Monday 3rd march,2003 11114العدد الأثنين 30 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ماذا قدم القذافي للقضية الفلسطينية؟ ماذا قدم القذافي للقضية الفلسطينية؟
عادل أبو هاشم (*)

ما من شك في أن المواطن مهما كان مستوى تتبعه للأحداث، يحتفظ في ذاكرته بصورة للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي تتناسب مع ما درج عليه من تصرفات وتصريحات أثارت وتثير الشكوك حول منطلقها وأهدافها.
فالقذافي ليس مجرد رجل غريب الأطوار متقلب المزاج، كثير المفاجات فحسب، إن من الخطأ رؤيته في هذه الصفات فقط، فالصفات التي يتصف بها وبأكثر منها ليست هي الأساس في شخصيته وفي نظامه.. إن صفاته الشخصية الغريبة تساعد كثيراً على تمويه دوره الأساسي في المخطط الجهنمي الذي يستهدف طعن التضامن العربي في الصميم وخصوصاً مسيرة الشعب الفلسطيني وانتفاضته المباركة.. في هذا السياق جاءت خطوته المفاجئة في مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ التي حاول من خلالها تفجير المؤتمر بافتراءاته وادعاءاته على المملكة العربية السعودية التي وقفت - ولا تزال تقف - مع جميع القضايا العربية والإسلامية بكل صدق وأمانة.
لقد هدف القذافي من تزييفه الحقائق في القمة العربية الى أن يُجهض دور المملكة في دعم القضية الفلسطينية.. وخصوصاً بعد تصريحاته الغريبة بالطلب من الفلسطينيين الاندماج في الدولة اليهودية وإقامة دولة «إسراطين»..!!
آخر تصريحات العقيد القذافي في الذكرى الثالثة والثلاثين «لثورة الفاتح من سبتمبر» أن ليبيا لا تستطيع التعلق بعواطفها مع العرب، وأن الجامعة العربية لا معنى لها وذليلة وفاشلة ولا تساوي شيئاً، وأن وجود ليبيا في الاتحاد الإفريقي أصبح ضرورة حتمية.!
مرة أخرى يقرر القذافي أن يخلع عن الشعب الليبي انتماءه العربي، بعد أن شطب من تشكيل حكومته وزارة واحدة، وألغى من شعارات ثورة الفاتح خريطة الأمة الواحدة من المحيط إلى الخليج، لأن العرب لم يساندوه في أزمة لوكيربي بالقوة نفسها التي أظهرها الأفارقة، ولأن الرؤساء العرب لم يفعلوا مثلما فعل الرؤساء الأفارقة التسعة، الذين هبطوا بطائراتهم فوق الأرض الليبية مخترقين قرار الحظر الجوي الذي فرضه مجلس الأمن!
لم يستطع القذافي أن يدرك بأن انتماء أي أمة إلى عالمها العربي هو جزء من هويتها القومية كما أنه جزء من مقومات شخصيتها الوطنية، لا يملك فرد أن يلغيه بقرار في موقع غاضب، لأن الانتماء القومي ليس منحة من أحد يستطيع أن يمنحها أو يمنعها في الوقت الذي يريد، إنه ذات الأمة وعين وجودها وعنوان كيانها ودلالة هويتها، وليس مجرد قناع يمكن استبداله أو تغييره.، والليبيون عرب، لأنهم عرب في التاريخ وفي الجغرافيا وفي وحدة الانتماء إلى أمة يشاركونها الموقع والثقافة واللغة والتاريخ المشترك. كانوا عرباً قبل ثورة الفاتح من سبتمبر وسوف يظلون كذلك، وكانوا عرباً قبل قرار العقيد وسوف يظلون كذلك، وأكثر ما يسيء إلى صورة الأمة، أن يتصور حاكم مهما بلغت قدرته ومكانته أن في وسعه أن يغير انتماء أمته ويبدل هويتها بقرار يصدر في لحظة غضب أو في ظروف طارئة، فأقدار الأمم لا تتحدد ولا تتشكل على هذا النحو رغم اعتزازنا جميعاً بالانتماء الإفريقي، إلا أن الانتماء الإفريقي لا يمكن أن يكون بديلاً عن الانتماء القومي أو نقيضاً له.
لقد تخلى القذافي عن مقعد ليبيا في الجامعة العربية لإسرائيل، ووصف العرب ب(الحقراء والجبناء والمفروض أن تذبحهم إسرائيل لأنهم اعتادوا حياة الذل والعار ولا يستطيعون أن يرفعوا رأسهم يوماً واحداً..!).
إن القذافي انهزامي بالقدر نفسه الذي يتحدث فيه عن المعركة والنصر، والقذافي انفصالي بالقدر نفسه الذي يتحدث فيه عن الوحدة، ولن نجد في تاريخنا العربي شخصاً أضر بفكرة الوحدة العربية وبقضية الوحدة العربية كما أضر بها هذا الرجل.
ففي اللحظة التي دخل فيها ستة آلاف حاج ليبي أراضي المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج لعام 1993م خرج علينا القذافي بفرية جديدة من افتراءاته المتعددة ضد العالم العربي والإسلامي منذ استيلائه على السلطة في ليبيا، بأن السعودية قامت بطرد الحجاج الليبيين من حدودها!! مما حدا بالقذافي أن يأمر هؤلاء الحجاج بالذهاب إلى القدس في سابقة خطيرة لتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني خلافاً لقرارات الجامعة العربية بهذا الشأن، وخلافاً لأبسط مفاهيم التضامن العربي والإسلامي ضد العدو الإسرائيلي قبل أن يتحقق أي تقدم في عملية المفاوضات العربية - الإسرائيلية، حتى قبل اتفاقية أوسلو..!!
إن المنطق الذي يسمح بالاقتراب من أفكار القذافي ومحاورته هو منطق محاط بالشكوك وأيضاً بسوء النية.
لقد كان القذافي دائماً مصدر تشويش وإرباك لمسيرة الثورة الفلسطينية وعامل إضرار بمصالحها، فمنذ العام الأول لاستيلائه على السلطة عام 1969م أصدر القذافي أوامره بإلغاء اللجان الشعبية لنصرة الشعب الفلسطيني!!
والقذافي ضد قيام دولة فلسطينية لأن الخطر الصهيوني ضد الأمة العربية سيزداد لو قامت الدولة الفلسطينية المستقلة، ففي خطاب له قال بالحرف:
«لو اعترف الإسرائيليون بالفلسطينيين.. واعترف الفلسطينيون بالإسرائيليين.. ولو أقيمت دولة فلسطينية على أي جزء، فإن الخطر سيتضاعف لأن المقاومة الفلسطينية هي عبارة عن خندق أمامي لمقاومة الصهيونية في المنطقة العربية وأنه إذا تم التفاهم مع هذا الخندق وتم تطويقه حتى الاعتراف به ستتقدم القوات المعادية وراء هذا الخندق لمعالجة بقية الأهداف والقضاء على بقية الخنادق».
«ألم يوص القذافي في قمة عمان «مارس 2001م» بالتخلي عن المسجد الأقصى..!!
من هنا نفهم تهجم القذافي على المقاتلين الفلسطينيين الذين صنعوا ملحمة بيروت عام 1982م حيث أطلق على هؤلاء المقاتلين الذين خاضوا أطول معركة عربية ضد الكيان الصهيوني وأوقعوا في صفوفه خسائر تفوق مجموع ما خسره في كل معاركه.. هؤلاء المقاتلون الذين امتلأت صحف العالم وصحف العدو نفسه بالحديث عن بطولاتهم وتضحياتهم لقب «قطيع من الغنم» وجاءت دعوته لهم بالانتحار في بيروت!!
ولم يكتف القذافي بهجومه على المقاتلين الفلسطينيين، بل وصل الحال به إلى التهجم على الشعب الفلسطيني نفسه الذي قال عنه في خطاب له «باع أرضه وعِرضه» هذه العبارة التي لم يقلها أعتى عتاة الصهاينة على مر العصور، وفي خطاب له آخر قال عن المجلس الوطني الفلسطيني الذي يضم ممثلين عن كل الاتجاهات الفلسطينية من سياسيين وعسكريين ومفكرين «إنه حديقة حيوانات».!
ووصل الحال به إلى تسليط إرهابه وبطشه على المواطنين الفلسطينيين العاديين، الذين يعملون في ليبيا، عندما أقدم على إعدام خمسة فلسطينيين شنقاً في المدارس التي يعملون بها وأمام التلاميذ الذين يدرسونهم، لا لذنب إلا لكونهم فلسطينيين ويرفضون أن يكونوا مع «اللجان الثورية» القذافية..!
وتبنى القذافي بعض المنظمات الفلسطينية وراح يمدها بالمال والسلاح في محاولة مفضوحة لشق صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، واستمات من أجل إحداث شرخ في تنظيم حركة فتح. كان يسعى بكل طاقته إلى ايجاد منظمة بديلة تحمل اسم فتح، تأتمر بأمره، وتتحدث من خلال إذاعته، وتتحرك على ضوء تعليماته، كان يود أن يضرب الفلسطينيين جميعاً ببعضهم، منظمات وأفرادًا، كما فعل الشعب الليبي تماماً، وأن يقيم على انقاضهم منظمات فلسطينية وهمية، تتجلى قوتها أولاً وأخيراً في صراخها عبر إذاعات القذافي.
وقد رفض القذافي تقديم قرض لدعم بلديات الضفة الغربية ومشاريع الإسكان والجامعات والجمعيات الزراعية في الأراضي المحتلة. ولم يدفع القذافي الا الآن ما التزم به امام مؤتمرات القمة العربية من اموال لدعم صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته الشعبية ضد الاحتلال الاسرائيلي، بل امر قبل سنوات بطرد الفلسطينيين من ليبيا بحجة انه قد اصبحت لهم دولة في غزة..!!
هذا غيض من فيض مما قام ويقوم به القذافي ضد الامة العربية، واذا كان القذافي قد فشل في تحقيق الكثير من اهدافه العدوانية ضد الآخرين، فمما لا ريب فيه أنه قد نجح في تدمير حياة الشعب اللليبي السياسية والاجتماعية والثقافية، فقد كان الشعب الليبي الشقيق اول ضحية في قائمة ضحايا القذافي.
لقد جعل القذافي ليبيا الشقيقة مسرحاً للمفارقات المضحكة والمبكية، ولكل ما هو خارج على المألوف في كافة البلدان وفي كل العصور، لقد ألغى شخصية الشعب الليبي ليحل محلها شخصيته الغريبة العجيبة، وألغى فاعلية الشعب الليبي ليحل محلها فاعليته المتداخلة المعقدة، وألغى ثقافة الشعب الليبي ليحل محلها افكاره الخرقاء وهلوساته المرضية، لقد حرم الشعب الليبي من الاتصال بأشقائه ومنع اشقائه من الاتصال به، لقد دمر القذافي وبدد التماسك الانساني الطبيعي للشعب الليبي وجعل كل فرد من افراد الشعب يتحرك وحيداً في جزيرة مهجورة.
لقد عمل القذافي منذ اللحظة التي ظهر فيها على تغييب الشعب الليبي تغييباًً كاملاً داخلياً وعربياً ودولياً، واعتبر أن شعبه الليبي هو شعب أصم أبكم لا يفقه، لذلك تأتي أفكاره العجيبة في خطبه المحشوة بالخرافات والتي يعطيها طابعاً فلسفياً، ألم يؤكد ذات يوم أن الهامبرغر هو السبب في دمار الاتحاد السوفييتي. كيف ؟ لا أحد يعلم إلا هو..!!

(*) كاتب فلسطيني

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved