Monday 3rd march,2003 11114العدد الأثنين 30 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بإيجاز بإيجاز

رسالة خاصة إلى ابن بخيت
* لا احد يشك ابدا ان الاستاذ عبد الله بن بخيت من الكتاب المرموقين والذين يشار اليهم بالبنان وميزة الاستاذ عبد الله انه كاتب شعبي ان جاز ان نطلق عليه هذا واتمنى ألا يغضب .. فهو يكتب من واقع الحياة ومن متغيراتها الكثيرة ومن ظروف واحوال الانسان في كل زمان ومكان وهذا ربما قربه كثيرا الى نفسية القارىء .. ولكن الاستاذ عبد الله اخيرا بدأت تعتري موضوعاته شيئا من النقص والتواضع وعدم الاهمية سواء في الاسلوب او في فكرة الموضوع الأساسية وكأن الاستاذ، عبد الله بدأ يكتب من مبدأ اكمل الفراغ فقط.. وربما اجد العذر للاستاذ عبد الله وغيره من كتاب الزوايا الثابتة سواء اليومية او شبه اليومية خصوصا وانهم قد كتبوا كل شيء في نظرهم ولم يبق الا ملء المساحات الخالية فقط كيفما اتفق.. واعتقد ان الكثير من هؤلاء الكتاب قد اقحموا انفسهم في تلك الزوايا اليومية فأصبحوا يكتبون لسد الخانة فقط وربما من باب الالتزام الادبي.. وهؤلاء الكتاب ربما لم يعودوا ملكا لانفسهم فهم مجبرون على الكتابة على الأقل من ناحية نفسية فهم قد الفوا الشهرة والأضواء وبريقها وبطبيعة الحال لا يريدون ان يفقدوها يوما او ان يتركوا المجال لغيرهم وهم محقون في ذلك فإن تكون في قمة مجدك يوما ثم تتخلى عن ذلك بمحض ارادتك لتجد نفسك في السفح هذا بالتأكيد من اصعب الامور على النفس البشرية واشدها ايلاما .. الكاتب من هؤلاء لابد وان يكتب موضوعا في وقت محدد وزمن محدد ويسلمه او يرسله في يوم محدد ايضا حتى لا تنزل تلك الصحيفة وهي تفتقد الى مقاله ومساحته تذهب لغيره وهذا بصراحة سبب الكثير من الضعف لتلك المواضيع وعدم جودتها كما في بدايات الكاتب الاولى بل اصبحت تلك المقالات تناقش موضوعات لا تهم القارىء على الاطلاق وليس فيها فائدة تذكر.. فالكاتب من كثرة ما كتب تشبع وأصابه الملل وجف قلمه ولم يعد لديه الجديد الذي يقدمه واختفى حتى الاهتمام بمشاعر القارىء بعد ان شعر ذلك الكاتب انه كون له قاعدة عريضة من القراء لا تستطيع ان تستغني عنه مهما كتب وهو بلا شك مخطئ تماما في ذلك.. ايضا تلعب المكافأة التي يأخذها ذلك الكاتب دورا رئيسيا ومهما في استمرار ذلك الكاتب في الكتابة حتى وان كان مفلسا فكريا وهذا مما اضعف كثيرا من مكانة ومراكز الكثير من الكتاب وعجل بنهايتهم مبكرا.. بعد ان انصرف معظم القراء عنهم وذهبوا يبحثون عمن يروي عطشهم الثقافي واكثر من ذلك يشاركهم همومهم اليومية وقضاياهم المختلفة.. وصدقوا فإن بعض الكتاب يعرف تماما بأنه لم يعد لديه شيء يقدمه ولكنه الارتباط النفسي والعاطفي بين الكاتب وزاويته سيحزن كثيرا عندما يرى زاويته خالية من اسمه وربما ذهبت لغيره فيشعر عندها انه قد فقد شيئا عزيزا عليه بعد ان ارتبطا معا ربما لاكثر من عقدين من الزمن.. وفي الحقيقة ان خسارة الكاتب لقرائه هي خسارة فادحة لا تعوضها المادة ابدا وليعرف اي كاتب ان من يكتب من اجل الكتابة اولا وثانيا وثالثا ثم الاشياء الاخرى هو من يبقى حتى وان افل نجمه وان من يشارك الناس مشاعرهم واحاسيسهم وقضاياهم ومن يسبر اغوار الانفس البشرية ليخرج خفاياها ويشاركها همومها واحزانها وافراحها واتراحها هو من سيعتلي عقل وقلب المتلقي وغيره لا.. وانا اوجه رسالتي المتواضعة هذه لاستاذي ابن بخيت لأنني اشعر بأنه ما زال لديه الكثير مما يقدمه لمجتمعه بمختلف فئاته ويستطيع ان يرتقي بكتاباته بمفرداته وبشعبيته الكبيرة ولأنني متأكد بأن الاستاذ عبد الله لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب ولا حتى فضة أو أنه كان يتمهد بمهاد من حرير لا بل ان الاستاذ ابن بخيت عاش داخل شرايين المجتمع وتنقل في اوردته وتنفس برئتيه وكان نبض قلبه ولذلك هو يكتب من واقع خبرة وتجربة واحتكاك وربما معاناة فلهذا هو يختلف عن الآخرين ويستطيع ان يكتب ما يعجز عنه الآخرون.. استاذي الفاضل عبد الله ارجوك اكتب عن ذلك الحي الشعبي الذي ضمك بين حناياه عن اهله عن ناسه عن طيبتهم اخلاصهم تفانيهم وعن قلوبهم البيضاء مشاكلهم التي لا تكاد تذكر، معاناتهم التي قهروها وذللوها بصبرهم وكفاحهم وبهممهم وروحهم الأبية.. فقرهم الذي تغلبوا عليه بذكر الله وسجود الجباه للحي القيوم والدعاء والاستغفار وبالايمان الكامل والمطلق بالقضاء والقدر.. اكتب عن الحارات الضيقة وعن الأزقة الترابية والجدران الطينية التي وان نزلت عليها قطرة مطر فاحت رائحتها بالمسك والعنبر والكادي اكتب بالله عليك عن صفاء القلوب وصدق المشاعر واللون الابيض الناصع الذي كان يغلف قلوب البشر حينذاك .. ذكرنا بالانانة وبالطفل الذي يلعب بها وحبات العرق تتساقط من جبينه كاللؤلؤ المنثور فلا يأبه بها لاهيا في غمرة من الفرح والسرور بلعبته المتواضعة تلك وبصناعته المحلية.. اكتب عن الطفل اليتيم الذي ان حصل على ثوب جديد نسي كل شيء حوله بفرحته وربما استمرت فرحته للعام المقبل الذي سيلبس فيه نفس الثوب لعدم وجود البديل.. اكتب عن ذلك الفتى الذي انتزع مسمارا من قاع رجله ثم عاود ركضه في الحياة بكل قوة وكأن شيئا لم يكن.تناول ذلك الشيخ الجليل الذي لم يعرف ممرات وأسباب المستشفيات ولا مواعيدها الطوال ولا عبث الأحياء ومات على فراشه بكل هدوء ودون ضجة او اثارة او حتى نعي.
اكتب عن تلك الام الطيبة الطاهرة التي كان قلبها يفيض حبا وحنانا وعطاء دائماً لا ينضب.. وهي راضية تمام الرضا ولم يأخذها بريق المساواة او المدنية ومزاحمة الرجال ولمعان الوظيفة والمرتب ونظرية الاكتفاء الذاتي .. اذكر تلك الفتاة البالغة من العمر اربعة عشر ربيعا والتي تزوجت وانجبت وعاشت سعيدة هانئة قريرة العين ضاربة بكل النظريات الطبية عرض الحائط التي تقول بخطورة الزواج في ذلك العمر وربما صعوبة الحمل والولادة ومخاطرهما ولا يهمها كل النظريات النفسية والاجتماعية والتي تنادي بحتمية التفاهم والتقارب الثقافي والمعرفي بين الزوجين .. فكل ذلك لا يهم لديها طالما انها مؤمنة بنصيبها راضية به وقلبها مطمئن بالايمان.. وهي فعلا تريد زوجا ورجلا ولا تريد جسدا تعبر عليه فقط لتحقيق مآرب اخرى.. تناول ذلك الشاب الذي لم ير زوجته الا في ليلة زفافه وقد عاش معها ما يربو على العقدين في هناء وصفاء وسعادة ولأنه يريد امرأة صالحة فقط ولا يطلب العيون الخضراء والشعر الاشقر ولا يهمه القد المياس والقوام الممشوق والوظيفة المرموقة والراتب المغري.. اكتب كيف كان الرجال يقضون اوقاتهم مع زوجاتهم وامهاتهم وآبائهم وكيفية قضاء شبابنا هذه الايام لأوقاتهم خلف الانترنت ووسط المقاهي وبين الازقة وداخل الاسواق وكيف ان الزوجة تنتظر زوجها الى ان تنام مجبرة صاغرة وربما على كنبة قديمة في صالة المنزل..كل هذا وغيره نريده منك وهو بالتأكيد ليس صعبا عليك ونحن نستحقه منك أليس كذلك؟ واتركنا بالله عليك من نبيلة عبيد ومذكراتها وعدد ازواجها واكلاتهم المفضلة والوانهم المحببة.. ومن سوق الغنم وشوارعه المسدودة وصباته التي لم ترحمك والعسكري المغلوب على امره وابعدنا عن ذلك المسلسل المكسيكي الممل «صورة الفنان في زمانه» والذي عانينا منه كثيرا وما صدقنا نهاية حلقته الالف الاخيرة.
تقبل تحياتي والله يحفظك ويرعاك..

عبد الرحمن عقيل حمود المساوي / الرياض

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved