Saturday 8th march,2003 11118العدد السبت 5 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

موقف تركيا تجاه نشر القوات الأمريكية والحرب على العراق موقف تركيا تجاه نشر القوات الأمريكية والحرب على العراق
سليمان علي السلطان (*)

يمر الواقع السياسي في تركيا بأزمة برلمانية بعد ان رفض تمرير قرار نشر قوات أمريكية من المحتمل ان تلعب دوراً كبيرا في الحرب المرتقبة على العراق. ورغم أن رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية لم يكف عن القول بأن تركيا تحترم قرار البرلمان وتعتز بديمقراطيتها إلا أن تحركات سياسية ضاغطة تدور في داخل الحكومة التركية ترمي إلى كسب أصوات أكبر لتمرير هذا القرار عندما يعرض تارة آخر في البرلمان كما تنوي الحكومة أن تفعل في وقت لاحق، رغم الرفض الشعبي للحرب على العراق.
وقد كان هذا القرار بالرفض الذي اتخذ يوم السبت المنصرم أثار دهشة كبيرة في الاوساط السياسية، حتى بين بعض أعضاء البرلمان الذين عادوا الى مسقط رأسهم بعد أن صوتوا في صالح التمرير من دون أن ينتظروا صدور نتائج التصويت على القرار تيقناً منهم أنه سيتم تمرير القرار في كل الأحوال. ولعل هذه الثقة المفرطة في تمرير القرار جاءت بعد أن رأى العالم مفاوضات حادة بين أنقرة وواشنطن بشأن الاتفاق على المساعدات المالية وتسهيلات القروض التي وعدت أمريكا تركيا بها إذا ما تم كسب تركيا في صفها إزاء الحرب المرتقبة مع العراق.
لكن يبدو أن صدور مثل هذا القرار لم يفت من عضد الحكومة التركية ويبدو أنها لا يزال لديها الثقة بأنها تستطيع ان تقلب الطاولة، وتكسب الأصوات الكافية للتصديق على القرار الجديد، فنفوذ عبدالله غل رئيس الوزراء التركي والسيد أرودغان زعيم الحزب الأكثر مقاعدا في البرلمان وهما من مناصري نشر قوات امريكية كفيل بأن يلقي بظلاله على أي قرار تركي جديد.
أن تركيا تمثل لأمريكا حليفا استراتيجيا لاغنى عنه في حربها على العراق، فحدود تركيا التي تطل على شمال العراق هو جزء لا يتجزأ من أي خطة حربية تنوي واشنطن أن تشنها، رغم ظهور بعض التصريحات من الإدارة الأمريكية تحاول أن تقلل من شأن موقع تركيا في الحرب بعد ان وجدت ان قواتها غير مرغوب فيها في تركيا. فمنطقة الشمال العراقي منطقة حيوية كتلك التي في الجنوب، ولا يمكن للقوات الامريكية أن تضمن سيطرة تامة على العراق إلا بعد أن تسيطر في شمال العراق أولاً، وذلك عن طريق تطويق العراق من الجنوب والشمال في وقت واحد، ومن شأن هذا أن يمنع أي خطر يمكن أن ينجم من الشمال.
فأمريكا وعدت أن تقدم مساعدات مالية ضخمة على شكل هبات وقروض، بالإضافة الى تقديم دعم وتسهيلات أخرى للحصول على قروض مالية من مؤسسات مالية عالمية في وقت يمر فيه الاقتصاد التركي بأزمة مالية، ويرى بعض ساسة تركيا أن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو مساندة أمريكا وتخطف مساعداتها المالية.
وفي الطرف الآخر، فلا يزال لدى تركيا مخاوف لم تخف معالمه بريق الأموال التي تعرضها امريكا عليها. فلا يزال تركيا غير مطمئنة الى ما يمكن رغم التأكيدات الأمريكية تفضي به الحرب من اضطراب في الشمال من الأكراد الذين يكنون لتركيا البغضاء لما تمارسه من اضطهاد على 17 مليون كردي يعيشون في تركيا، وقد يؤدي هذا إلى مطالبه يبدو من الصعب ردها في حالة اختلال ميزان القوى في العراق وتغير خارطتها بقيام دولة مستقلة للأكراد في شمال العراق، ينضم اليها أخواتهم في تركيا، وهذا الأمر طالما كان شبحا يثيرالرعب لتركيا التي تضع تعصبها القومي فوق كل اعتبار حتى لو على حساب قوميات الامم الاخرى، والامر الآخر الذي تخشاه تركيا هو تداعيات الحرب على العراق على اقتصادها، فهي تعتمد بصورة أساسية على العراق في الإمدادات النفطية، ولا يمكنها ان تجد بديلاً إلا بأن تتكبد كلفة اعلى، بالإضافة الى ما يمكن أن يؤثر هذا على الحركة التجارية بين البلدين، فلا يزال شبح الكارثة الاقتصادية التي نجمت من حرب الخليج الثانية شاخصا أمام أعين الأتراك.ولا يبدو أن لدى تركيا نفس الحماس للحرب الذي كان لديها في حرب الخليج الثانية أو في حرب افغانستان فقد تخسر اكثر مما ستكسبه من هذه الحرب. فتركيا ترى مستقبلها كله منذ زمن بعيد في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وقد قطعت شوطا طويلا في هذا الشأن وتلقت وعودا في الأمس القريب بالنظر الى ملف انضمامها في السنوات المقبلة، ولا يخفى عليها أنها بالمشاركة مع امريكا في هذه الحرب ستغضب بعض أعضاء الاتحاد الاوروبي المؤثرين على القرار في داخل الاتحاد مثل فرنسا وألمانيا، ففرنسا اكثر من مرة لم تخف من أنها ستعرقل من انضمام أي دولة أوروبية إذا وقفت بجانب امريكا في الحرب على العراق، وهكذا فإن تركيا إذا شاركت في الحرب ستخاطر بفرصتها باللحاق بركب الاتحاد الأوروبي، وهي تعلم ان الوعود التي قطعتها أمريكا على نفسها في الضغط على الاتحاد الاوروبي لم تعد مجدية، فصوت أمريكا لم يعد محبباً (وربما لم يكن في يوم من الأيام) لدى دول قارة أوروبا بعد ان افصح رامز فيلد وزير الدفاع الامريكي بكل فجاجة في مشاحنة مع المانيا وفرنسا حول دعم الحرب على العراق عن رأي امريكا بالقارة الأوروبية، ونعتها ب (أوروبا العجوز) التي تحاول أن تعيد مجد صباها البائد وتظهر على المسرح السياسي العالمي كقوى عظمى تناطح الولايات المتحدة.وبرجماتية تركيا السياسية العلمانية لا تستطيع أن تقنع الرأي العام التركي المناهض للحرب، ربما يصف هذا أعظم وصف ما نقلته ال (نيويورك تايمز) عن مشروع تركي قد صوت ضد قرار نشر القوات الامريكية في الأراضي التركية (أني واقعي، فكل يوم من دون مواربة أتلقى من 60 إلى 70 رسالة من أفراد الشعب، يخبروني فيها بأن أصوت ضد القرار).. والسيد أردوغان في حيرة من امره، فآخر شيء ممكن أن يفعل هو ان يغامر باسمه ويشيح بوجهه عن رغبة الشعب التركي وهو يعدنفسه لانتخابات تكميلية الأحد المقبل ستمهد له السبيل لمنصب رئاسة الوزراء الذي يطمح اليه.
أن الأمل ضعيف في ان تبقى تركيا على قرار عدم نشر القوات الامريكية وأن تشيح بوجهها عن الإغراءات الامريكية خاصة أنها في حاجة إلى دعم امريكي مع دنو توصلها الى اتفاقية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قسط مالي ضخم من برنامج المعونات الذي تقدمه المؤسسة.
أن الحرب التي تزمع امريكا أن تشنها على العراق وضعت تركيا في موقف لا تحسد عليه، فهي أمام أمرين أحلاهما مر.. وبين مطرقة الحاجة إلى نفوذ وأموال امريكا وسندان وضعها السياسي الإقليمي في الداخل والخارج.

(*) مستشار الموارد البشرية الشركة البريطانية للطيران والفضاء

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved