية ليطبعه على نفقته الخاصة، بوصفه اقل تكلفة عما سواه من المخطوطات التي لاتزال حبيسة الادراج امثال كتاب «الايضاح والتيسير في تاريخ عسير»، و «فيض الخاطر» وهما من الكنوز المخطوطة والمحتجبة بسبب ارتفاع نفقات الطباعة، التي طالما وقفت حجر عثرة امام نشاط النشر..! كان الله في عون باعة الفكر فبضائعهم كادسة في زمن ابواب مكاتب الاستقدام المشرعة.

(*) كاتب ومؤرخ سعودي، عضو نادي أبها الأدبي.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved