Monday 3rd march,2003 11114العدد الأثنين 30 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل الأمريكيون مستعدون لدفع الثمن؟!! هل الأمريكيون مستعدون لدفع الثمن؟!!
كولبرت أي. كينج (*)

مرت الشهر الماضي خمسة وثلاثون عاما على حدث لا يصدق، او على الاقل اعتقدنا كذلك في ذلك الوقت، لقد تعرضت السفارة الأمريكية المحصنة في ذلك الوقت في سايجون لهجوم من العدو، وكان قد تم تكليفي بالعمل في سفارتنا في بون، واظهر شريط تلفزيوني لنشرة الاخبار آنذاك اثنين من المدنيين وعدد من العسكريين الامريكيين العاملين بالسفارة، وهم يحاولون صد اكثر من عشرة اشخاص، اونحو ذلك من فدائيي (الفييت كونج) هاجموا حرم السفارة الأمريكية في سايجون، وكان احد المدنيين يضع سلاحا اوتوماتيكيا فوق رأسه، ويطلق النار على الاهداف الواقعة من فوق احد الاسوار.
لقد سالت الدماء في شوارع سايجون في هذا الحادث، وعندما انتهى كل شيء، كان كل الفدائيين الفيتناميين الشماليين العشرة قد لقوا مصرعهم، بينما بقي بعض الامريكيين والفيتناميين الجنوبيين على قيد الحياة، في هذا اليوم من فبراير عام 1968 خلال ايام القتال التي اعقبت ذلك في سايجون والعواصم الاقليمية الرئيسية في فيتنام الجنوبية، والتي عرفت باسم هجوم (تيت).
لقد انعكس الهجوم العسكري المباغت في صورة نجاح إعلامي ونفسي هائل بالنسبة للفيتناميين الشماليين، ففي كتابه «رحلتي الأمريكية » يقول كولين باول: «ان معركة تيت كانت بمثابة نقطة تحول، أثارت الشكوك في نفوس الامريكيين العاديين، وليس في نفوس الراديكاليين والخنافس في الجامعات فقط، ازاء قيمة هذا الصراع، ازدادت الحركة المناهضة للحرب كثافة».
واليوم فإن موجة الاحتجاجات العالمية المناهضة للحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد العراق، ربما ينظر إليها يوما ما على انها معركة (تيت) الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين.
إنني اعلم ان القياس على فيتنام امر دقيق للغاية، إلا ان معركة تيت تقفز إلى الذهن، ففي الوقت الذي جرت فيه هذه المعركة، كنا ننظر إليها ليس على انها حدث قد تحول إلى طوفان، ولكن كهزيمة للعدو، فقد استغرق الامر سبع سنوات من الجيش الفيتنامي الشمالي بعد ذلك كي يقوم بزحفه المظفر على سايجون.
ان الخطط الحالية الداعية إلى اخراج صدام من السلطة، تعد امرا رائعا، ولكن هناك الكثير الذي سوف يأتي بعد ذهابه، وهذا هو مبعث القلق، إذاً إلى اين يأخذنا حلم جعل العراق نموذجا للديمومقراطية في الشرق الاوسط، واجراء عملية تحول تقودها الولايات المتحدة في العالم العربي؟
إن الادارة الأمريكية لا تنظر إلى غياب المساندة اليوم من تحالف دولي واسع، وإلى الملايين التي تحتج في الشوراع على احتمالات شن حرب ضد العراق، لا تنظر إلى كل ذلك على انها اسباب خطيرة تدعو إلى التوقف عن القيام بهذه الحرب، بل تقوم بدلا من ذلك بدفع بوش إلى المضي قدما في خططه.
لقد اختار مسؤولو الادارة الأمريكية اظهار التذمر ازاء الرئيس الفرنسي شيراك، كما لوكان تحديه لهيمنة الولايات المتحدة، هو سبب المظاهرات التي تطوف شوارع العالم، بل لقد اعربوا عن سخريتهم من وقوف الالمان والبلجيك في طريق الولايات المتحدة، على الرغم من معرفتهما بأن الزعيمين الالماني والفرنسي، ليسا هما السبب في تحول الرأي العام العالمي ضد سياسات بوش.
وفي الداخل لم يكن موضوع شن الحرب نصرا ساحقا بالنسبة للادارة الأمريكية.. نعم، هناك اغلبية من الامريكيين، وفقا لاستطلاع رأي اجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة (ايه.بي.سي.) تؤيد القيام بعمل عسكري لاخراج صدام حسين من السلطة، حتى ولو اعترض مجلس الامن على ذلك، بشرط وقوف الحلفاء الرئيسيين معنا، إلا ان هناك اغلبية ايضا تعارض تحمل اعباء اعادة بناء العراق بعد الحرب، الامر الذي يتطلب وجود قوات امريكية على مدى طويل، فضلا عن ضخ مليارات الدولارات لتحقيق الاستقرار في العراق المهزومة.
ومع ذلك فإن إدارة بوش، وفق ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست»، تخطط من اجل السيطرة الكاملة والاحادية الجانب على عراق ما بعد صدام، بما في ذلك إدارة عملية الإعمار في البلاد، واقامة حكومة عراقية «قائمة على التمثيل الواسع لكافة الطوائف».
وهنا.. دعونا نتناول هذا الموضوع بشكل مباشر: ان صدام حسين يشكل تهديدا، ويجب نزع سلاحه بالقوة، إذا دعت الضرورة لذلك، وإذا كانت عملية التخلص من اسلحة الدمار الشامل العراقية، تمثل احد جوانب القضية، فإن السيطرة على البلاد، وإدارتها فهو جانب آخر مختلف تماما.
تصور ما الذي ستفعله قوة احتلال امريكية في العراق، بالنسبة للمشاعرالمناهضة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط، هل تعلم الادارة الأمريكية ما الذي هي ذاهبة إليه؟ هل الأمريكيون مستعدون لدفع هذا الثمن الباهظ؟
ان هذا الامر يدعوني إلى العودة إلى موضوع فيتنام مرة اخرى، لقد اشتكى باول في كتابه من الاضطرار إلى خوض الحرب في فيتنام بينما «كانت الادارة في الداخل تحاول إدارة الحرب بأسلوب لايتلاءم كثيرا مع الدولة»، حقا، فإنه على النقيض مما حدث في ذلك الوقت، فقد طفت على السطح التحفظات حاليا، ان شكوى باول بشأن فيتنام بأنه «لم يتم جمع الضرائب اللازمة لتمويل الحرب في ذلك الوقت» تنطبق على مايحدث اليوم.
اننا نعمق العجز باعطاء التخفيضات في الضرائب إلى الموسرين، لقد كتب باول يقول: «لابد ان تكون الحرب هي سياسة الملاذ الاخير، وبعد ذلك نذهب إلى الحرب، ويجب ان يكون لدينا الهدف والغرض الذي يفهمة ويؤيده شعبنا.. انك لا تستطيع تبديد الارواح بدون هدف واضح، وبدون مساندة من الدولة، وبدون التزام كامل «هل الشعب الأمريكي ملتزم بحكم العراق، وتنصيب حاكم امريكي يدير حكومة مدنية تنشئها الولايات المتحدة في دولة اسلامية عربية، بكل مايحمله ذلك من عواقب؟
افغانستان والعراق
لقد اشار دونالد رامسفيلد في كلمة له في نيويورك، إلى الافكارالخاصة بالاسلوب الصحيح والخاطئ، بشأن مساعدة الدول على النهوض والانتعاش بعد الحرب، واستعادتها القدرة على الاعتماد على ذاتها، وتناول في هذا الصدد مثال افغانستان، وهو ما يمكن ان ينطبق على العراق ابضا.
قال رامسفيلد «منذ بداية الحرب، كان هدفنا الرئيسي هو ان افغانستان للافغان، ولم يكن لدى الولايات المتحدة الطموح للاستيلاء عليها أو ادارتها» وهذا الامر يفسر سبب ابتعاد الولايات المتحدة عمدا، عن اتباع النموذج السوفييتي بارسال قوة احتلال ضخمة لغزو البلاد، وبدلا من ذلك قام الجنرال تومي فرانكس بتكوين تحالف، يكون له «موضع قدم متواضع هناك».
وحذر رامسفيلد من مغبة وجود اجنبي طويل المدى في دولة ما، وحذر من «الاجانب ذوي النوايا الحسنة الذين يأتون إلى الساحة، وينظرون إلى المشاكل ويقولون دعونا نحلها» بغض النظرعن الآثار الجانبية غير المقصودة.
وقال رامسفيلد للحاضرين: «ان العراق للعراقيين، واننا لا نطمح إلى امتلاكها أو ادارتها» وتحدث عن العمل مع الشركاء الامريكيين لمساعدة الشعب العراقي على اقامة حكومة جديدة، نافيا وجود نية لسيطرة كاملة احادية الجانب على عراق ما بعد الحرب.
وكتب باول يقول في كتابه «رحلتي الأمريكية» ان جيله من الجنود تعهدوا بأنه عندما يأتي دورهم في اطلاق النار، فإنهم لن يذعنوا لحرب لا يستطيع الامريكيون ان يفهموها أو يؤيدوها، وإذا استطعنا ان نفي بوعدنا لانفسنا، وللقيادة المدنية، وللبلاد، عندئذ لن تكون التضحيات التي قدمناها في فيتنام قد ذهبت سدى».
اذاً.. إذا كان رامسفيلد يعني ما يقوله، وكان باول يؤمن بما يكتبه، فهل نعتزم نحن التورط بشكل أعمق في عراق ما بعد الحرب؟ ألا نتذكر رمال فيتنام الناعمة؟

(*) عن «واشنطن بوست» خدمة الجزيرة الصحفية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved